الكراكات قنبلة حدودية موقوتة

img_%d9%a2%d9%a0%d9%a1%d9%a6%d9%a1%d9%a2%d9%a2%d9%a5_%d9%a1%d9%a2%d9%a2%d9%a8%d9%a2%d9%a7

هدد المنطقة المغاربية مجموعة من السيناريوهات غير المطمئنة، في 2017، التي قد تعصف باستقرار المنقطة المغاربية ككل في حال حدوثها، مما يرفع مستوى التحديات الأمنية التي تواجهها بلدان شمال إفريقيا خلال العالم المقبل.

الكراكات قنبلة حدودية موقوتة

لطالما كان نزاع الصحراء بمثابة قنبلة ملغمة في المنطقة المغاربية، منذ أن وضعت الحرب بين الجيش المغربي وجبهة البوليساريو الانفصالية أوزارها سنة 1991، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية الأمم المتحدة. إلا أن سلسلة التطورات الميدانية التي مست نزاع الصحراء خلال الشهور الأخيرة تنذر بصراع مسلح قريب.

بدأ التصعيد في أغسطس (آب) الماضي، عندما توغلت قوات عسكرية تابعة للجيش الموريتاني، داخل منطقة لكويرة، ورفعت العلم الموريتاني بالمدينة، التي لا تزال تحتفظ بها موريتانيا منذ انسحابها من الصحراء الجنوبية لصالح المغرب عام 1979.

ليرد المغرب بشكل ضمني بعملية عسكرية تمشيطية، بمنطقة «قندهار» الحدودية الحساسة مع موريتانيا، مستعملًا في ذلك الآليات العسكرية وسلاح الجو، بهدف «الحد من أنشطة التهريب والتبادل التجاري غير المشروع»، كما أعلنت حينهاا الرباط.

إلا أن الأمر لم يتوقف عن هذا الحد، فبعدها بأسابيع قليلة، أقام قادة البوليساريو، بتواطؤ موريتاني، موقعًا عسكريًّا بمنطقة «الكركارات» الحدودية على أرض موريتانيا، على مسافة قريبة جدًّا من الجيش المغربي، لا تتجاوز 120 مترًا، وهو ما اعتبرته الرباط خطوة استفزازية.

لتحشد الأطراف المختلفة، موريتانيا والمغرب والبوليساريو، آلياتها العسكرية على أطراف المنطقة الحدودية المعنية. الأمر الذي قاد منظمة الأمم المتحدة، إلى الإعراب عن قلقها من الوضع المتوتر في جنوب الصحراء، وخشيتها من احتمال استئناف المعارك هناك، والانعكاسات الإقليمية الخطيرة لذلك، مثلما حذر سيفان دوجاريك، المتحدث الأممي، في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي هذا السياق، ذكرت جريدة المساء المغربية، أن المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائدد المنطقة الجنوبية، الجنرال دو كور دارمي بوشعيب عروب، أعلن عن استنفار أمني في جهاز الجيش بالمنطقة الجنوبية، حيث أصدر أوامره بتغيير أماكن ثكنات عسكرية ونقلها إلى نقاط قريبة من الكركارات الحدودية.

وذلك ردًا على التحركات الجزائرية الموريتانية التي تسعى إلى نقل جزء من مخيمات تندوف إلى منطقة الكركارات، التي أرست بها جبهة البوليساريو وحدات مراقبة، تسعى من خلالها إلى تنفيذ قرار ختم جوازات المغاربة القادمين أو المتوجهين إلى موريتانيا بخاتم سلطات «الجمهورية» التي أعلنتها من جانب واحد. الإجراء الذي قد يشعل غضب المغرب.

وما يزيد من خطورة الوضع الحدودي المشحون، هو فشل الوساطة الإسبانية في مساعيها لتهدئة التوتر الحدودي المتشابك الأطراف، كما أن هذا التوتر الميداني يأتي في سياق انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وقدوم الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنوتنيو غوتيرس، وهو ما يحيل على ما يبدو إلى رغبة كل طرف في تحريك الملف الراكد لصالحه، ما ينبئ بانفجار الوضع هناك في ظل الانشغال الدولي بأزمات الشرق الأوسط.

موت بوتفليقة.. السيناريو الأسوأ للجزائر

يزداد الوضع في الجزائر توجسًا مع مرور الوقت، فيما يشبه عدًّا تنازليًّا لانتهاء صلاحية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، وهو ما يثير مخاوف محلية ودولية من فشل انتقال السلطة في الجزائر، وما لذلك من تداعيات أمنية وسياسة قد تعصف بالمنطقة ككل.

الرئيس، الذي يبدو أنه صمام أمان وحدة الجزائر منذ تقلده منصب الرئاسة في بداية الألفية الجديدة، تزداد صحته تدهورًا، ما يضع الجزائر على كف عفريت في حالة وفاته، ولا سيما مع الاحتقان الشعبي السائد، وعدم رضى المعارضة السياسية الجزائرية بما يكفي لقبول التعديلات الدستورية الأخيرة، فضلًا عن تربص الجماعات الجهادية، التي تنتظر الفرصة المواتية.

ومع اقتراب نقطة الصفر، تجري استعدادات استباقية بالجزائر لضمان سلامة الانتقال السياسي للسلطة، من شأن فشلها أن تقود الجزائر إلى فوضى أمنية، يؤججها السياق المحلي والإقليمي المليء بالصراعات المسلحة والتباينات السياسية والمصالح المتضاربة.

وسبق، في هذا الصدد، أن حذر تقرير «أنتربرايز» الأمريكي، المغرب من تحول حدودهه مع الجارة الشرقية، إلى ما يشبه الحدود مع سوريا، بالنظر إلى التذبذبات السياسية التي تهدد الجزائر.

ويستمر الترقب الحذر لمستقبل الوضع في الجزائر خلال مرحلة ما بعد بوتفليقة، حيث تزداد التكهنات غموضًا حول السيناريوهات المقبلة للمنطقة، التي لا تخلو من المخاوف الدولية من أن يفشل الانتقال السياسي للسلطة في الجزائر، ما قد يؤدي إلى فوضى أمنية، تجعل المنطقة تصدر «الإرهاب» وحشود المهاجرين نحو أوروبا القريبة.

انفجار اجتماعي بإحدى البلدان المغاربية

صدم تقرير التنمية العربية، الصادر عن الأمم المتحدة في بداية ديسمبر (كانون الأول) الجاري،، الرأي العام العربي، باقتراب موجة جديدة من ثورات الربيع العربي، تلوح في الأفق، ستضرب شمال إفريقيا والشرق الأوسط. محذرًا من أن «الوضع أسوأ بكثير مما كان عليه قبل الربيع العربي».

ويذكر التقرير الأممي أن الشباب العربي يفضل الاحتجاج والتظاهر على التصويت في الانتخابات بسبب استبداد الأنظمة الحاكمة وفسادها، مرجحًا أن يتوجهوا نحو المزيد من الوسائل المباشرة والأكثر عنفًا، خصوصًا بعدما تبين لهم أن الآليات القائمة على المشاركة والمساءلة عديمة الفائدة، الأمر الذي يسقطهم في براثين الجماعات المتطرفة.

يلفت التقرير كذلك إلى أن الأنظمة العربية لم تستفد من دروس «الربيع العربي»، وما تزال تتعامل بقسوة وخشونة مع المعارضات السياسية والشعبية، كما أنها لا تزال تنفق الكثير من الأموال لصالح الأمن والدفاع على حساب التنمية والتشغيل، بالإضافة إلى أن الحكم لا يزال بها محصورًا في كثير من الأحيان في نطاق النخبة وراثيًا، مع اجتياح الشباب شعور عميق بالتمييز والإقصاء.

ويذهب في نفس الطريق، تقرير المركز الأمريكي «أنتربرايزر»، الذي يضع موريتانيا والجزائر وتونس، ضمن البلدان العربية الأكثر احتمالا لمواجهة اضطراب سياسي، قد يتحول إلى ما يشبه السيناريو السوري، وفق التقرير.

هذا وشهدت بعض البلدان المغاربية في 2016 انفجارات اجتماعية، منها المغرب الذي اجتاحته مظاهرات شعبية غاضبة في عشرات مدنه خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على خلفية وفاة بائع السمك، محسن فكري، طحنًا بواسطة شاحنة أزبال. إلا أنها سرعان ما تلاشت بفضل المرونة التي أبدتها السلطات في تعاملها مع الاحتجاجات.

وتزداد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بؤسا بالمنطقة المغاربية، كما يتأجج سخط الشباب المغاربي العاطل عن العمل تجاه الحكومات، علاوة على فشل هذه الدول في معالجة الفساد المستشري وتفاقم مشكلات التعليم والصحة، الأمر الذي يراكم احتقانا متزايدا، قد ينفجر حالما يجد شرارة تشعل الغضب العارم.

تدهور الوضع في تونس

بعد خمس سنوات من الثورة، لا تزال تونس تواجه مطبات صعبة في طريقها نحو الاستقرار، تهدد تجربتها السلمية نسبيا في انتقال السلطة، خصوصا وأنها لم تنجح بعد في تحسين حياة مواطنيها الاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من إسقاط نظام بن علي.

فمن جهة أولى، لا تزال تونس تعاني من التجاذبات السياسية، الواضحة من خلال التغير المستمر للتشكيلة الحكومية التونسية، التي انتهت أخيرا بحكومة وحدة وطنية، تضم مختلف ألوان الطيف السياسي التونسي، باعتبارها ورقةً أخيرة تعلب بها تونس.

ولا يبدو حتى الآن أن هذه الحكومة نجحت فيما فشل فيه الآخرون، فلا يزال الشعب التونسي يشكو من البطالة والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ناهيك عن محدودية محاربة الفساد، بالإضافة إلى تدني الخدمات العامة.

وكادت أن تسقط تونس في موجة جديدة من «الربيع العربي» بداية العام، بعد اندلاع مظاهرات عارمة في كافة المحافظات التونسية، حركها الشباب التونسي العاطل، الذي ضاق ذرعًا بالبطالة.

ومن جهة ثانية، تهدد الجماعات المتطرفة استقرار تونس بشكل مستمر، حيث سبق أن تعرضت تونس لمجموعة من «الهجمات الإرهابية» استهدفت معالم سياحية، وخلفت وراءها عشرات القتلى والجرحى، وأنتجت بذلك بيئة طاردة للاستثمارات ورؤوس الأموال والسياح.

كما أن محاذاة تونس للحدود الليبية تجلب لها الكثير من المخاطر القادمة من البلد المجاور، الغارق في الفوضى الأمنية والحروب الأهلية، وقد بدا ذلك جليا في مارس الماضي عندما حاولت مجموعات من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الاستيلاء على مدينة بنقردان التونسية، الواقع في الحدود الليبية.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كيمون، قد كشف في تقرير سري، قدمه لمجلس الأمن قبل شهور، أن تونس مهددة من طرف الجماعات المتطرفة في ليبيا، ومن عودة «الإرهابيين» الفارين من سوريا والعراق، بعد تزايد الضغط العسكري عليهم من قبل قوات الجيش العراقي وضربات التحالف الدولي.

تورط المغرب في حرب طائفية

في تقرير لـ«فورين بوليسي»، حذرت فيه من اندلاع حرب سنية شيعية شاملة، تدور رحاها فيي ساحة الشرق الأوسط، خصوصا بعدما تزايدت التوترات السياسية الدينية بين إيران والسعودية، واشتدت رحى المعارك الضروس بين وكلائهما في المناطق المشتعلة، بسوريا واليمن والعراق.

وفي هذا الصدد، يخشى مراقبون محليون من تورط المغرب في حرب طائفية بعيدة عنه، بخاصة وأن الأخير عقد اتفاقات سياسية وأمنية مع الخليج، جعلت منه شريكًا إستراتيجيًّا، يعول عليه في المعارك العسكرية.

ويدعم المغرب الحلف السعودي في حربه باليمن، حيث يشارك بجنوده وعتاده في المعارك الدائرة هناك، كما يؤكد المسؤولون المغاربة استعدادهم للوقوف مع البلدان الخليجية في التصدي لأي تهديد أمني. وهو ما يجعل من تورط المغرب في حرب طائفية شاملة بالشرق الأوسط، أمرًا غير مستبعد، الحرب التي ستصل نيرانها بدون شك المنطقة المغاربية.

وبحكم تشابك الوضع الجغرافي والسياسي والثقافي بين البلدان المغاربية، فإن أي تهديد يضرب إحدى هذه الدول، ستمتد هزاته الارتجاجية المنطقة المغاربية ككل، بل وسيفتح الفجوة لخزان التطرف للظهور، كما سيخلق نزوحًا جماعيًّا نحو القارة الأوروبية القريبة من المنطقة

شاهد أيضاً

بدأ اجرٱت دمج قطاع أمن الطرق داخل جهاز الشرطة

أصدر المدير العام للأمن الوطني الفريق محمد الشيخ محمد الأمين الملقّب “ابرور” اليوم الثلاثاء مذكرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *