مامادو ديوب “مورتود” احد أبناء الضفة الخالدين

فى قرية وادعة على ضفة النهر تابعة لمقاطعة امبان بين “دبانگُو” بوگي وكهيدي وفى أحد صباحات شتاء 1942 رزق شيخ القرية “صمبا بوديل ديوب” بولد سماه بعد أسبوع من ولادته “مامادو” أعد النساء أواني لبن البقر الرائب ” كُصَمْ نَمَچِّي” مع أطباق “تاكري” و “لاخْ” و”كرَو” وجاء بوديل صمب للمدعوين بعجل حنيذ وحين قربه إليهم لم يحتج لقول ألا تأكلون لأن القوم أكلوا بنهم فاللحم لا يتوفر كل آن وشيخ القرية لا يرزق بطفل كل يوم.
وفى المساء رقص الناس على أنغام “الگمبره” وأصوات “أباش إشغلان – الدَّقمه” لكواز المعدة للضرب ورفعت الخيل “إيگجولنْ” أرجلها صافنة راقصة ولوّح الرجال بالعمائم والنساء بـ “ميْسوراتهن” واستمر الحفل وتواجد القوم حتى الغروب بين “تيكّاتنْ” ذلك “الكصر” الوديع.

تلقى مامادو مبادئ الدين باللهجة البولارية فى “امْبانْ” ،وفى السابعة أرسل إلى بوگى ودخل المدرسة الابتدائية، تنقل بين امبان وبوگي وكيهيدي وسيلبابي ومقامة ودار البركه وتوفندي سيفى و سارا ندوكو وبابابى وامبود ، و فى الخمسينات ذهب لتلقى التعليم الثانوي فى سان لوي بالسينغال وهي حين ذاك عاصمة الغرب الإفريقى.

كانت سان لوي مدينة تنبض بالحياة تجمع بين الأناقة والجمال وروعة الطقس ورغد العيش، تلقب مامادو بلقب “مرتدو” وهي تعني بالبولارية المتمرد والثائر وتعرف على الفكر الأحمر حين التحق حدثا وفى بدايات تشكل وعيه السياسي بصفوف الحزب الإفريقي للاستقلال بزعامة الصيدلي “ماكموت ديوب” وهو حزب ماركسي لينيني كان يناضل من أجل الاستقلال والوحدة الإفريقية والاشتراكية بنمطها السوفيتي ومقارعة الرجعية، وكان الحزب يتخذ من سان لوي مقرا له، تحدى أفراد الحزب الجنرال ديغول إبان زيارته للسينغال 28 سبتمبر 1958 وهتفوا ضده فى ساحة الإستقلال بدكار فتم اعتقال بعضهم.

رجع مرتدو غداة الاستقلال إلى المنتبذ القصي، وشارك فى امتحان أجرته إدارة الجمارك الناشئة لاكتتاب بعض العناصر، بعد اجتياز الدورة التدريبية تسلم عمله ضابط صف فى إدارة الجمارك وكان الأمين العام لنقابة الجمركيين الموريتانيين وفى انواذيبو كان فاعلا فى الإتحاد المحلي للدفاع عن حقوق عمال “ميفرما – MIFERMA ” مع إبراهيم ولد حيموده، كما تم اختياره للمشاركة فى دورة بالمدرسة الدولية لنقابات مناضلي إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فى موسكو من 1966 إلى 1968 وتزامن ذلك مع أحداث مايو فى فرنسا وأوروبا حيث تحرك آلاف الشباب ضد الرأسمالية والامبريالية.

عام 1973 حصل مرتدو على منحة دراسية لمتابعة الدراسات العليا في القانون الدولي في جامعة شيفشينكو فى كييف عاصمة أوكرانيا “الاتحاد السوفياتي السابق”.إلا أن الظروف المناخية القاسية أجبرته على الانتقال إلى فرنسا حيث درس فى جامعة باريس الثامنة وجامعة السوربون العلوم السياسية والتاريخ. وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم لسياسية والماجستير في علم المصريات.

و” مرتدو ” باحث في علم الإجتماع، و شاعربالفرنسية والبولارية . ومن أبرز الداعين إلى تعزيز مكانة اللغات الوطنية وكتب عن تهميش الأقليات الزنجية وحقوقها ، وقد ألف وترجم عشرات الكتب ، كما ترجم بعض معاني القرآن الكريم إلى البولارية ، وترجم نظرية تشكيل الكون منذ الانفجار الكبير، والبحث العلمي والوصول الى معرفة الله، ودور المرأة في المجتمع ، ولمحة موجزة عن تاريخ السود الهالبولار ، بالإضافة إلى آلاف المحاضرات.

تأثر “مرتدو” بالمفكر وعالم المصريات السنغالي الشهيرالشيخ أنتا ديوب الذي كتب عن وحدة إفريقيا الثقافية وأن الفراعنة “إفلان”، والطابع الإفريقي للحضارة المصرية ، و “سرقة” الحضارة الإفريقية من قبل الاوروبيين والأمريكيين وقد ترجم مورتودو بعض أعمال الشيخ أنتا جوب واعتبر نفسه وريثه الروحي.

يوصف مرتدو بأنه الزعيم الروحي لحركة ” افلام”، ويقول مرتدو:
اليوم تعيش فى موريتانيا قوميات يجب أن تتقاسم الثروة الوطنية ، لتحقيق الاستقرار في البلد وأن لايهيمن البيض على السود باستعبادهم وإقصائهم من خلال فرض العربية وتهميش اللغات الوطنية للبولار ، السونينك ، الولوف ، البامبارا وحتى الحسانية التى هي مزيج من البربرية والعربية – حسب مرتدو – يجب أن تدرج ضمن اللغات الوطنية التى تدرس , ولا يجب أن تطمس باللغة العربية التي يحاول من خلالها البظان اختطاف البلد وردم هويته الوطنية ، ويدعو مرتدو إلى تشجيع المساواة بين الثقافات واللغات، وأن تفتح أمامهم وسائل الإعلام بالتساوي “الإذاعة والتلفزيون ” .

من ضمن من اعتقل فى عهد التجاذب وسنوات الجمر والرصاص في عهد ولد الطايع مرتدو جوب، الذى فقد حاسة السمع أثناء تعذيبه بوصفه الزعيم الروحي لحركة ” افلام” وتم اطلاق سراحه لإعتلال صحته فذهب عميد المعارضة الموريتانية كما يسمى طالبا اللجوء السياسي فهاجر أولا إلى روسيا ثم إلى الولايات المتحدة التي انتقل منها إلى فرنسا حيث نشط في السنوات الأخيرة من حكم ولد الطائع في المعارضة السياسية والحقوقية التي أرقت نظام هذا الأخير.

مرتودو مقاتل لايعرف الكلل ناضل من أجل الحرية وتحرير الشعوب. قام بجمع وتنسيق اللاجئين الموريتانيين فى السنغال ومالي حيث كان الراعي الرئيسي لتنظيمهم ومنع دمجهم فى الخارج وعمل جاهدا من أجل عودتهم للمنتبذ القصي.

عاد مرتودوإلى المنتبذ القصي بعد انقلاب 3 أغسطس 2005 الذي أطاح بولد الطائع ونشط في هيئات سياسية محسوبة على الطائفة الزنجية، وساند المرشح صار ابراهيما فى انتخابات 2007 باسم حركة “التجمع من أجل حوار الوطنيين الموريتانيين” ثم أعلن مساندة المرشح احمد ولد داداه في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية “..

وفى 19- 8 – 2008,, أعلن مرتودو جوب انخراطه في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية “FNDD” المناوئة للانقلاب والداعية إلى عودة الرئيس المنتخب سيد محمد ولد الشيخ عبد الله ، وأصدر مذكرة ضمنها ما اعتبره مقترحات للخروج من الأزمة وظل عضوا نشطا فى الجبهة وحضر رغم مرضه بعض اجتماعاتها ،
وعن موضوع الإرث الإنساني ومحاولة الجنرال عزيز تصفيته من خلال الإعتذار والتعويض والصلاة قال زعيم حركة المعارضة مرتدو جوب :
إن بعض قادة المجلس الأعلى للدولة الحاكم في موريتانيا متورطون فى جرائم تصفية عرقية ضد المواطنين الزنوج وسنواصل النضال حتى يتم عرض هؤلاء على المحاكمة عاجلا أم آجلا .
وقال إن هؤلاء لا يمكن أن يعملوا على تسوية هذا المشكل الذي هو مصدر حرج لهم، ويريدون التغطية عليه بالادعاءات والوعود أو من خلال الانقلاب على السلطة من أجل التستر عليه بشكل نهائي ، لكن إن عاجلا أو آجلا وما لم يعملوا على حل هذا المشكل فسيقدمون للمحكمة الجنائية الدولية كما هو حال كل الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية . وقال مرتدو إن هناك شروطا لابد منها لتجاوز مشكلة الإرث الإنساني من أبرزها، حسب قوله:- تعيين لجنة تحقيق لتسليط الضوء والكشف عن كل الجرائم المرتكبة من عهد ولد الطايع حتى عزيز .
– محاكمة كل المتورطين في هذه الأعمال وتعويض كل الضحايا
– استعادة كل الموظفين لوظائفهم السابقة وكذا العمال المفصولين لأسباب سياسية مع دفع رواتب هؤلاء بشكل كامل.
– استعادة الضحايا لكل ممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية ومواشيهم وأموالهم المسلوبة منهم قسرا
واكد مرتدو انه لا يمكن العفو قبل تسوية هذه المظالم ومحاكمة مرتكبيها.

وفى يوم الخميس 11 يونيو 2009 أسلم مرتدو الروح إلى باريها فى مستشفى انواكشوط عن عمر ناهز 67 عاما كانت حافلة بالجدل بين الخصوم والأصدقاء.

كامل الود 

إكس ولد إكس اكرك

شاهد أيضاً

واشنطن تسمح بمرور مشروع قرار لوقف القتال في غزة

بعد أكثر من 5 أشهر من الحرب في غزة، تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *