أولاد أمبارك من زمن السلاطين إلي زمن الأمراء

كيف يخيل للمرإ أن تخلو دروس التاريخ من ذكر صانع هذا التاريخ لايمكن أن يتخيل ذلك أحد إلا حين تعبث بالتاريخ إرادة من إؤتمن فخان أمانته ومن طلب منه تأدية مهمة ليس علي دراية بها وليس أهلا لتوليها
فحوي الكلام ومداره أن اللجان التربوية التي تتولي تأليف وإخراج الكتب المدرسية ومناهج التعليم في مراحله المختلفة يجب ان تتحلي بالمسؤولية والنزاهة ومعرفة حساسية المهمة التي كلفت بها كيف يخيل لنا ان يتم الحديث في درس للتاريخ عن موضوع الحقبة الأميرية في موريتانيا ( منطقة غرب الصحراء) دون الحديث عن اولاد أمبارك أول كيان أميري في المنطقة قد يتحجج بعضهم بالقول أن أولاد أمبارك انتظموا في عدة مشيخات عكس الإمارات الأخري ولكن لا يتعلل بهذا ولا يقول به الا جاهل أو متجاهل لحقيقة طبيعة النظام الأميري أوالسلطوي الذي أقامه أولاد أمبارك فقد بني أولاد امبارك سلطتهم في الحوض وباقنه وأجزاء من منطقة أرگيبه بتوزيع مجالهم الترابي بين مشيخاتهم ولكن كانت تلك المشيخات تعترف دائما بسلطة السلاطين في الكثير من أمور السلم والحرب وكان لرؤساء المشيخات وأعيان القبائل نظامهم الخاص في تحديد التعاطي مع السلاطين أهل اعمر ولد أعلي ايام كانت السلطنة قائمة كما كان تنصيب السلطان يتم بحضور المشيخات وأعيان القبائل وكبار العلماء وله مراسيمه التي تحدثت عنها نصوص تاريخية معروفة وتعرضت لها شواهد ادبية ناطقة علي سبيل المثال لا الحصر(تفاصيل تنصيب السلطان خطر ي وتفاصيل عقد الإتفاق بينه وبين أخيه هنون كما ترويها قصة اتهيدينة القصاص وكما يسردها الفنانون) توضح تلك القصة حضور رؤساء المشيخات وأعيان القبائل ومشاهير العلماء وعامة الناس لمجلس التنصيب وعقد الصلح والإتفاق في مشهد يدل علي أن ذلك اليوم كان يوم إعلان للناس إسم سلطانهم واطمئنانهم علي تسوية مشكل شرعية السلطة المعترف بها من الجميع
وهنا أود أن انتقل إلي القول بأن المنصف والواعي والعارف بحقيقة أمر القوم عليه أن يقسم تاريخ سلطتهم الي زمنين أوفالنقل حقبتين هما:
1- حقبة السلطنة أوزمن السلاطين: ويمتد من تاريخ سيطرتهم علي الحوض بعد معركة كساري 1124 هجريه الموافق 1712 وحتي 1258 الموافق 1842تاريخ وفاة آخر السلاطين مع جمع من قادتهم في معركة مد الله الشهيرة وحصيلة هذه الحقبة هي مايزيد علي قرن وربع قرن كان أولاد امبارك فيها سادة وحكام منطقة الحوض والساحل وكانت السيادة لهم بشكل كامل حتي أن أعظم إمبراطورية في ذلك التاريخ ( إبريطانيا) كانت تعترف لهم بذلك حسب ما تأكده كتابات الرحالة الإنگليزي الشهير مونگو أبارك الذي سجنه السلطان أعل الأول مدة شهرين في مخيمه ب. بنعوم كما أن هذا الرحالة صور لنا مشاهد وحقائق تدل علي قوة أولاد امبارك واكتمال عناصر حكمهم وتوطد سلطانهم ومقومات دولتهم فمثلا يصور هذا الرحالة طريقتهم في صنع البارود مؤكدا أن البارود الذي يصنعون يماثل في الجودة بارود أوربا في ذلك الوقت
2_ حقبة المشيخات : وتمتد من تاريخ سقوط نظام السلطنة 1258الموافق 1842وحتي سنة 1283 هجريه الموافق 1866 تاريخ معركة آگوينيت التي أنهت نفوذ أولاد أمبارك في الحوض والساحل لصالح مشظوف وبعض القبائل الأخري بعد ثلث قرن من مصارعة عدة قوي خارجية كزحف الحاج عمر الفوتي علي مشيخة فاته بزعامة المخطار الصغير ولد سيدي أحمد بن المخطار ووفاة الأخير في معركة تيمزين الملحمية سنة 1274 هجريه الموافق 1857كما شكل حضور مشظوف معهم في مجال الحوض ضغطا كبيرا عليهم وكذلك تنامي قوة قبائل أخري في نفس الوقت الذي كانوا فيه منهكين بفعل حروبهم الداخلية بين فروع الإمارة ومشيخاتها وخاصة الصراع العنيف بين أولاد عيشه وأولاد العاليه وهو الصراع الذي أخرج السلاطين عن صمتهم وعصف بهم وأدي الي تراجع قوتهم
ولكن لايعني انحسار قوتهم وتراجع نفوذهم نهايتهم الكاملة فقد ظلوا ولايزالون لله الحمد متواجدين في الحوض ومن أسياده وأكابره ولهم مناطق تواجدهم المعروفة جنبا إلي جنب مع إخوانهم عكس ماهو شائع عند البعض أن وجودهم قد إنمحي وأنهم مجرد شتاة هنا وهناك
بقي أن نشير الي أن علي العاقل أن يدقق في الألفاظ قبل دراسة التاريخ فقد تلقب قادة أولاد أمبارك بلقب السلاطين ولم يطلقوا علي أنفسهم ولم تطلق الناس عليهم لقب أمراء والفرق بين الدلالتين واضح فالسلطان هو من يحكم إقليمين فاكثر وله سلطة مطلقة وله حق ممارسة السلطة علي مجاله بشكل كامل أما الأمير فعادة ما تطلق علي حاكم مدينة أو ناحية أو من ينحدر من نسل سلطان أو ملك
أقول أن علي طواقم المعهد التربوي ووزارة التهذيب أن يعيدوا النظر في مناهج مادة التاريخ ويعترفوا بخطئهم الجسيم ويفردوا حقبة السلاطين بدرس في المناهج يوضح دورهم في التاريخ السياسي للمنطقة إلي جنب نظرائهم من أمراء حسان الآخرين ودورهم في بناء هوية وثقافة شعوب المنطقة أدبيا ومسيقيا ودورهم في انتاج البادية العالمة التي أعطت لموريتانيا وعموم الساحل والصحراء مؤسسة المحظرة القرآنية وأساليبها البدوية في تعليم علوم القرآن وعلوم الشرع الأخري
ثم يدمجوا فترة المشيخات ضمن سياق تاريخ الإمارات أو ما أسموها بمرحلة القبائل المستقلة
وإذا لم يحصل هذا فإن الأجيال للأسف ستظل تدرس تاريخا مشوها مبتورا محورا وملغي الأصول وستظل أسئلة ذلك البتر والتزوير والتحوير تلاحق أجيال المستقبل فهم سيتساءلون من أين نشأت أولي إبداعات الفن؟ وتحت ظل أي حكم نمي هذا التنوع؟ ومن هو الذي حمي بعدله وسلطانه تجارة القوافل بين زارا المالية وشنقيط الموريتانية وموانئ المغرب الأقصي كمناء الصويره ومناء طنجة طوال قرن ونصف ؟ أين هم اولئك الحكام الذين كانوا يتلقبون بالسلاطين في هذه الأرض؟ من هو المقصود بهنون الا هنون ؟ ومن هو المقصود بلقب اعل حسان أشريف ؟ ومن هو المقصود ب لادور في دين؟ إننا نتغني بإمجادهم حين نطرب وننساهم حين ندرس ؟ وستظل الأسئلة تلاحق الأجيال تلو الأجيال حتي تصبح الهوية غائبة ومبتورة من جذورها لأنها حيدت في المناهج وبالتالي غابت عن عقول الناشئة في مراحل عمرهم المبكرة ولن يكونوا مستعدين لسماع خطب الوحدة الوطنية ولا تاريخ التعايش السلمي بين مكونات الشعب لأنهم لايعرفون جزءا من تاريخ من ساهموا في بناء هذا الماضي وصنعوا من هذا التنوع وهذا التعايش هوية شعب واحد يطرب بعضه لسماع انظام وأغاني البعض الآخر ويدين بدين واحد ويفهم بعضه عادات بعض إنه باختصار زمن فتوة وبناء مجد وحضارة أولي بالتخليد من كل زمن 

بقلم الشيخ ابراهيم ولد آگية

شاهد أيضاً

واشنطن تسمح بمرور مشروع قرار لوقف القتال في غزة

بعد أكثر من 5 أشهر من الحرب في غزة، تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *