يوم بكنكوصه ….الشيخ محمد المامي اسلام

الش

كنكوصة التي تعود تسميتها إلى ”كان” “كوصم” و التي تعني بائع اللبن كان الذي ارتبط اسمه بهذه المهنة و ربما كانوا ينادونه “كان” “كوصم” إي تعال لتأخذ اللبن، في تلك الفترة التي يردها سكان القرية إلى ما قبل 1948م
باتت هذه المدينة اليوم مكتظة بالسكان من مختلف الأجناس حيث يتعايش فيها جنبا إلى جنب بسلام و وئام المواطنون ذووا الأصول المالية الذين سكنوا المنطقة في فترة ما قبل الاستقلال  و الذين تتواجد بقية منهم بقرى مثل : لكواته و كاغي … و هم الذين يسمون محليا ب “صومنات”، و المواطنون الأصليون من أصول موريتانية مختلفة و أن شئتم من بُطُون مختلفة فهنالك الزوايا و لكم أن تصنفوهم بحسب قبائلهم (مسومه، تنواجيو…) و هنالك آدوابه و هنالك أقليات من العرب كأولاد امبارك و لا أدل على ذلك من وجود قبر أحد أشهر أمرائهم: سيد أحمد المخطار المعروف ب سيد احمد للمخطار اعل حسان اشريف، بهذه الأرض و هو الذي خُلد المكان الذي دفن فيه في كاف و طلعة سدوم ولد انجرتو اللذان يرثي بهما الأمير.
گفات ظرك العربية == خلات في الزر التللي
كبر اسمع و المزي == فمسيلت سورومللي
نزلت بهذه الأرض مساء الأحد الموافق 28-02-2016م و بدأت العمل بيوم تاريخي استثنائي “كبيس” 29-02-2016م.
تجولت بعض الشيء في شوارع المقاطعة مع صديق لي خدم بالمنطقة أربعة أعوام و التقيت بعض السكان و تبادلت معهم التحايا فإذا التواضع و الدَّعة و البشاشة تعلوا وجوه الجميع، واصلت التجوال مع صديقي الذي بات يعرف المنطقة حق المعرفة.
لم تعرف شوارع المدينة يوما التعبيد و لا حتى التهيئة أو الترصيف كي يسهل ذلك على أصحاب السيارات الصغيرة التنقل بين مختلف أطرافها بل ظلت الرمال المتحكم الأكبر بالموقف، لكن ذلك لم يمنع سكانها من قهر هذه الظروف و إنشاء مبان محترمة تقارب في خصائصها الفنية مبان بأحياء غير راقية بانواكشوط حتى لا أقول شعبية و تزويد متاجرها بنفس البضائع التي توفرها بقالان شارع المقاومة المعروف في انواكشوط ب”شارع عزيز” و بأسعار معقولة، 
دلف صديقي إلى أحد الدكاكين و اشترى ديكا معلبا و فور خروجه ألقى التحية على إحدى بائعات “باسي” و سألها “العيش خالك”؟ قالت نعم، رد عليها “هو العيش و اديوك إكدو يخلطو؟؟” أجابت بنبرة استغرابية مَاااااانيَّ أي مستحيل.
و لم أتماسك و علقت قائلا ربما اديوك اكدو يجابرو امع باسي لان الأخير صناعة محلية، و العيش صناعة أجنبية على المقاطعة، ضحك صديقي و قال : “أهيييييه أنت عايد عنك امخلص منا كولان عن العيش و اديوك كانهم اكدو يخلطو”، أي قصدت التلميح إلى قولنا بأن “العيش” و الدجاج لا يمكن أن يجتمعا في وجبة واحدة،  و ضحك كثيرا و واصلنا المسير و مررنا من شوارع مختلفة استحالت أرضها رمادية إن لم نقل سوداء فاحمة بسبب مرور العربات و الشاحنات و الأفراد و باتت تشبه إلى حد كبير منطقة القمر الصناعي بمدينتي مدينة انواذيبو أواخر الثمانينات من القرن الماضي من حيث الأبنية العتيقة و الرمل الأسود و تركز السكان و اكتظاظهم.
لكن بيت القصيد الذي أثار انتباهي و جعلني أسود هذه المعالجة و لكم أن تسموها خاطرة، هو كلمات لا بل تسميات سمعتها من بعض سكان المنطقة حركت بعض سواكني و جعلت أغالب أفكاري و أراودها كي لا تتدفق عبر هذه الكراسة هذيانا غير منظم أو مهذب.
يقول احدهم لمحاوره: “أنا جيت الْسُورُومَّلْيَاتْ اثْلاَثَ و اغلبن نجبر افلان” أي بحثت عن فلان في سورومَّلِّيات ولم أجده.
قلت و ما الذي تعنيه ب سُورُومَّلْيَاتْ؟ قال سُورُومَّللِّي موضع لا بل ثلاثة مواضع و سجلت الفكرة و واصلت كبح التعليق، و في مجلس آخر قال أحدهم: اكبظ زر لـمْسِيلَ و تم ماشي امعاه….، و بينما كنت انظر في وثيقة هوية لأحدهم وجدت مكتوبا فيها فلان بن فلان مولود ب “گرل”، قلت من يقرأ هذه الكلمة قراءة صحيحة؟ رد أحد الحاضرين أرني، و عندما أريته الكلمة قال: هذه ”كَرَلَّ”…
و لم أكد حينها أتمكن من كبح جماح التعليقات و الملاحظات التي باتت تختمر في ذهني منذ فترة و وجهت حينها كلامي لصديقي، قلت هذه الكلمات الثلاث: لمسيله و سورومَّلِّي و گَرَلَّ تذكرني بالطلعة  التي يتغزل فيها: بناهي ولد سيدي الذي ينتهي نسبه إلى لمرابط سيدي محمود،على محبوبته اميلمنين؛ قال: صحيح ماقلت كل تلك المواضع بكنكوصة و استطرد يحكي: 
لـــــمْــــسِيـلَ كَــــاعْ إِلَى تَمَّيْتْ == تَــــسْــــمَـعْ مَا خِلْكِــــتْلَكْ حِيلَ
لـمْسِيلَ يَعَگْـــــلِ فـَــــغْــــنَـيْـتْ == مَــــاهِ  بَـــــاطْ الاَّ لـــمْـــسِــيــلَ
لـــمْـــسِــيـلَ مِنْ عَـنْدْ اگْـوَيْبِينْ == للِسُّـلْـــطَانيَّ مـَـوكـــرْ شَـيْـــنْ
ؤُمِنْ عَنْدْ الرَّگْ الْـــعظم الطِّينْ == شَوفِتْهَا فِالْـــعـَيْـــنْ اثْـــقِـــــيلَ
سُــــورُومَّــــللِّي وللَّ لَـــــثْــنَـيْنْ == أَلاَّ تَــــمِّـــــتْ فِـــــيـــهــاَ حِــيــلَ
يَــــغَـيْرْ امْنَيْــنْ اتْشُوفْ الْعَـيْنْ == گَــــرَلَّــــل وَلَّــــل لَـــعْـــــزَيْــــــــلَ
ؤُ حكم ابْلِكْوَاتَ وَاْمــخَيْزِيـنْ == ؤ لحريجات أُعَـــظْـمْ ءَاتِـــيــلَ
هَــذُوكْ ادْيـَارْ امَّــيْــــلَـــمْــنِـــينْ == يـَــــالـدَّلاَّلْ ؤُذِيـــكْ اطْــــــوِيـــــلَ
ؤُذَاكْ اصَّ هُــوَ بَــلْ امْــــنَــــيْنْ == عَــــادِتْ لـــمْــسِيـلَ لـــــمْــسِيـلَ
///- مصدر الطلعة حكاية الأديب الراحل: ابوكي ولد اعليات بصوته في برنامج لقاء مع التراث الشعبي.
يقول الشاعر ليست لـــمْــسِيـلَ ذلك الموضع البسيط الذي يختزن ذكريات لشخص ذي مكانة خاصة بالنسبة للشاعر أنتجع به و بمواضع مجاورة له فترة من الزمن، بل هي سلسلة مواضع انتجعت بها أسرة محبوبة التي سماها امَّــيْــــلَـــمْــنِـــينْ و قد يكون هذا الاسم مموهاً، و شكلت تلك الأماكن عِقْداً ذهبيا لا يكاد يستغني بعضه عن بعض و واسطة هذا العقد هي: لـــمْــسِيـلَ و حذار من أن تعتبرها المكان الذي تعبر منه مياه الأمطار في فصل الخريف قاصدة مكان تجمُّعها، بل هي كُلٌّ متكامل و عِقْدٌ نَظِيم لاينفك بعضه عن بعض، تمتد من اكويبين للسلطانيه فالركْ و عظم الطين حيث حشد الزوايا الهندسية التي تمكن من إلقاء نظرة جيدة على لـــمْــسِيـلَ و تلك التي لا تؤمن تلك النظرة و هنا يجب أن تتوقف لان مسيرة الانتجاع و تتبعها يحتفظان لشاعرنا بشحنة عاطفية كبرى تكاد تُفقد صاحبها بصره و تضعف تحمله و تشعل فيه جوى الشوق و لظى الهيام، فسوروملليات و ”كَرَلَّ” او لعزيلة إلى أن يصل لحريجات و عظم أتيلة حيث تختزن هذه الأماكن عبق التاريخ و الذكريات الجميلة حيث كانوا في فترة انتجاع ذهبية، و الشاعر باستخدامه لأداة العطف “وَلَّل” دلل ذلك على أنه لم يكن حاضرا و لم يُعاين بل نقل خبر انتقال محبوبته و أسرتها بين هذه الأمكنة (اديار) عن ثقة أو ثقات (سُــــورُومَّــــللِّي وللَّ لَـــــثْــنَـيْنْ)، (گَــــرَلَّــــل وَلَّــــل لَـــعْـــــزَيْــــــــلَ) … و هنا يعيد و يؤكد التنبيه أن لـــمْــسِيـلَ تعني فعلا هذه السلسلة الذهبية الجميلة و غيرها لا يستحق أن يحمل نفس التسمية.
و هنا وقفت مشدوها للأمانة في السرد التاريخي و جمال الوصف و روعة الأسلوب و ابتعاد الشاعر عن التصريح، فكم من اميلمنين كانت بتلك المرابع؟ و لأي جهة أو أسرة تنتمي اميلمنين التي يقصد الشاعر فعلا و ربما اعتبرت جميع من تسمين باميلمنين آنذاك أنهن معنيات بالطلعة الجميلة، لكن صاحبة الخاتم تعرف نفسها جيدا كما أن للعذرية في الغزل و الحياء و المحافظة نصيب وافر في هذه الأرض.
أعتذر عن الإطالة.

الشيخ محمد المامي اسلام
elmami202@gmail.com

شاهد أيضاً

المورابطون بنتزعون تعادل ثمين من أمام اسود الأطلص

حسم التعادل السلبي، مباراة  المنتخب الوطني، ونظيره المغربي في إطار أيام الفيفا.  المباراة التي احتضنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *