وتحل ذكراك يا أبتاه / بقلم محمد الامين ولد ببكر


في مثل هذا اليوم 29 – 4- 2017 كانت مدينة بلوار الواقعة شرق مدينة كيفة طريق الأمل تلك القرية الوادعة الجميلة على موعد مع يوم قدر محتوم، كانت المدينه هادئة رغم موقعها وطبيعة الحياة فيها وكأن السماء تنذر بشئ ما والأرض تستعد لحدث جلل باتت ملامحه تتشكل شيئا فشيئا، لم يكن ذلك الحدث العظيم إلا غياب شمس أقرانه وأفول بدر زمانه الوالد المربي ديه رحمة الله عليه
من أين يا أبتاه أبدأ الحديث عن ذكراك وأنت من أنت؟ أنت الذى ترجلت في صمت وتواضع مخلفا براكين الحزن في قلوبنا، أنت الذى علمتنا وزرعت فينا بذور المعالى وكنت شمعة علم تحترق لتنير حياة الآخرين، أعذرنى يا أبتاه فقد عجز القلم وجف الحبر ونضبت عيون المعانى والأوصاف وحق لها، يروى القلم قليلا ثم يحجم برهة ولسان حاله يقول
ألا فاعذروا اللسن الحداد فصمتها – لفقد الكريم ابن الكريم حدادها
لقد نشأ الوالد وتربي في بيت كرم وأخلاق وسط بئة علمية سرعان ما ارتوى منها سنينه الأولي ليسلك سنة من عاصروه من جيل عشرينات القرن الماضى فشد رحاله ميما وجهه شطر محاضر تكانت تاركا وراءه الأرض التى شب فيها وترعرع بين محاظرها بهضابها الجميلة ووديانها الآسرة وذكريات الأهل والأحباب لينهل من معين علوم لمرابط الحاج وورعه، لكن جرت مياه كثيرة تحت جسر الزمن وكان القدر أن يعود ديه إلي مرابعه بعد رحلة طلب علم لم تطل مدتها وإن كثرت ثمرتها حين أذن مؤذن الحي بوفاة والده وشيخه الذى كان يقيم على شؤون المحظرة، وهكذا تدور عجلة الزمن ويعود ديه إلي بلدة طيبة ومجتمع سيكون له كما كان لآبائه معه شأن.
بلاد ألفناها على كل حالة .
جلس ديه للتدريس في تلك المحظرة العامرة وتوافد عليه الطلاب من كل حدب وصوب مشكلا صرحا علميا ومأوي لطالب العلم أيا كان فضلا عن ما وجده المجتمع فيه من رحابة الصدر وغوث الملهوف وخدمة المحتاج بتواضع وإخلاص لايرد منه جزاء ولا شكورا، واسألوا عنه تلك الحواضر والقري إن كنتم لا تعلمون.
لقد ظل هذا الصرح العلمي شامخا وعطاءه متواصلا رغم عواهل الدهر ونكباته، ولئن أمست تلك المحظرة اليوم قفرا مرابعها تستوقف البواكى بعد وفاته فقد كانت تعشوا إلى ضوء نارها أبناء الحي يسقون من معين علم وأخلاق ديه رحمة عليه وحتما ستعود المياه إلى مجاريها ويقيض الله لذلك العطاء وتلك البركة من يشد حبل وصلها بعد غياب الوالد رحمه الله.
لقد عرف بأخلاقه العالية وتواضعه الجم وحنانه على الضعفاء وأصحاب الحاجة لا تكاد تجده إلا وهو في صلاة أوعبادة، كان معروفا بسعيه في الخير وتواريه عن الناس مشغولا بقيامه وتبتله الذى لا ينقطع، متجافيا عن صغائر الأمور، منيبا إلى دار الخلود
وعن ما تبقي من حميد خصاله – أرى الصمت أولى بي من أن أتكلما
لم يرغب يوما في الثناء وهو من هو؟ ولم يستمدح المادحين ولو شاء أمطروه بما هو أهله، لكن ديه كان يستمر في العاجلة لحساب الآجلة وتلك لعمري شيم الصالحين وقليل ماهم.
ولد رحمه الله عام 1925 وتوفي في مثل هذا اليوم من عام 2017
عليك سلام الله قيس ابن عاصم – ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحد – ولكنه بنيان قوم تهدما
اللهم اجزه عنا وعن جميع المسلمين خير الجزاء
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

بقلم محمد الامين ولد ببكر

شاهد أيضاً

واشنطن تسمح بمرور مشروع قرار لوقف القتال في غزة

بعد أكثر من 5 أشهر من الحرب في غزة، تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *