على ناصية شارع جمال عبد الناصر (عبد الناصر والوحدة الإفريقية)

كتب محمد فائق رئيس مكتب الشؤون الإفريقية بالمخابرات المصرية في عهد جمال عبد الناصر:

عندما أعلن الجنرال أوجوكو الحاكم العسكرى لإقليم شرق نيجيريا فى 30 مايو 1967 استقلال الإقليم باسم جمهورية بيافرا، (دعمت إسرائيل الانفصاليين بإمدادهم بالأسلحة، وكذلك دعمت البرتغال الانفصاليين نكاية في نيجريا الداعمة لاستقلال المستعمرات البرتغالية في إفريقيا).
قررت حكومة نيجيريا مواجهة هذه المحاولة حتى تبقى، كما كانت دائما دولة كبيرة قوية لها مكانتها الإفريقية والدولية وأرسلت حملة عسكرية للقضاء على الحركة الانفصالية، وفى الوقت نفسه تدفقت المساعدات من دول الاستعمار الغربى وشركاتها المنتشرة فى غرب إفريقيا لدعم الانفصال وأمدت أوجوكو بالسلاح والمال والمرتزقة الأوروبيين، وانبرى الإعلام الغربى فى حملة واسعة لتأييد أوجوكو وحركته الانفصالية حتى أصبح الرأى العام الغربى كله منحازا بشكل هستيرى إلى استقلال بيافرا تحت شعارات (أنقذوا شعب بيافرا وحقه فى تقرير المصير) وانخرطت المنظمات الإنسانية الغربية فى هذه الحملة وعلت أصوات تدعو بعدم جواز أن يكون الدم ثمنا لبقاء وحدة البلاد.
ولم تكن هذه كل الحقيقة، فمع وجود بعض الدوافع المحلية للانفصال كان تنفيذ الفكرة والمساعدات التى تدفقت على بيافرا تؤكد أن محاولات انفصال بيافرا كانت مشروعا استعماريا بامتياز.
في أغسطس 1967 أرسل الجنرال يعقوب گاوون، رئيس الحكومة النيجيرية ورئيس المجلس العسكري الحاكم رسالة عاجلة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، يشرح فيها الخطر الذى تتعرض له بلاده جراء غارات جوية يومية تشنها طائرتان أصبح يمتلكهما الجنرال اوجوكو قائد الانفصال في بيافرا على العاصمة لاگوس دون أن تلقى أى مقاومة، حيث لم يكن هناك أى نوع من أنواع الدفاع الجوى، وأوضح أنه لا يمكن الصمود فى مواجهة هذه الغارات أكثر من أيام قليلة، وذكر الجنرال أنه لجأ إلى جهات عديدة، ولم يسعفه أحد، غير أن الاتحاد السوڤيتي أمده بطائرات ميگ 19 ولكن دون طيارين، وذكر الجنرال گاوون في رسالته أنه يدرك تماما صعوبة الموقف الذي يمر به الرئيس عبد الناصر فى الوقت الحالي، ولكنه يتساءل عن إمكانية أن يسعى الرئيس المصري لدى أصدقائه – وذكر من بينهم الجزائر – ليمده بعدد من الطيارين للطائرات الميگ.
كان عبد الناصر بالفعل يمر بظروف بالغة التعقيد بعد هزيمة عسكرية (فى حرب يونيو 67) التي لم يمر عليها سوى أسابيع قليلة، وكان قد بدأ حربا جديدة هى حرب الاستنزاف تمهيدا لتحرير الاراضى المحتلة، كما كان يستعد للسفر إلى الخرطوم لحضور أول قمة عربية بعد هزيمة 1967. وفى هذا الجو المشحون تسلمت هذه الرسالة بصفتى الوزير المسؤول عن الشؤون الافريقية فى ذلك الوقت وقمت بعرضها فورا على رئيس الجمهورية لخطورة ما جاء بها.
وجاء تعليق ورد الرئيس جمال عبد الناصر على هذه الرسالة سريعا وحاسما، فقد قال: لا أعتقد أن أحدا من أصدقائنا أو غيرهم سوف يستجيب لهذا الطلب، فقد سبق أن تعرضنا لموقف مشابه، ولم يستجب أحد لندائنا، فإرسال طيارين يختلف عن مجرد ارسال معدات عسكرية، ولكننى لا أريد أن تنتكس إفريقيا بنكستنا، خاصة نيجيريا بما تمثله من أهمية فى القارة الإفريقية، كما أن نجاح بيافرا فى الانفصال سوف يتبعه تقسيم نيجيريا إلى دويلات، وكان هذا فعلا ما ينادى به أوجوكو الذى كان يرى أن أسس الوحدة الفيدرالية قد انهارت تماما، وأن الحل الوحيد هو إقامة اتحاد كونفيدرالى من أربع دول مستقلة تماما هى الأقاليم الأربعة القائمة فى ذلك الوقت، وعلى هذا الأساس كان قرار جمال عبد الناصر الوقوف مع نيجيريا ومساعدتها فى القضاء على انفصال بيافرا، وبالتالى تم تكليفى بالاستجابة لطلب الجنرال گاوون على الفور وإمداده بالطيارين على أن يكونوا من الضباط الذين تركوا الخدمة فى القوات الجوية، وقال لى عبد الناصر إنه نظرا لانشغالاته العديدة فى الفترة المقبلة فإنه يخولنى سلطات رئيس الجمهورية فى كل ما يتعلق بهذه المهمة.
ولم تكن مهمتى سهلة خاصة فى البداية، فقد كان عامل الوقت ضاغطا بشكل كبير تحت استعجال السلطات النيجيرية وملاحقتهم لى، وكان على أن أتعامل مع جهات عديدة وأفراد ليسوا فى الخدمة، وعلى أن أوفر أطقم الصيانة واللاسلكى كل ذلك خارج القنوات الرسمية حفاظا على السرية، كما كان على أيضا أن أنهى الترتيبات مع السلطات النيجيرية وتحديد قواعد وأسلوب التعاون بيننا بالشكل الذى لا يسبب لنا أى تعقيدات دولية نحن فى غنى عنها، فاتفقت على أن تأخذ العملية شكل التعاقد الفردى بين سفارة نيجيريا فى القاهرة، وكل فرد على حدة أى انها اتخذت فى مظهرها شكلا مماثلا لما يفعله المرتزقة الأوروبيون رغم أن الضباط المصريين لم يكونوا مرتزقة فى واقع الأمر حيث كانت المهمة وطنية بامتياز، ولكننا كنا نستخدم أحد الأساليب التى استخدمتها قوى الاستعمار فى الكونغو، وفى أماكن كثيرة أخرى. وقد وصلت الدفعة الأولى من الطيارين المصريين إلى لاجوس بعد أيام قليلة من استلام رسالة الجنرال گاوون، وفى اليوم التالى لوصولهم كانوا يقودون الطائرات الميج ويملأون سماء لاجوس وسط فرح وتهليل أهالى العاصمة فقد كان ذلك إيذانا باختفاء طائرات أوجوكو وانتهاء غاراتهم نهائيا.
وكلف الضباط المصريون بعد ذلك بضرب مطار بيافرا وإبقائه معطلا بصفة دائمة، وكان معنى ذلك وقف الإمداد العسكرى إلى بيافرا، والذى كان معظمه يصل عن طريق الجو.
ثم انغمس الطيارون المصريون فى الحرب النيجيرية ضد قوات الانفصال، وزاد عدد الطيارين المصريين فى نيجيريا بتقدم الحرب وإنشاء كلية طيران فى لاجوس لتدريب الضباط النيجيريين واضطررنا إلى الاستعانة بطيارين من القوات الجوية المصرية مباشرة لاستكمال الاعداد المطلوبة، واستمر وجود الطيارين المصريين يشاركون فيما يطلب منهم إلى أن انتصرت القوات الفيدرالية وهرب اوجوكو إلى ساحل العاج واستسلمت قواته، وتم القضاء نهائيا على محاولة انفصال بيافرا، وبقيت نيجيريا موحدة.

كامل الود 

إكس ولد إكس اكرك 

شاهد أيضاً

واشنطن تسمح بمرور مشروع قرار لوقف القتال في غزة

بعد أكثر من 5 أشهر من الحرب في غزة، تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *