الأزياء الموريتانية..عادات وتقاليد بأبعاد دينية وسياسية

 

يُبدي الموريتانيون اعتزازا كبيرا بالتنوع الثقافي والاجتماعي الذي يتميز به هذا البلد العربي الواقع في غرب أفريقيا على ضفاف المحيط الأطلسي، ويمثل الزي التقليدي أحد مظاهر هذا التنوع البارزة التي يلحظها المتجول بسهولة في المدن والأرياف الموريتانية، ويجد المتأمل نفسه أمام لوحة أزياء متعددة الأشكال متباينة الألوان، وتتميز الغالبية العظمى من الموريتانيين بتمسكها الشديد بالزي التقليدي المتمثل في الدّرّاعة بالنسبة للرجال والملحفة بالنسبة للنساء، هذا فيما يخص المجموعة العربية التي تمثل أغلبية السكان، أما المجموعة الإفريقية فيلبس رجالها دراعة بمواصفات مختلفة، أو “دشداشة” ذات ألوان داكنة، وتلبس نساؤها دراعة مع خمار أو عمامة على الرأس.

و”الدّرّاعة” ـ التي تمثل زي العربي في موريتانياـ هي ثوب فضفاض لونه أبيض أو أزرق فاتح، له جيب مزخرف على الصدر وبألوان زاهية مختلفة حسب الأذواق، وتتميز الدراعة بفتحتين واسعتين من الجانبين تسمحان بحرية حركة اليدين، وتتكون “الدّرّاعة” في الغالب من عشرة أمتار من القماش. ويُستخدم الجيب الذي يوجد بمنطقة الصدر لحفظ بعض الأغراض الشخصية الخفيفة.

وتنتشر الدراعة بمواصفات مختلفة، في إفريقيا السمراء بألوان وأشكال أكثر تنوعا ويلبسها كل من الرجال والنساء في المجتمعات الإفريقية. وينظر للدراعة على نطاق واسع باعتبارها الثوب الرجالي المفضل لدى الموريتانيين، بل وعند جميع القبائل العربية الناطقة باللهجة الحسانية في الصحراء الغربية وجنوب المغرب والجزائر وشمال مالي، فيما يعتبر بعض الباحثين أن الدراعة بشكلها المستخدم حاليا هي نتاج لالتقاء الثقافة العربية بالثقافة الإفريقية في تأثر وتأثير متبادل على مدى قرون من التواصل والتعايش بين الجانبين في شبه المنطقة.

وقد ظلت الدراعة الزي الأكثر استخداما لدى المثقفين والرسميين الموريتانيين، بل إن معظمهم يصطحبونها خلال أسفارهم الدولية ومهامهم الرسمية لارتدائها أثناء وقت الاستراحة، ويستخدمونها أحيانا في أروقة المؤتمرات الدولية لجذب الانتباه لخصوصياتهم الوطنية والاجتماعية أو لتحقيق بعض المكاسب السياسية، ولا يزال الكثيرون في موريتانيا يتحدثون عن “فتح دبلوماسي كبير” حققه وزير موريتاني بارتدائه الدراعة في أحد المحافل الدولية، ففي الأيام الأولى لاستقلال موريتانيا عن فرنسا حيث كانت للمملكة المغربية مطالب بضم الأراضي الموريتانية، وكان وزير الصحة في أول حكومة بعد الاستقلال ـ وهو حمود ولد أحمدوـ يحضر مؤتمرا دوليا لمنظمة الصحة العالمية في الهند، وقد وجد أمامه في الجلسات الأولى من المؤتمر وفدا مغربيا يعترض على الاعتراف بموريتانيا كدولة مستقلة، وكانت آراء بعض الوفود المشاركة مساندة للمغرب، ما شكل صعوبة كبيرة أمام الوزير الموريتاني، الذي عمد خلال جلسة لاحقة من جلسات المؤتمر لارتداء زيه التقليدي “الدراعة” إضافة إلى نعل فاخر كان الموريتانيون يصنعونه من جلود الضأن، وصعد به إلى منصة الخطابة، فوقف الجميع تصفيقا وتضامنا معه، وتسابق الكثير من المشاركين لالتقاط صور تذكارية معه على تلك الهيئة، ما وفر له علاقات واسعة أثناء المؤتمر أكسبته الاعتراف والقبول ببلاده كعضو في منظمة الصحة العالمية.

ويزهو الكثير من الموريتانيين حتى الآن بالدّرّاعة في المحافل العامة وفي لقاءاتهم ومهامهم الدبلوماسية والسياسية، ويحرص السفراء الموريتانيون أثناء تقديم أوراق اعتمادهم لدى قادة الدول الأخرى على ارتداء الدّرّاعة والعمامة على الرأس، ومن الملاحظ أن الكثير من الضيوف الزائرين لموريتانيا يلبسون الدراعة ويلتقطون الصور التذكارية أثناء ارتدائها سواء حصلوا عليها كهدية من أصدقائهم الموريتانيين، أو عن طريق شرائها بأنفسهم كما هو شأن بعض السائحين الغربيين.

 

محمد عبد الرحمن

شاهد أيضاً

جريمة قتل جديدة والضحية شاب في مقتبل العمر

توفي مساء امس في قرية بوگي، الشاب فاضل ولد يرگ (الصورة)، متأثرا بجراحه، بعدما تلقى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *