من أعلام القرن الثاني عشر :الطالب احمد ولد محمد راره مكانته العلمية ودوره الثقافي بقلم :محمد المهدي /أعل فال

إنه العلامة الطالب احمد بن محمد راره بن عبد الجبار بن اجه بن الحسن ( تكدي )بن احمد بن ابوبكر المعروف ب ابوبك بن بومحمد بن ادبدهس ولد سيدي يحي الجد اﻷعلى للقبيلة ويعود نسبه الى احمد بن ادريس اﻷصغر بن ادريس اﻷكبر بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي رضي الله عنهم.
ولد العلامة الطالب احمد ولد محمد راره في النصف اﻷول من القرن 12هجري في بيت علم وصلاح فأبوه محمد المعروف براره كان عالما تقيا و أمه اميمة بنت انداد بالله التندغية كانت عالمة صالحة ، وكان اخوه اﻷكبر بده من اهل التقوى والورع و اخته باته كانت غاية في الورع والتقوى حتى صارت مضرب المثل المعروف (اصل مانك باته في الورع والتقوى)،وفي هذا الجو العلمي الذي يجمع بين تأوهات المنيبين وهمهمات المستغفرين وأصوات التالين لكتاب رب العالمين تربى هذا الطفل والرجل العالم فيما بعد تربية صالحة بحيث بدأت مسيرته العلمية في وقت مبكر فحفظ القرآن الكريم وأجاده رسما وضبطا وتجويدا الى ان نال اجازة السبع و لم يبلغ بعد سن الخامس عشر ثم تابع مسيرته التعليمية فدرس الفقه و اﻷصول وعلوم اللغة من نحو وصرف ومنطق و بيان و غير ذالك من العلوم المدروسة في عصره وقد كان من النجباء اﻷفذاذ فكان زمن دراسته شديد الذكاء يقول البرتلي رحمه الله عنه انه كان فهاما نجيبا سمع ليلة رجلا ينشد قصيدة فحفظها بالسماع و إذا حضر لتفسير شرح لا يحتاج لشيخ بعد ذالك .
وقد درس العلامة الطالب احمد ولد محمد راره على كوكبة من العلماء من بينهم والده محمد راره فقد كان رحمه الله من اهل العلم والتقوى ثم بعد ذالك سيد محمد بن عبد الله بن باب بن بومحمد التنواجيوي حيث ورث هذا اﻷخير محظرة من والده وكانت تدرس ماشاء الله من العلوم والمعارف ثم انتقل بعد ذالك للعالم سيد المختار بن الطالب القلاوي ودرس عليه مختصر خليل وبعض الكتب و المتون ثم سافر الى ولاته ليتتلمذ بها على سيدي الحسن بن الطالب احمد البرتلي فقد درس عليه ماحباه الله به من انواع العلوم والمعارف ثم بعد ذالك الى تيشيت لينهل العالم من كل العلوم وبهذا كله أصبح العلامة الطالب احمد ولد محمد را بحر علم في شتى الفنون.
اما اخلاقه ومناقبه فقد اجمع الذين ترجموا للعلامة الطالب احمد بن محمد راره رحمه الله على أنه كان حسن الخلق كثير التبسم قليل القهقهة زاهدا عابدا تقيا متواضعا منفقا في سبيل الله لايزجر التلاميذ على أمر غير محرم بل يصبر عليهم ملازما للطهارة حيث كان يذهب في لليالي الشديدة الظلمة لحصول على مياه للطهارو والعبادة و قد كان يكثر من قول لا أدري ،قوي النفس عزيزا عزة المؤمن عطوفا على تلاميذته وابنائه وهي اوصاف كلها تدل على أنه شديد التمسك بالسنة حريصا على متابعة الرسول صلى اللله عليه وسلم كما تدل على أن الرجل ترقى في سلم رقي اﻹنسان بل تربع على قمة الفضيلة وصار بأخلاقه الفذه يطاول هامات السلف الصالح من هذه اﻷمة فقد قال البرتلي رحمه الله كان الطالب احمد عابدا زاهدا صالحا تقيا ذا خلق حسن صاحب انفاق وكان ملازما للطهارة وكان رحمه الله تعالى سخيا متواضعا فإذا رأيته لا تميز بينه وبين تلاميذته ،ومن عجيب سخاء العلامة الطالب احمد ولد محمد راره أن احد طلابه تزوج ولم يجد مايصدق به زوجته فأعطاه هو قطيعا من البقر يبلغ العشرين هو كل مايملك ولقد صدق فيه قول الشاعر
ليس العطاء من الفضول سماحة @حتى تجود ومالديك قليل. ومن صور انفاقه رحمه الله أنه كان إذا أخذت خادمه من وعاء الزرع مايكفي اهل بيته وتلاميذته يومهم امر بوضعه امام البيت ونادى عليه فقراء الحي ومن المناقب المنقولة عنه أيضا أنه كان مهتما بالشأن العام وكان يعقد مجلسا قبل صلاة المغرب ﻷكابر رجال الحي يتدارسون فيه امور المجتمع ،والى جانب هذه المحافظة على اﻷخلاق ومايتميز به العلامة الطالب احمد ولد محمد راره من ورع وغزارة علم كان ملازما لحمل السلاح على خلاف ماعليه الحال عند أكثر الزوايا والشرفاء من غير قبيلته وقد شارك في بعض ايام القبيلة كيوم العين المشكور أي عين آرويطيل و عندما اختلف رجال القبيلة على اعطاء الظفر (لقرام )لأصحاب الشوكة ليأمنوا شرهم وقال بعضهم انهم شرفاء والشرفاء لايخضعون لهذا النوع من اﻹبتزاز اتفقوا على أن يحكمو ا العلامة الطالب احمد في الموضوع علم هو بقدومهم فحضر سلاحه امامه وعندما رأو السلاح قالو هذه الفتوى لصاحب لعدم اعطاء الظفر ورجعوا الى اخره من تلك الموافق الشجاعة .
ولما كلمه بعضهم في شأن حمله للسلاح رد عليهم قائلا إن حمل السلاح من السنة و شعيرة من شعائر اﻹسلام التي كان عليها النبي عليه الصلاة والسلام و صحابته .
ولقد ظل العلامة الطالب احمد يمثل نقطة توازن بين فصائل القبيلة المختلفة و يقوم بإصلاح ذات البين وكان الكل يقدره وقد كان محل موضع تقدير و احترام من علماء عصره فمنهم من مدحه و اثنى عليه شعرا ومنهم من اعتبره ناشر العلوم و شيخ اﻷمة ومن ابرز من اشاد به من علماء عصره لمرابط سيدي محمود بن الطالب المختار الحاجي
إذ يقول فيه قصيدة مشهورة وطويلة والتي مطلعا
يانجل رار وياسني المكارم @أتيناك من بعد عظام الجرائم
وانت عظيم الشأن عند إلهنا@وكل عظيم يرتجي للعظائم
جودك جود تقاصر عن @@إدراكه جود حاتم ….
….
….

وتحكى الروايات التاريخية ان الطالب اجابه بقوله
إن زرتمونا زرتمونا لفضلكم@وإن نحن زرناكم فلفضلكم زرنا
ورثنا من اﻵباء حسن ودادكم@وإن نحن متنا يرث اﻷبنا .
وتنسج حول هذه القصيدة حكاية تقول إن لمرابط سيدي محمود قالها للطالب احمد بعد وفاته لما زار قبره وانه سمع هاتفا ينشد اﻷبيات السابقة .باﻹضافة الى الكثير من الحكايات التي عادت تنسج عن اهل العلم والورع والتقوى بفضل طاعتهم لرب العباد .
ومن العلماء الذين اشادوا به سيدي عبد الله بن سيد ي محمد الصغير بن انبوجه العلوي التيشيتي 1242للهجر الذي اعتبره ناشرا العلم في اجزاء هامة من البلاد ويقول ابن انبوجه وما من بوادي سهو حتى اركيبه الا وقد انتشر في نواحيها عن تدريس فقه الطالب احمد ولد محمد راره .ولعله غاب عن ذهن ابن انبوجه ان اشعاع العلامة الطالب احمد العلمي قد تجاوز هذه المنطقة الى ضواحي النعمة لأن تلميذه محمد اﻷمين بن الطالب عبد الوهاب الفلالي دفين ادريس كان هناك والعالم وسيدي محمد ولد أحمد لسود .
وفي محظرة الطالب احمد يقول احد تلاميذته وهو ابات بن الطالب جد التراري 1255 للهجرة
يانفس صبرا على ماكان من نوب @فقل من يدرك المنى بلا تعب
فإن المخدر من كل العلوم هنا @من نحو وفنون و الفقه و اﻷدب
أما بن بجدة تاريخ اﻷعلام في القطر الشنقيطي ،وحامل لواء التراجم ابي عبد الله الطالب محمد بن ابي بكر الصديق البرتلي 1219هجرية وصفه بكثير من اﻷوصاف ومنها قوله كان رحمه الله تعالى عابدا زاهدا صلحا تقيا ذا خلق حسن صاحب انفاق فقيها نحويا منطقيا بيانيا قارئا بالسبع .
ولقد سار الكتاب المعاصرون على نفس النهج حيث وصفه صاحب المعجم المؤلفين بما يتماها مع اوصاف البرتلي إذ يقول عالم اشتهر بالزهد والعبادة وحسن اﻷخلاق واﻹنفاق في سبيل الله والمداومة على تلاوة القرآن.

أما الفقيه الشيخ محمد محفوظ ولد محمد الأمين فقد صدر به فصل اﻷعلام من كتابه نشر الفضيلة في معرفة تاريخ القبيلة معتبرا اياه ألمع رجال القبيلة ويقول ((يعد الطالب احمد هذا من ألمع رجال القبيلة في جانب العلم والصلاح ونشر العلم …)).
وقد كان العلامة الطالب احمد لايقيم في مكان جدب مخافة من حقوق البهائم من شدة ورع الرجل و تقاه

وقد كان للعلامة الطالب احمد طريقة خاصة في التعليم يتضح من خلالها مدى قدرته على التنظيم و استمثاره للوقت وقد اجمع الكاتبون انه كان معمرا للوقت ومن الذين كتبو عن منهجه في التعليم الشيخ محمد محفوظ ولد محمد اﻷمين رحمهم الله جميعا أن تقسيم سوائع يومه كان على النحو التالي
إذا كان نصف الليل اﻷخير يقوم ويصلي ركعات و يجلس للتعليم حتى يصلي الصبح وبعد صلاة الصبح يبقى جالسا في محل صلاته حتى ترتفع الشمس ثم يصلي الضحى ويجلس للتعليم الى صلاة الظهر وبعد الظهر ينام قليلا من اجل الراحة ثم يقوم ويجلس للتعليم وقبل المغرب ينهي جلسة التعليم ليعقد مجلسا لكبار رجال الحي يتدارسون فيه الوضع العام وبعد صلاة المغرب يبقى في المسجد يصلي النوافل حتى صلاة العشاء ويذهب الى بيته و يصلي أمامه ركعات ثم ينام نوما خفيفا ويقوم للتهجد هكذا كان ديدنه طيلة حياته .
وبعد هذه المسيرة الحافلة بالعطاء العلمي توفي رحمه في اول رحب العام العاشر بعد المائتين و اﻷلف في العام اﻷول من اﻷعوام المعروفة عند اهل ولاته بأعوام الجراد وقد دفن في اتويززميت وهو مزار شهير.
وقد كان للعلامة عدة مؤلفات منها لا للحصر
شرح خليل الرارية
وشرحا لأم البراهين في العقيدة السنوسية
وشرحا لألفية ابن مالك
وهذين المؤلفين اﻷخيرين في مكتبة القيروان بتونس
وقد اشتغل العالم في التدريس والتعليم ولم يجد من الوقت الكافي للتأليف .
ومن أشهر تلاميذ العلامة الطالب احمد ولد محمدراره
العلامة سيد امحمد ولد محمد للحبيب الذي انتقل بعد وفاة الطالب احمد الى العلامة سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم العلوي وقال قولته المشهورة عندما اطلع ماتزود به العلامة سيد امحمد من شتى الفنون والمعارف من طالبه العلامة الطالب احمد لو علمت بالطالب احمد ولد محمد راره قبل ذهابي إلى مصر لما ذهبت لأن ماكنت أطلبه في مصر هاهو يعلمه الطالب احمد ولد محمد راره في ارض شنقيط ومن تلاميذه ايضا العالم الطالب محمود ولد ديوم العالم السني الذي قال له قولته المشهورة درس (تلحك اعليها)وفهمها العلامة الطالب محمود أن اشارة على أمر سيحدث له في مابعد و عندما جاء لقطع شريعة بين صلحاء من المجتمع قال له أحدهم إذا حكمت علي سوف ينكف بصرك ردا عليه العلامة الطالب محمود قائلا نعلم ذالك لقد قالها لي شيخ الطالب احمد سابقا .
ومن طلابه ايضا العلامة لمرابط ولد احمد زيدان الجكني حيث قال إبنه في تقديمه لكتابه النصيحة لوالده لمرابط ولد احمد زيدان …والكثير والكثير من الطلاب يضيق ذكرهم .
و بهذا يسدل الستار على نموذج من اعلام مجتمعنا قل نظيره في العلم والورع و الزهد والشجاعة و اﻹقدام فرحم الله سلفنا كل سلفنا وبارك في خلفنا كل خلفنا و تقبل الله منا جميعا

شاهد أيضاً

جريمة قتل جديدة والضحية شاب في مقتبل العمر

توفي مساء امس في قرية بوگي، الشاب فاضل ولد يرگ (الصورة)، متأثرا بجراحه، بعدما تلقى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *