الخدمات الصحية في ولاية لعصابة: الواقع و الآفاق/ عبد القادر ولد الصيام

 تُعرِّف منظمةُ الصحةِ العالميةِ الصحةَ -في مقدمة دستورها- بأنها :”حالة من اكتمال السعادة البدنية و العقلية و الاجتماعية، لا مجرد انعدام المرض أو العجز”، و هو تعريف جميل و شامل قد لا يتناسب مع واقع الخدمات الصحية في موريتانيا- و في لعصابة على وجه الخصوص – و لكن ذلك لا يمنعنا من الحديث عن واقع هذه الخدمات و السعي إلى تطويرها في سبيل الوصول بها إلى غاياتها و الاقتراب بها من التوصيف الوارد في هذا التعريف، و هو ما يسعى هذا المقال المتواضع إلى المساهمة فيه و لو بالنقاش و الحوار و جلب الانتباه إليه. وجلب الانتباه إليه.

واقع الخدمات الصحية في لعصابة:

حتى وقت قريب- و في سنة ٢٠٠٦- تمّ تصنيف ولايات لعصابة و الحوضين ضمن أشدِّ مناطق البلاد تأخّرا من حيث المؤشرات الصحية،؛ فقد قُدِّرَ عدد السكان لكل طبيب واحد في هذه الولايات بثلاثين (٣٠) ألف شخص! فيما بلغ عددهم لكل قابلة واحدة أربعين (٤٠) ألف شخص!! و هي مؤشرات ضعيفة جدا كما يذكر الدكتور محمد الأمين ولد لمات الباحث بجامعة انواكشوط في بحثه القيّم: “الخدمات الصحية بولاية لعصابه: الواقع و التحديات”.

و تَعتَبِرُ منظمة الصحة العالمية أن وجود أقل من٢،٣ (اثنين فاصل ثلاثة) عامل صحة (من فئة: طبيب و ممرض و قابلة) لكل ألف (١٠٠٠) شخص سيكون غير كاف لتحقيق الرعاية الصحية الأولية للمحتاجين.

و في البحث السابق يُشير الباحث إلى أن معدل الولوج إلى الخدمات الصحية بولاية لعصابة على مستوى دائرة شعاعها خمسة (٥) كيلومترات هو خمسون فاصل خمسة (٥٠،٥٪؜)في المائة، و هو معدل ضعيف بالمقارنة مع المعدل الوطني : سبعة و ستون فاصل ثلاثة في المائة (٦٧،٣٪؜) كما أن معدل الولوج -حسب الإقامة في الوسط الريفي في الولاية- ضعيف و هو : خمسة و أربعون فاصل ستة في المائة ( ٤٥،٦٪؜) مقابل ستة و تسعين فاصل خمسة في المائة ( ٩٦،٥٪؜) في الوسط الحضري.

و يُقدِّرُ المكتب الوطني للإحصاء -سنة ٢٠٠٦ عدد المستفيدين من الولوج للخدمات الصحية في لعصابه على دائرة شعاعها خمسة (٥) كيلومترات ب١٦٢٧٣٧ (مائة و اثنين و ستين ألف و سبعمائة و سبعة و ثلاثين) و في مقاطعة كيفة -و هي الأعلى- ب٥٦٦٧٥ ( ستة و خمسين ألفا و ستمائة و خمسة و سبعين) مقابل ٧٠١٧ (سبعة آلاف و سبعة عشر شخصا) في مقاطعة بومديد – و هي النسبة الأقل في مقاطعات الولاية، و لا شك أن توفير هذه الخدمات يحتاج طاقما طبيا ينبغي لنا الحديث عنه و عن مكوناته.

الطاقم الطبي:

طبقا لإحصائيات المندوبية الجهوية للترقية الصحية بلعصابة (سنة ٢٠٠٥) -(الصورتان ١-٢)- فإن مجموع الطاقم الطبي في الولاية بلغ (٢١٣) مائتين و ثلاثة عشر شخصا موزعين على المجموعات التالية:

- ثلاثة (٣) أطباء صحة عمومية

- ثلاثة (٣) أطباء عامين

- صيدليان (٢) اثنان

- جراح أسنان (١) واحد

سبعة (٧) فنيين عاليين للصحة

- مساعد اجتماعي (١) واحد

- عشرة (١٠) قابلات

- ثمانية و أربعون (٤٨) ممرض دولة

- ستة و أربعون (٤٦) ممرضا اجتماعيا

- فنيان (٢) اثنان للصحة

- ممرض عقدوي (١) واحد

- خمسة (٥) ممرضين مساعدين

- أربعة و خمسون (٥٤) مولدة عقدوية

- تسعة (٩) مغذيات عقدويات

- إحصائي (١) واحد

- مسير (١) واحد

- ثمانية (٨) سائقين

- خمسة (٥) عمال للنظافة

و كما سنرى-بعد قليل- فقد تحسّن الطاقم الطبي و زاد عدده -و إن لم تتوفر لنا معلومات رسمية دقيقة- كما تحسّنت البنية التحتية و تطورت المعدّات الطبية، و لكن دون الوصول إلى الهدف المنشود-حتى الآن- بسبب نواقص عديدة يرجع بعضها إلى تدنّي الإنفاق على قطاع الصحة.

الإنفاق على الصحة محليا و وطنيا:

لقد بلغ معدل الإنفاق على الصحة في موريتانيا سنة ١٩٩٩ : (٤.٨ ٪؜) -أربعة فاصل ثمانية في المائة- من الناتج الإجمالي المحلي، و في نفس السنة كان هناك ٠.١ (صفر فاصل واحد) طبيب و ( صفر فاصل سبعة ) ٠.٧ سرير لكل ألف مريض ، و هي نِسَبٌ متدنية جدا!!

و على مستوى ولاية لعصابة فقد بلغت ميزانية القطاع الصحي سنة ٢٠٠٣: (٥.٨.٣٠٦.٠٠٠) من بينها ٤٧٪؜ من ميزانية الدولة و الباقي (٥٣٪؜) تم تمويله من طرف دول و منظمات خيرية -طبقا للباحث الدكتور محمد الأمين ولد لمات، و لا بدّ -بعد الحديث عن حجم الإنفاق على قطاع الصحة- من الحديث عن المنشآت الصحية بالولاية.

المنشآت الصحية:

أما على مستوى المنشآت الصحية فقد بَلَغ عددها (سنة ٢٠٠٩) ثمانية و خمسين (٥٨) مُنشأة موزعة كما يلي:

مستشفى واحدا (١) في كيفة

- مركزان صحيان (٢) مستوى “أ A” في كيفة و كنكوصة

خمسة (٥) مراكز صحية مستوى “بB” و تحتوي كل مقاطعة واحدا منها.

واحد و خمسون (٥١) نقطة صحية في الولاية، أكثرها في مقاطعة كيفة ( عشرون :٢٠) و أقلها في مقاطعة بومديد ( أربعة ٤ نقاط صحية فقط).

كما كانت هناك أربع (٤) عيادات خصوصية في عام ٢٠٠٩ (ربما زاد عددها كثيرا في السنوات الماضية و الحمد لله) و مائة و خمسة و عشرون (١٢٥) صيدلية منها أربعة و ستون (٦٥) تابعة للوحدات الصحية بالولاية، و يقوم الممرضون و المشرفون على هذه “الصيدليات المستقلة” بشراء و استلاف الأدوية من بعض الموزعين الخصوصيين و بيعها للمواطنين بسعر أغلى و في ظروف حفظ -أقل ما يُقال عنها أنها “غير مثالية”!!

أما بالنسبة لسيارات الإسعاف فقد بلغ عددها في العام المشار إليه سابقا ست (٦) سيارات منها اثنتان (٢) في كيفة و واحدة لكل مقاطعة أخرى، و ربما زاد عددها في الفترة الأخيرة دون أن تتوفر لي معلومات رسمية حديثة.

و إكمالا للحديث عن المنشآت الصحية فلا بُدّ من الحديث عن “جوهرة المنشآت” و الخدمات الصحية في لعصابة و هي المستشفى الجديد.

المستشفى الجديد / مركز الاستطباب بكيفة :

بعد التوقيع على اتفاقية تسليم المستشفى الجديد بين وزير الصحة الموريتاني و السفير الصيني يوم ٢٢/٦/٢٠١٦ (الصورة ٣ للمستشفى من خدمة غوغل إيرث Google Earth) و بعد تدشينه من طرف الوزير الأول الحالي يوم ٥/٨/٢٠١٦ بتكلفة بلغت ستة (٦) مليارات أوقية -هدية من الشعب الصيني- و بطاقة استيعابية تصل مائة و خمسين (١٥٠) سريرا -ضعف طاقة المستشفى القديم و البالغة سبعين ٧٠ سريرا- فقد تمّ تحسين البنية التحتية و الأجهزة و زيادة الطاقم الطبي حيث لا يقل عدد الطاقم الحالي عن خمسة عشر (١٥) دكتورا موريتانيا من مختلف التخصصات (راجع الصور ٤-٥ من إضراب الأطباء يوم ١٦ ابريل الماضي) و من هذه التخصصات :

- الجراحة العامة

- جراحة العظام و الأعصاب

- تخصص أطفال و جراحة الأطفال

- تخصص نساء و توليد

- التخدير و الإنعاش

- اسكانير

بالاضافة إلى ثلاثة (٣) أطباء صينيين و ستة (٦) أطباء سوريين و طبيبا تونسيا (١) واحدا، وهو طاقم متميز من الناحية التكوينية مما يُتَوَقع أن يكون له أثر إيجابي على مستوى الخدمات الصحية التي يشكو الكثيرون من مشاكلَ و نواقصَ تتعلق بها.

مشاكل و نواقص:

بعد خوصصة الخدمات الصحية في موريتانيا لم يَعُد الطبيب و الممرض يملكان غير قلميهما؛ فيقومان بكتابة وصفة طبية للمريض حتى في الإسعافات الأولية، و أحيانا يُمنَع المريض من الدخول و معاينة الطبيب -في الحالات المستعجلة- قبل دفع ثمن الإستشارة!!

و يُلزَم المريض -كما ذكرتُ- بدفع ثمن الاستشارة قبل الدخول، و تبلغ تكلفة الاستشارة في المستشفى خمسمائة (٥٠٠)أوقية قديمة للطبيب العام و ثلاثة آلاف (٣٠٠٠) للمتخصص-إن لم تخني الذاكرة- و ثمة إشاعات بأنها ستتم مضاعفتها مرات و هو ما سيكون له -إن حصل- أثر سلبي على المواطنين.

كما أن المريض يدفع -أثناء الحجز- ثلاثة (٣) آلاف أوقية يوميا عن السرير، و يدفع -الآن- ثلاثين (٣٠) ألف أوقية عن عملية الزائدة الدودية، و ثمة إشاعات من أنها ستصل إلى مائة (١٠٠) ألف أوقية!! كما يدفع المريض -الآن- عشرة (١٠) آلاف عن كل فحص ب”السكانير”، و ثمة إشاعات من أنها ستصل إلى أربعين (٤٠) ألف أوقية، و تدفع النساء أربعين (٤٠) ألف أوقية عن كل عملية قيصرية ، و ثمة إشاعات بأنها ستصل إلى مائة و أربعين (١٤٠) ألفا، و هو أمر سيكون له عواقب وخيمة في حالة حدوثه.

و مع أن المستشفى الجديد يتضمن صيدليتين -واحدة في كل طابق- إلا أن أسعارهما غالية، و تزيد أسعارها -أحيانا- بأكثر من ألف أوقية (قديمة) عن سعر بعض الصيدليات الخصوصية، و من ذلك -على سبيل المثال- دواء Cordex للمسالك البولية، و الذي تبيعه صيدليتا المستشفى بسبعة آلاف و خمسمائة (٧٥٠٠) أوقية، و عند بعض الصيدليات الخصوصية -غير البعيدة من المسستشفى- ب ٥٢٠٠ و ٥٥٠٠. (خمسة آلاف و مائتين و خمسة آلاف و خمسمائة!!) و هو فرق كبير؛ لكن قرار إبعاد الصيدليات الخصوصية عن المستشفى بمسافة لا تقل عن أربعمائة (٤٠٠) متر أدّى إلى صعوبة حصول المواطنين على الدواء من هذه الصيدليات و إرغامهم على الشراء من صيدليتي المستشفى- رغم غلاء سعرهما و عدم خضوعهما للمنافسة و سعر السوق!!

و يشكو الكثيرون من صعوبة الوصول للمستشفى الجديد، و الذي تمّ التعهد ببناء طريق يربط بينه و بين طريق الأمل (المدخل الشرقي للمدينة ؛ اتويميرت/ النزاهة) و هو طريق أقل من أربعة (٤) كيلومترات، و لم يتم الوفاء بذلك الوعد -حتى كتابة هذه الحروف- كما أن الطريق الرابط بين المستشفى الجديد و ملتقى الطرق الرئيس في المدينة (كرفور المدرسة رقم ١) يمرّ من شمال سوق الجديدة، و هو طريق مكتظ، و قد تنتظر سيارة الإسعاف فيه نصف ساعة، في مسافة لا تبلغ أربعة (٤) كيلومترات مما قد يؤثر -سلبا- على حالة المريض و تعقيدها.

و على ذِكْر سيارة الإسعاف فلا يزال المواطنون يدفعون ثمن الوقود لنقل و رفع مرضاهم إلى انواكشوط- هذا إن توفرت هذه السيارة- و قد يحتاج ذلك إلى وساطة و جهود عديدة!!!

كما أن من المؤسف له أن هذا المستشفى الجديد- و الذي يُعتَبَرُ صرحا وطنيا متميزا- لا يتوفر على الماء -شأنه في ذلك شأن الأحياء المجاورة له مثل : صونادير و أوبك!!- و يتم تزويده بالماء – يوميا- من المستشفى القديم عبر صهريج مخصص لهذا الغرض!! و هو ما تسبب في عدم نقل وحدة “التصفية” من المستشفى القديم!!

كما أن من النواقص الملحوظة و التي يشكو منها كثير من المواطنين عدم وجود طبيب متخصص في قسم التصفية، و الذي يُشرف عليه و يعمل فيه ممرضو دولة و ممرضون أقل درجة!! كما يشكو بعض المراجعين لقسم الولادة بالمستوصف المركزي من عدم وجود قابلات في الدوام الليلي.

و من النواقص الملحوظة إجراءات الحراسة و طريقة التعامل مع الزائرين و المرضى، و الذين لا يُسمَح لهم بالدخول قبل دفع ثمن الاستشارة، و لا توجد مقاعد للانتظار و لا أماكن مظللة لمن ينتظر الدخول و الزيارة (راجع الصور ٦-٧-٨) و هي صور التقطتها لمواطنين يفترشون الغبراء و الحجارة في انتظار الدخول و الزيارة في مشهد غير إنساني و غير لائق !!)

و رغم أن الأطباء و الأطباء المتخصصين في الولاية و الوطن يواصلون إضرابهم -منذ إبريل الماضي- سعيا للحصول على علاوات و حقوق يريدونها و يستحقونها إلا أن بعض المرضى يشكون من أن بعض الأطباء الذين يعملون في عيادات خصوصية لا يداومون بشكل منتظم في المؤسسات العمومية، و لا يعتنون بمرضاهم أثناء عملهم فيها، و يشترط بعضهم زيارته في عيادته -و بتكاليف غالية- (تبلغ تكلفة الاستشارة في العيادات الخصوصية خمسة آلاف فما فوق، بالإضافة إلى تكاليف الفحص و العمليات و الحجز و هي غالية جدا مقارنة مع المؤسسات العمومية) كما يُتَّهم بعض الأطباء بكتابة أدوية محدّدة لترويجها أو توجيه المرضى إلى صيدليات يملكها أو يتعامل معها، و ثمة إشاعات من أن بعض الأطباء يسعى للحصول على مبلغ شهري (بالملايين) لا بُدّ له من تحصيله، و هي أمور -إن صحت- فإنها تنافي المسؤولية الأخلاقية و القانونية للطبيب.

و ختاما:

فرغم تحسّن البنى التحتية و جَودة الطاقم الطبي إلا أن ذلك لم ينعكس -بعدُ- على جودة الخدمات الطبية و التي لا تزال قليلة و غالية و لا تُغني عن العلاج في انواكشوط أو الدول المجاورة، وهو ما يتطلّب من أبناء الولاية و مسؤوليها الإداريين و الطّبّيّين العملَ على إكمال النواقص -بعد تثمين المنجَزات- و السعيَ في تحسين الخدمات، و هو ما يتطلب -كذلك-وعيا و جُهدا من الجميع أرجو أن يقوم كلٌّ منا بدوره فيما يتعلق به.

و لا شك أن آفاق الخدمات الصحية بلعصابة واعدة بالتحسن -إن شاء الله- خصوصا مع توفّرِ بنى تحيتية لا بأس بها، و وجودِ طواقم طبية ذات خبرة -و بعضها من أبناء الولاية و من الشباب- و دفعِ المواطنين لكل التكاليف المتعلقة بالعلاج و الدواء مع وجودِ كثافة سكانية تضمن استمرار دفع المزيد من المال و ضخّه في القطاع الصحي، فهل ستستطيع “العائلة الطبية” في الولاية النهوض بهذا القطاع و الوصول به إلى مرحلة قريبة من تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة :(حالة من اكتمال السعادة البدنية و العقلية و الاجتماعية، لا مجرد انعدام المرض أو العجز ) و هو أمر ممكن و غير مستحيل نظرا لعوامل عديدة، فهل سنصل إليه قريبا؟ أم سيبقى حلما مؤجّلا مثل أحلام أخرى كثيرة!؟

شاهد أيضاً

واشنطن تسمح بمرور مشروع قرار لوقف القتال في غزة

بعد أكثر من 5 أشهر من الحرب في غزة، تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *