وسام الشرف ووصمة العار ﻻ يتحققان بمجرد اﻹصطفاف / الشيخ التجاني عبود

arton644

قرأت للوزير والدبلوماسي السابق محمد فال ولد بﻻل ، مقاﻻ بعنوان ( المعارضة وسام شرف والمواﻻة وصمة عار ) وكعادتي مع السطور التي بدأ يتحفنا بها معاليه منذ أن ترجل و نزل من أبراج الوزارة والسفارات ، بادرت بقراءة المقال أفتش داخله عن المعاني الجليلة والصور البديعة ولمسات الجمال البنائي التي عادة ما ترسمها ريشة حائرة ، ارتوت من محابر التجربة وطول المراس، لقد أسرني معالي الوزير واختطفتني كتاباته ، وبات الشوق يملؤني والنهم يجتاحني لكلماته القصيرة المليئة بالدفئ والحرارة، وكأنها تحرق و بحث عن التغطية المفقودة و شلال حسرة على تلاشيها وضياعها .

لكنني لم أجد في المقال متعتي ، ولم اهتد في دروبه إلى المعاني السامقة والأحكام الرصينة التي تناسب مقام الكاتب ، لم اتنفس فيه روائح الورد و ﻻ عبق الشذى ، كان اﻷحرى بمعاليه أن يتسامى على اﻻرتهان لموقف سياسي طارئ و مؤقت ، ويضرب الحدود والفواصل ويقيم الحواجز الصلبة بين ماهو سياسي وفكري محض ، إذ يتمايز المجاﻻن وتختلف طرائقهما في تناول القضية الواحدة ، ينداح التسيس و تصمت عقيرته أمام منطقية الفكر و صوﻻت صرامته الشديدة وحريته الواسعة ،

لقد وصل الكاتب الى حكمه ( المعارضة وسام شرف والمواﻻة وصمة عار ) عبر طريق بسيط و باستدﻻل غريب حيث رتب على مطالبة المعارضة واحتجاجاتها وجود كل تحسن في مجاﻻت الحياة ، دون ان يكلف نفسه عناء البحث واستحضار تلك المطالبات واﻻحتجاجات ،وتسمية مخرجاتها المترتبة عنها ، و إذا كان اﻷمر حقيقة على ذلك النحو أﻻ تستحق المواﻻة باستجابتها للاحتجاجات الناعمة للمعارضة أن تحصل على وسام شرف هي اﻷخرى ، ألم تقم المواﻻة بالمبادرة والفعل في اﻻتجاه الصحيح والمعارضة تسبح ساعتها في أودية أخرى ، وفي هذا المقام ﻻ بد من التجريد ومعالجة أمثلة واقعية ليستبين القارئ الكريم ملامح القضية ، ويحكم طبقا لمقدمات الوزير التي رتب عليها حكميه .

لقد ارتبطت موريتانيا على حين غرة من أهلها و حضارتها بعلاقات دبلوماسية مشينة مع كيان الغدر والخديعة ،وفي ظرف معلوم مثخن بالحساسية والخصوصية والقيود الثقال أقدمت المواﻻة في خطوة شجاعة و مباركة على إنهاء هذه العلاقة وبترها نهائيا ، لم يكن اﻻجراء طبعا استجابة لطلب المعارضة وﻻ نتيجة ﻻحتجاجاتها ، بل إنها لم تباركه انحيازا منها لخطها السياسي وليس الفكري .

أشعلت المواﻻة حربها ضد الفساد ، لم يكن ذلك طلبا للمعارضة ، وﻻ استجابة ﻻحتجاجاتها ، بل إنها عارضت ووقفت في مسار هذه الحرب بتأويلاتها اليعيدة وتفسيراتها السياسية ، وبنظرة اصطفاف منحازة ﻷباطرة الفساد الذين استمرؤوا خيرات البلد طيلة العقود الخالية .

شدت المواﻻة معصمها على البلد ، ووضعت تصورها المثالي و هيأت الجيش وحفزته لتأمين البيضة وحمايتها من اﻻرهاب المتربص والسموم المتلمظة في الداخل وعلى حدوده الشرقية والجنوب شرقية ، لم تكن المعارضة وقتها تطالب بالتصدي لهذه المخاطر ، ولم تحتج ضد اﻻنقطاعات المتكررة للكهرباء ، ولم تنتبه لضرورة اﻻنحياز لمرضى السرطانات والفشل الكلوي ، و لم تهيج مواطنا لتوفير المشافي والمعدات لهم .

للمعارضة محاسنها وللمواﻻة محاسنها ، وﻻ يمكن اعتبار احدى المؤسستين لذاتها شرفا واﻷخرى عارا ، فبقدر التماهي ﻷي منهما مع المبدأ والحقيقة يكون اﻻقتراب من احدى الصفتين ، فالمعارضة حين وقفت ضد اﻻنقﻻب وسعت ﻻفشاله كانت شرفا ، وتتحول الى مرابع العار حين ﻻ تكترث وﻻ تثمن حجم اﻻنجازات المحققة ، و تسقط في مسارب العار المظلمة حين تجنح لإشعال الفتنة وتدفع الغلمان ﻹراقة الدماء .

الشيخ التيجاني عبود

 

شاهد أيضاً

واشنطن تسمح بمرور مشروع قرار لوقف القتال في غزة

بعد أكثر من 5 أشهر من الحرب في غزة، تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *