محمد الأمين الشيخ العالم والداعية والمفكر

ينحدر العلامة محمد الامين الشيخ التنواجيوي الملقب “ميمين بن أي ” من منطقة الحوض ففي الحوض الشرقي يقيم أهله أهل سيدي ولد الشيخ وفي الحوض الغربي يقيم أخواله اجاجبركه نشأوتربي عند اخواله في منطقة ترمسه وتلقي تعليمه الأولي علي يد خاله أبحيده بن أحمد عم بن محم بن الني الذي تعد محظرته احدي محاظر منطقة ترمسه البارزة كما انها ضاربة في القدم اخذ العلامة محمد الأمين الشيخ اجازته القرآنيه الاولي علي يد خاله كما درس عليه بعض المختصرات والمتون الفقهية لتقوده رحلة التزود بالعلم بعد ذلك الي حاضرة الحوض وعاصمته الثقافية ولاته التي التحق بأشهر محاظرها محظرة أهل سيدي عثمان التي أكمل فيها مساره التعليمي وتلقي فيها معارف جمة في اللغة والنحو والحديث وعلومه والتفسير والأصول وبعد أن أمضي فترة بتلك المحظرة منقطعا للتعليم تاقت نفسه الي اعمال الرحلة نحو المشرق بهدف الحج الا أن رحلته تلك لم تكن رحلة حج تقليديه بل انها زاوجت بين تأدية الحج والاستزادة من العلم والدعوة الي الله ومن خلال تلك الرحلة تشكلت أهم معالم شخصية هذا العالم وقد سلك محمد الأمين في طريقه الي الحج المحور الشرقي حيث عبر من مناطق الحوض باتجاه مالي فالنيجر فنجيريا فاتشاد والسودان ثم مصر فالديار المقدسة وقد كانت محطة نيجيريا محطة بارزة في تلك الرحلة لأن صاحبنا أمضي فيها بعض الوقت داعيا الي الله مرشدا وواعظا وقد كانت نيجيريا في هذه الفترة محط رحال أشخاص عديدين من مجتمعه خاصة من أخواله حيث أن عدة شخصيات منهم اتخذت نيجيريا كمستقر بل أنه لاتزال بعض أسرهم هناك وتتواتر الرواية أن العلامه محمد الامين في الفترة الوجيزة التي أمضي هناك حققت جهوده الدعوية نتائج مهمة 
ومما يترجم لنا مكانته وبعد نظره أنه فهم تحديات تلك المرحلةوترجمت أدواره الرائده علي الصعيدين الوطني والاسلامي ذلك الفهم الصحيح لتحديات المرحلة حيث أنه استغل علاقاته في أوساط العلماء وقادة الرأي في الحجاز وموريتانيا وباقي انحاء العالم الاسلامي في بناء مشاريع اسلامية واعدة يمكنهاان تبني جسورا من التعاون بين نخب الاسلام وبين أوطانه المختلفة فقد تصادف ان كانت سنوات تواجده الاولي في الحجاز متطابقة مع مرحلة استقلال العديد من البلدان العربية والاسلامية ومن ضمنها موريتانيا وهو ماطرح اشكالية العلاقة بين الوطن والامة لدي علماء ونخب المسلمين الا ان العلامة محمد الامين الشيخ تصرف تصرف الفاهم لتحديات ازدواجية الادوار دور العالم في بناء الوطن ودوره في بناء الامة الواحدة حيث نجده علي المستوي الوطني يقرر انشاء مدارس بن عامر للتعليم الأهلي والأصلي وهي المدارس التي لعبت دورا رائدا علي المستوي الوطني في مجال الابقاء علي اللغة العربية لغة حاضرة بقوة في هذا القطر كما انها خرجت عشرات بل مئات ان لم يكن الاف الطلاب الحفظة لكتاب الله والمهرة في علوم اللغة والفقه والحديث حيث كان من بين المتخرجين منهاممنوحين الي معاهد وجامعات اسلامية مشهورة كالازهر في مصر والجامعات الاسلامية في السعودية وتقلدوا وظائف سامية
كما انه استطاع من خلال تلك المدارس ان يعوض تراجع دور المحاظر التقليدية بل ان الشيخ محمد الامين اتخذ اجراء مهما وهو انه تبني الكثير من المحاظر في البوادي وجعلها تابعة لمدارس بن عامر وادارتها وصرف لاصحابها رواتب واعان طلابها علي تحصيل العلم الشرعي بدل التسرب الي المدارس النظامية في فترة كان الصراع علي اشده بين المفرنسين والمعربين حيث كان الأخيرين يشكلون اقلية في نظام التعليم واقلية مهمشة جدا وقد انتدب لمهمة التدريس في تلك المدارس نخبا متخصصة في القرآن وعلومه واللغة والحديث والفقه ومن أشهرهم :
المختار بن حامدن الديماني
والحضرمي بن خطري العلوي
أن بن أسماعيل التنواجيوي
أحمد بن محمد المختارالجكني
عبد فال بن محمد بان أم التنواجيوي
ومحمدن بن اديدبي الحاجي
وغيرهم
أما علي المستوي الاسلامي العالمي فان العلامة محمد الأمين الشيخ يعد أحد الاعضاء المؤسسين لرابطة العالم الاسلامي وهو مايترجم لنا وعيه العميق بضرورة وأهمية تنسيق الجهود في اطار العمل الاسلامي وجعله عملا مشتركا تحقيقا لهدف الأمة الواحدة الذي اضرت به التشكلات السياسية للأوطان المستقلة بفعل سياسة فرق تسد التي مارسها الاستعمار وكرسها باستحداث اقطار اسلامية فتتت وحدة المسلمين بحدود مصطنعة 
أما عن جهوده الدعوية والفكرية ومكانته العلمية فانه رغم مستواه العلمي العالي وتكوينه المعرفي المتعدد الجوانب الا ان زهده وورعه غطيا كثيرا علي ابراز هذه المكانة وحقيقتها وهي مكانةتؤهله بأن يعد ضمن المفكرين الكبار ومن خلال جولة سريعة مع بعض آثاره العلمية والفكرية يمكننا رسم معالم مكانته الفكرية ومعرفة جوانب فكره واناراته لدروب الدعوة وأول مايخرج به المتتبع لبعض آثاره هو أن مكانته العلمية تشير الي انه جمع بين جانبي المعرفة ماهو نقلي منها وماهو عقلي حيث ان استحضاره للنصوص استحضار المتقن لهاوالعارف بدلالاتها واحكامها ومقاصدها كما تشيراعتباراته وتاملاته الي مفكر اسلامي استطاع ان يوفق بين المعقول والمنقول بطريقة اسلامية اصيلة تجعل منه حقا مفكرا اسلاميا واكب بفكره التطور الحاصل في الحضارة الانسانيةمحاولا رسم معالم الطريق الصحيح في سبيل بلوغ الاهداف المنشودة من هذا التطور دون ان تتضرر عقيدة المسلم ودون أن يترك دينه فالعقيدة عنده هي الأساس وبصحتها يستقيم سلوك المسلم ومعاملاته وفهمه لرسالة الاسلام السمحة وتستقيم تصرفاته التي تأطر حركاته وسكناته 
وتعد سلسلة “من وحي الاسلام” التي هي في الأصل برنامج اذاعي أهم أعماله العلمية حيث كان الشيخ يشرف علي ا عداده وتقديمه في اذاعة موريتانيا في اطار جهوده الدعوية متخذا الأذاعة منبرا لتوصيل أفكاره وآرائه واناراته لجوانب مهمة تتعلق بالعقيدة الصحيحة والفهم السليم لرسالة الاسلام وقد طبعت تلك السلسلة مقسمة علي أربع كتب رشيقة وانيقة في شكلها عميقة وعظيمة في مضمونها وفائدتها لم يطل فيها علي القارئ ولم يكلفه بذل وقت كبير في القراءة لأنها جاءت مضغوطة الحجم غنية المضمون والمعني وقد تطرق في هذه السلسلة الي المواضيع التالية :
الكتاب الأول:الايمان والاسلام
الكتاب الثاني:من المسؤول عن ذلك 
الكتاب الثالث:التشريع والمصالح البشرية 
الكتاب الرابع:التعليم والدعوة 
ولكي نضعكم امام بعض اناراته الفكرية في هذه السلسلة نسوق لكم هذا الاقتباس الموجز من الكتاب الثالث حيث يقول فيه “ان الحياة العصرية لعبت أدوارا خطيرة في جميع الميادين بالنسبة للمسلمين في هذا العصر المضطرب المظلم الذي أصبح جل أهله يتشاءمون بالنظم الاسلامية جاعلين الاسلام عرقلة للتطور وجاعلين العلماء والفقهاء في الدين اعداء للتطور كل هذا انما سببه جهل هؤلاء للدين وللعلماء والتطور فالدين الطريقة التي تسلك للوصول الي هدف ما وقد حصر الله عز وجل الطريق التي توصل المرأالي أعلي هدف والتي هي وحدها الطريق المستقيم في امتثال اوامر الاسلام قال تبارك وتعالي (ان الدين عند الله الاسلام) وبين عز وجل أن هذه الطريق هي صراطه ( وانك لتهدي الي صراط مستقيم صراط الله الذي له مافي السموات ومافي الأرض)كمابين عز وجل خسران متبعي غير هذه الطريق وعدم قبول غيرها منه فقال تبارك وتعالي ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
اما التطور فهو التغيير والانتقال من حال الي حال والمرضي منه هو الانتقال من حال سيئة الي حال أمثل أومن حال فاضل الي حالة أفضل وكلا المفهومين لايعارض الدين مادام المعتبر في الفاضلية والأفضلية هو التعاليم الدينية وان هذا الدين الذي هو افضل وأمثل نظام يطلب منا دائما ان نكون في أفضل وأمثل حال حسب ما يرضاه لنا مما فيه خير معادنا ومعاشنا لا حسب مايميل اليه ذو الأهواء الفاسدة والأغراض الذميمة فكل تطور في اطار مايرضاه ديننا لمعادنا ومعاشنا فهو محمود وهو تقدم أما التطور في نظر المتطرفين الذي هو عدم التقيد بالشريعة الاسلامية واتباع الأهواء ومسايرة غير المسلمين في حياتهم المخالفة لتعاليم الاسلام فليس هذا بتطور وانما هو تقهقر”
وختاماللقول فان العلامة والداعية واالمفكر محمد الأمين الشيخ لم يكن من العلماء والدعاة الذين يعظون الناس ولا يعملون بمضمون مواعظهم بل انه كان من العلماء العاملين فالشريعة عنده علم وعمل حيث انه كان منفقا علي الايتام والارامل وطلاب العلم قوالا للحق لايهادن اصحاب الاهواء والاغراض الفاسدة ولا يداهن اعداء الدين والحق مدافعا عن الدين وعن السنة لايقبل ان يهان في حضرته العلماء او تداس كرامتهم او يمس من حرمتهم وله مواقف في ذلك مشهورة كان رحمه الله زاهدا في الدنيا ولولا ضيق المقام لتعرضنا اكثر لمناقبه التي صدحت بها حناجر الشعراء وعرفها كل من ساكنه او لقيه تغمده الله برحمته واسكنه فسيح جناته 

بقلم / الشيخ ابراهيم ولد آگية

شاهد أيضاً

جديد محاكمةالمتهمين في جريمة قتل الصوفي ولد الشين

استأنفت المحكمة جلستها الثامنة لمحاكمة المتهمين في قضية قتل الصوفي اليوم الإثنين، حيث استمعت لردود …