لحن الأمل!


عندما وصل لحن النشيد الجديد إلى مسامعي في صباح لامع ودافئ كثغر السلام، ارتفعت سلالم من النور تحت أقدامي جهة السماء، فمشيت عليها بثبات كجندي يخطو بنشوة لرفع العلم فوق أنف الخريطة عند الرأس الأبيض في مدينة نواذيب، شعرت بدمائي تغلي كقدور الفقراء المنصوبة فوق رماد الأمل، ورأيت مرايا الأمنيات تتدلى أمام خطواتي نحو المدرسة كشلال سكر، وتغطي جبال تيشيت الشامخة حولي بستائر مطرزة بلون الأمل..
دلفت باب القسم منتشيا وأنا أحمل في يدي باقة ملونة من الطباشير الناعمة كالورد، وعندما وقف التلاميذ عند دخولي؛ تخيلتهم فرقة موسيقية، فحملتني رياح الأخيلة بعيدا مثل ريشة خفيفة ورمتني على منصة دار الأوبرا في القاهرة..
كنت واقفا أرتدي بدلة بلون الأمل وأحرك أصابعي أمام جوقة موسيقية بكل نشوة كالعازف ناني، كان الرئيس عزيز متوسدا بخده الأيسر آلة الكمان ويلاطف أوتارها بحماس حتى بلل الدمع خدوده، وكان وزير الثقافة ينفخ الناي بنشوة واقفا في المنتصف، بينما كان وزير المالية يحرك رأسه منتشيا ويداعب البيانو، ووراءه وزير العدل يمرر أصابعه بخفة على آلة القانون، كان رئيس الوزراء أمام الميكرفون واقفا بزهو لينشد وخلفه اصطف أعضاء الحكومة بانتظام، عندها أعطيت إشارتي لهم، فانشدوا:
بلادَ الأُبَاةِ الهُدَاةِ الكِرامْ
وحِصْنَ الكِتابِ الذي لا يُضَامْ
أيا مَوْرتانِ رَبيعَ الوئامْ
ورُكْنَ السَّماحةِ ثَغْرَ السلامْ
سنَحْمي حِماك، ونحن فداكِ…. ونَكْسُو رُبَاكِ بِلَوْنِ الأَمَلْ
وعــــند نـــــِداكِ نُلَــبِّي: أجَلْ
عندها رفعت يدي وأطلقت حمامة سلام، ورفعت بصري كأنني أرى ضفة النهر وصحراء آوكار الفسيحة تلمعان داخل أحداق تلك الشمس المشرقة بين أهرامات الجيزة ونهر النيل، فأشرت عليهم بيدي الأخرى، فأنشدوا:
بُدورُ سَمَائِكِ لَمْ تُحْجَبِ
وشمسُ جَبِينِكِ لَمْ تَغرُبِ
نَماكِ الأمَاجدُ مِن يَعْرُبِ
لإفْرِيقِيَّا المَنْبَعِ الأعْذَبِ
سنَحْمي حِماك، ونحن فداكِ…. ونَكْسُو رُبَاكِ بِلَوْنِ الأَمَلْ
وعــــند نـــــِداكِ نُلَــبِّي: أجَلْ
عند المقطع الموالي غالبني الدمع، عندما رأيت الرئيس ووزير ماليته وقفا بكل نشوة وأخرجا المناديل المطرزة بلون الأمل من جيبيهما، وأنشدا:
رَضَعْنَا لِبانَ النَّدَى والإِبَا
سَجَايَا حَمَلْنَ جَنـًـى طَيِّبَا
ومَرْعًى خَصِيباً، وإنْ أجْدَبَا
سَمَوْنَا، فَكَانَ لَنَا أرحَبَا
سنَحْمي حِماك، ونحن فداكِ…. ونَكْسُو رُبَاكِ بِلَوْنِ الأَمَلْ
وعــــند نـــــِداكِ نُلَــبِّي: أجَلْ
عندما سمعت لعلعة الرصاص وحمحمة الخيل تعزف في دمي واستنشقت بكل نشوة رائحة البارود رميت الجوقة الموسيقية بغاز كثيف من مسيلات الدموع، ورفعت يدي بكل حماس نحو السماء وأنشدت:
سَقَيْنا عَدُوَّكِ صَاباً ومُرًّا
فَمَا نالَ نُزْلًا ولا مُسْتَقَرَّا
سنَحْمي حِماك، ونحن فداكِ…. ونَكْسُو رُبَاكِ بِلَوْنِ الأَمَلْ
وعــــند نـــــِداكِ نُلَــبِّي: أجَلْ
سقطت الستائر فجأة واختفت الفرقة والجمهور وسكتت كل آلات العزف حولي، وبقيت مسندا فوق حائط القسم مثل لوح خشب، رسمت على جبينه خريطة الوطن بألوان الأمل، عندها سمعت صوتا قادما من مكان بعيد بأقصى الخيال، وأخذ ينشد بقية النشيد في أذني بصوت مبحوح وقوي كجندي عائد من معركة كان يحارب فيها ظله:
أخَذْنَاكِ عَهْدًا، حَمَلْنَاكِ وَعْدًا
ونُهدِيكِ سَعْداً لِجِيلٍ أَطَلْ
سنَحْمي حِماك، ونحن فداكِ…. ونَكْسُو رُبَاكِ بِلَوْنِ الأَمَلْ
وعــــند نـــــِداكِ نُلَــبِّي: أجَلْ
عدت من فسحة الخيال تلك على تنبيه التلاميذ على خطإ في كتابة التاريخ، وقد كتبت لهم 2015 بدل 2017!
اقرأوا المنشور على ألحان النشيد وستشعرون بحروفه بشكل أكبر وأعمق…
هنا تيشيت. للأمانة فإن لحن النشيد يثير الحماس، ولكن الحماس وحده لا يكفي لبناء الوطن، فعلميا؛ إن الحماس يحرق الكثير من الطاقة، وتلك الطاقة قد لا تتوفر بشكل كافي في دماء المواطنين الطيبين في هذه السنين العجاف.
الساعة 15:10 وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. 

بقلم خالد الفاظل

شاهد أيضاً

بدأ اجرٱت دمج قطاع أمن الطرق داخل جهاز الشرطة

أصدر المدير العام للأمن الوطني الفريق محمد الشيخ محمد الأمين الملقّب “ابرور” اليوم الثلاثاء مذكرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *