الطوارق: رجال الصحراء الملثمون د إبراهيم الحيدري

13976

الطوارق قبائل بربرية امازيغية تنتشر في شمال افريقيا وخاصة في الصحراء الافريقية الكبرى وتتميز عن غيرها بنمط حياة اقتصادي خاص بها. فهي قبائل رعوية شبه مستقلة تنتقل من مكان الى اخر وراء العشب والمطر. ولها وحدة من العادات والتقاليد والاعراف والقيم الاجتماعية التي ترتبط بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية الصحراوية. التي تعيش فيها. وتمتد منطقة ترحالها وتنقلها في الصحراء الافريقية الكبرى من جنوب ليبيا والجزائر الى مالي والنيجر وحتى تنبكتو جنوبا. أما مركز الطوارق الرئيسي فهو منطقة التاسلي في جبال الهقار والآحاجار في جبال أدرار في الأوراس الجزائري وكذلك في جبال الآير في النيجر.
يختاف المؤرخون في اصل الطوارق وكذلك في موطنهم الاصلي. غير ان المؤرخين والرحالة العرب كانوا اسبق من غيرهم بدراسة قبائل الطوارق والكتابة عنهم. فقد اشار اليهم ابن حوقل والبكري والطبري وابن الكلبي وكذلك حسن محمد الوزاني المعروف ب ” ليون الافريقي” ، الذين كتبوا عن أصولهم وموطنهم ومناطق ترحالهم وعاداتهم وقيمهم الاجتماعية. وكان من أوائل المؤرخين العرب عبد الرحمن ابن خلدون في “مقدمته” المشهورة، الذي شرح فيها عن حياتهم الاجتماعية والاقتصادية واصولهم الاثنية، ورأى بان أصولهم عربية وانهم نزحوا من جنوب الجزيرة العربية قبل الاسلام عن طريق باب المندب واستوطنت بلاد المغرب.
وصف ابن خلدون الطوارق بانهم أوفر قبائل البربر ولا يكاد قطر من الاقطار يخلو من بطن من بطونهم من جبل او سهل. وقد اطلق عليهم “صنهاجة الملثمين” الذين يضعون على وجوههم لثاما تميزا لهم عن غيرهم من الامم. كما نعتهم بانهم قبائل بربرية تنتشر وراء الصحراء، ما بين بلاد البربر والسودان الصحراوي(مالي والنيجر اليوم).
وكان ابن بطوطة(1350م) قد اسهب في وصف حياتهم وعاداتهم في رحلته عبر الصحراء الكبرى التي استغرقت خمسة عشر يوما زار فيها جبال الهقار، موطن الطوارق الرئيسي.
ومما قاله ابن بطوطة :
“هم قبيلة من البربر لا تسير القوافل إلا في خفارتهم، والمرأة عندهم في ذلك اعظم شأنا من الرجل. وهم رحالة لا يقيمون، وبيونهم غريبة الشكل…. ونساؤهم اتم النساء جمالا وابدعهن صورا مع البياض الناصع والسمرة، وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة “.
ولغة الطوارق هي لهجة من لهجات البربر الأمازيغية، غير انها تختلف عنها بكونها تكتب بشكل غير متكامل. ويطلق على “لغة” الطوارق” تمارشاك وتكتب تيفيتناغ. وهي كتابة قريبة من الهيروغليفية، إلا انها اكثر تطورا منها من حيث قابليتها على التصوََر والتصوير. كما ان لغة الطوارق هي الوحيدة التي تكتب والتي يعرفها جميع الطوارق في الساحل الافريقي منذ زمن ، وهي لغة غنية في الخيال، ولكنها محدودة بخبرات الطوارق وتجاربهم وحياتهم الاجتماعية والثقافية في الصحراء.
ويطلق على الطوارق “الملثمون” . واللثام هو غطاء يغطي به الرجل رأسه ووجهه حتى أسفل أنفه، ويرتديه الطوارق “حتى الموت”. وبموجبه يكتسب المرء مكانته الاجتماعية بين افراد قبيلته.
ويعود التمسك باللثام، حسب التحليل الانثروبولوجي، الى ان كل مجتمع صغير ومنعزل لا بد له من ان يحافظ على وحدته وبقائه ويشدد على تلك الوحدة وعلى اهميتها ويتخذ له رمزا او شعارا من لباس او رسم او زخرف او نحت يعزز وحدة القبيلة وتضامنها.
والطوارق، كمجتمع قبلي صغير ومعزول يعيش في بطن الصحراء الافريقية الكبرى اتخذ من ” اللثام” رمزا يلبسه الذكور البالغون منذ السنة السادسة عشرة او السابعة عشرة وكذلك حمل السيف وصيام شهر رمضان، حتى يصبح رجلا كامل العضوية في مجتمع الطوارق، وهو ما يؤكد تأثر الطوارق بالثقافة الاسلامية.
ويسمى اللثام باللهجة الطوارقية-التمهاقية ” لتاجلموست”، وهو قطعة من قماش مصنوعة في السودان الصحراوي( مالي والنيجر). ويلبس نبلاء الطوارق اللثام الأزرق، وهو اشارة على علو المكانة الاجتماعية، اما الاتباع فيلبسون اللثام الابيض.
وتعود اهمية ارتداء اللثام الى انه يساعد على تكوين طبقة من الدهن والشحم على وجه لابسه تجنبه حرارة الصحراء ورمالها المحرقة، مثلما تجنبه التشقق الذي قد يحدث في بشرته للاسباب نفسها.
وتشير طريقة ارتداء اللثام عند الطوارق الى القبيلة التي ينتمي اليها الفرد، حيث يقول الطوارق ” انه اذا نزع الطوارقي لثامه فمن الصعب التعرف عليه “. لان اللثام يشكل في الحقيقة جزءا من شخصيته وهويته، ولذلك لا يمكن التنازل عنه والتساهل في نزعه.
وترتبط باللثام قيم وتقاليد واعراف اجتماعية خاصة، فالطوارقي لا يمكن ان يتكلم مع من هو اكبر منه سنا ولثامه قد نزل على أرنبة أنفه، ولا ينزع لثامه اثناء النوم والاكل والعمل مهما بلغ به العمر. وتفتخر المرأة الطوارقية بزوجها الذي لا ينزع لثامه امامها. ومما تمدح به المرأة زوجها بين النساء قولها : “عشت مع زوجي عشرين سنة من دون ان ارى فمه”!.
ولا ترتدي المرأة الطوارقية أي لثام او حجاب، متزوجة او غير متزوجة. وهي تتمتع بمكانة جيدة، حيث لا يجد المرء بين الطوارق فكرة تفوق الرجل على المرأة، لا قبل الزواج ولا بعده. كما تتمتع الطوارقية بجميع المزايا التي يتمتع بها الرجل عادة في المجتمعات البدوية. واذا ارادت الطلاق من زوجها فيمكنها ذلك من دون ان تتطور الامور بينهما الى نزاع حاد، فهي تقف امام جمع من الطوارق وتعلن عن رغبتها في الطلاق من زوجها.
ومن الملاحظ ان مستوى تعليم المراة متقدم على الرجل وذلك بسبب ان الام تلعب دورا هاما في تعليم البنات اللهجة الطوارقية وقراءة القران والشعر والموسيقى وجميع اعمال المنزل، وهي متساوية مع الرجل في جميع المسؤوليات.
وترتبط اهمية المراة في المجتمع الطوارقي بان الاطفال يرثون مكانة امهم الاجتماعية. كما ان بعض الطوارق ينتسبون الى امهم من دون ابيهم، اي ينتقل النسب في خط الام وليس الأب، والبعض الاخر منهم لا يلتزم بما جاء به الاسلام من اباحة الزواج من ابنة العم/ابن العم. فهم ما زالوا يحتفظون بتقاليدهم وعاداتهم القديمة. كما ان بعض العلاقات الاجتماعية بين الذكور والاناث هي علاقات متحررة نسبيا وخاصة قبل الزواج .
وفي الحقيقة لعب الاسلام دورا هاما في تغيير كثير من العادات والتقاليد القديمة في شمال افريقيا. كما ان التغيرات والتحولات البنيوية في العصر الحديث ساعدت على ضرورة الاستقرار والتحول الى الزراعة او الهجرة الى المدن والعمل في بعض المشاريع الحكومية اوفي الحرف التقليدية. كما ان دخول عناصر المدنية الحديثة وتكنولوجيتها احدثت تغيرات عميقة الاثر في حياتهم ونمط معيشتهم وقيمهم وعلاقاتهم القبلية ومست طرق التربية والتعليم وعلاقات العمل والعائلة والقرابة وكذلك علاقة الفرد بالدولة.

شاهد أيضاً

قائمة التعينات في مجلس الوزراء اليوم

قائمة التعينات في مجلس الوزراء اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *