أحكام الإعدام في ليبيا تلقي بظلالها على حكم القانون

150812144609_libya_death_sentences_640x360_reuters

في يوليو الماضي أصدرت محكمة في طرابلس أحكاما على أكثر من 30 مسؤولا وشخصية عملوا في ظل حكومة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وتضمنت هذه الأحكام إعدام 9 أشخاص وبراءة 4 فضلا عن أحكام أخرى متفاوتة بالسجن بتهم ارتكاب جرائم حرب.

وكان من بين المدانين والمحكوم عليهم بالإعدام رميا بالرصاص سيف الإسلام نجل، الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ورئيس المخابرات الحربية السابق عبد الله السنوسي، وهو الشخصية التي كان يهابها الليبيون بدرجة خرافية تقريبا، لسبب يعتبره البعض وجيها.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد طلبت أيضا تسليم سيف الإسلام القذافي والسنوسي إليها لمحاكمتهما بشأن مزاعم ارتكاب جرائم حرب خلال ثورة 2011 التي أنهت حكم القذافي الذي استمر 42 عاما.

لكن الحكومات الليبية المتعاقبة أصرت على محاكمة الرجلين في ليبيا.

واعتقدت الحكومات أنها بذلك سيكون بإمكانها أن تظهر للعالم قدرتها على إجراء محاكمة عادلة.

وربما كان ذلك خطأ جسيما.

فالعدالة الانتقالية عملية معقدة مشحونة، غالبا، بالعواطف.

وهذه العدالة أكثر تعقيدا في ليبيا لأن البلاد انتقلت من حرب إلى أخرى.

واليوم ليبيا ليست آمنة لأي شخص.

“إخفاق للعدالة”

وتوضح الأحكام الصادرة قدر الصعوبات التي تواجه إجراء محاكمات منصفة في بلد تحكمه الميليشيات، ويحركه الانتقام ومجرد من أي حكومة مركزية فعالة.

وهذه قضية رئيسية شابت سير المحاكمات منذ بدايتها.

فهذه المحاكمة لم يُقدَم فيها شهود، كما لم تُعرض أو تُناقش أدلة في المحكمة.

الزعيم الليبي معمر القذافي توفي متأثرا بجراحه بعد القبض عليه في أكتوبر/تشرين الأول 2011

وقال لي وزير العدل السابق صلاح الميرغني، الذي كان في منصبه في بداية المحاكمة :”إنه إخفاق للعدالة سيطارد ليبيا لوقت طويل.”

وأضاف أن الليبيين كانوا “قد حرموا في عصر الاستبداد من الوصول إلى الحقيقة عن طريق محاكمة عادلة.”

فماذا تعني هذه الأحكام؟

هناك أمور كثيرة غير مفهومة في ليبيا، من بينها أحكام القضاء.

كما أن التهم التي استند إليها لتوقيع عقوبة الإعدام ليست واضحة بالتفصيل.

كذلك صمت الدول الغربية يصم الآذان، وأعطى غياب رد فعل رسمي من هذه الدول فرصة لنظريات كثيرة أطلقها بعض المراقبين.

هل أن هؤلاء الرجال (المدانين) يعرفون أمورا أكثر من اللازم؟

ربما يكون من الأنسب لدول مثل فرنسا وبريطانيا أن يعدم هؤلاء الرجال.

فالرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي متهم بقبول أموال من القذافي لتغطية حملاته الانتخابية. وينفي ساركوزي بشدة تلك المزاعم.

كما كشفت مستندات داخل مقر المخابرات في طرابلس في عام 2011 عن تعاون بريطاني مع ليبيا فيما يسمى بإجراءات مكافحة الإرهاب.

وتضمن ذلك تسليم إسلاميين مشتبه بهم والسماح لمساعدي القذافي بملاحقة منشقين في بريطانيا.

وقائمة السيناريوهات الجنائية والمحرجة المحتملة طويلة.

ويشير أحد الدبلوماسيين الغربيين إلى أن غياب ردود فعل رسمية من جانب عدد من الدول ربما يكون له دلالة.

وقيل لي إنه لا يرغب أحد في قول أي شئ قد يفسر على أنه تصريح مؤيد أو معارض للقذافي.

انتظار تأكيد الحكم

رئيس الوزراء الليبي السابق بغدادي المحمودي من بين المحكوم عليهم بالإعدام

قد يبدو الصمت غريبا في ظل عالم يعج بردود فعل متسرعة للحكومات الأجنبية بشأن كل ما يتعلق بليبيا.

ومازالت أحكام الإعدام تحتاج إلى تأكيد من المحكمة العليا.

وقال مهدي بوعواجة، محامي تونسي عن رئيس الوزراء الليبي السابق بغدادي المحمودي، مؤكدا لي :” ربما سيعدموهم في غضون شهرين.”

والمحمودي من بين التسعة المحكوم عليهم بالإعدام.

ويزعم بوعواجة أنهم يملكون “دليلا” على أن الأحكام نوقشت و”اتخذ القرار بشأنها” على مستوى رفيع بين برلمانيين اثنين ومسؤول قضائي في طرابلس قبل أيام من النطق بالأحكام علنا.

وهذا لا يمكن التحقق من مصداقيته.

قواعد النزاع على السلطة في ليبيا

أذكت الحالة الراهنة في ليبيا ووجود برلمانيْن وحكومتين متصارعيْن تساؤلات بشأن الدوافع السياسية وراء التسريع المفاجئ للمحاكمة.

ويعتقد ميرغني في وجود انقسام على الجانبين، فالقضاء الليبي “يكافح من أجل التزام الحيادية في مناطق الصراع” و “الغرق أكثر في السياسة.”

وتمهد طريقة صدور الحكم الأخير الطريق أمام المزيد من الأحكام المماثلة بناء على العملية (القضائية) ذاتها.

كما تغذي إنعدام الثقة في القضاء، وهو ما قد يفضي إلى اعتقاد الناس بأنه من الأفضل أن يحققوا العدالة التي يسعون إليها بأنفسهم، إنها حلقة مفرغة ومسار خطير نحو الهاوية.

قبل أربع سنوات شاهدت رجالا ونساء يتحقرون شوقا للتغير عندما انتهى حكم القذافي. كانت العدالة في عصره نادرة وأشبه بكسوف الشمس.

لكن الظلال التي تخيم على حكم القانون اليوم أكبر 

BBC

شاهد أيضاً

ولد سيدي يحي متحدثا عن التنافس القبلي في جمع التبرعات لغزة ( فيديو )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *