حفتر.. القذافي الجديد

بين اللواء المتقاعد خليفة حفتر والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي أوجه شبه كثيرة، يبدو أن أكثرها وضوحا هو إصرار الاثنين على تدمير أكبر قدر ممكن من خارطة الأمن والسلام والبنى التحتية في ليبيا مقابل البقاء في السلطة كما عمل القذافي، أو الوصول إليها وفق ما يسعى إليه حفتر.
الصديقان سابقا ثم “العدوان” لاحقا، جمعتهما أدوار كثيرة في العمل العسكري ثم في قيادة مجلس الثورة الذي أنشأه القذافي بعد إسقاطه للمملكة السنوسية في ليبيا، وسرعان ما تدفق حبل المودة بينهما دما وخيانة بعدما أسرت السلطات التشادية حفتر نهاية مارس/آذار 1987 خلال الحرب المروعة بين البلدين.

تخلى القذافي عن حفتر، وبعد فترة سجن ذاق فيها الأخير مر الأسر، فر إلى الولايات المتحدة لينسج علاقات أخرى ويختبر مواقف جديدة، قبل أن يعود إلى ليبيا بعد اندلاع الثورة، ليعيد خلط الأوراق من جديد.

الشبح المخيف
ورغم أن العقيد الراحل معمر القذافي غادر المشهد نهائيا منذ نحو ثمانية أعوام، فإن ظله وشبحه المخيف ما زال يطادر معظم الليبيين، خاصة عندما يتجسد لهم في صورة “قائد” يتصيد الفرص لتَسَيُّد المشهد.

وخلال الأسبوع الجاري تابع الكثيرون داخل ليبيا وخارجها كلمة مسجلة لحفتر تزامنت مع انطلاق الهجوم على طرابلس، كما شاهدوه يستقبل وفدا أمميا في مكتبه شرقي ليبيا.

بدت الصورة أكثر وضوحا ودلالة، فرفيق درب القذافي وحليفه السابق يريد إعادة بناء قواعد الدولة الليبية على الأسس ذاتها التي قامت عليها أول مرة، حين شارك مع القذافي في الإطاحة بالملك إدريس السنوسي غرة سبتمبر/أيلول 1969.

لا تختلف ممارسات حفتر كثيرا عن نظيرتها القذافية، فخلال السنوات الماضية سفك دماء الكثير من الليبيين، ودمر بلدات ومدنا لمجرد أن بعض المعارضين احتموا بها. وبثت له خلال العام 2016 عدة تصريحات متلفزة يأمر فيها قواته بتصفية خصومه ميدانيا دون محاكمة.

وكان أول خروج بارز له إلى الساحة يوم 14 فبراير/شباط 2014 حين سيطرت قوات تابعة له على مواقع عسكرية حيوية، وأعلن في بيان تلفزيوني “تجميد عمل المؤتمر الوطني (البرلمان المؤقت) والحكومة”، دون أن يحوز “صفة” تخوله إصدار قرارات كبرى كهذه.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ يسير الرجل على خطى سلفه خطوة خطوة، بل تفاجأ الكثيرون وهم يستمعون هذا الأسبوع لتسجيله الصوتي بأنه يمتاح من البئر ذاتها التي كانت دلاء القذافي تردها.

وربما لم يكن صدفة أنه استخدم ذات الجمل الشهيرة التي استخدمها القذافي مرارا وتكرارا في خطاباته الشهيرة بعد اندلاع الثورة في ربيع 2011 (دقت ساعة العمل، آن الأوان، أبطالنا الأشاوس..). كما استخدم بشكل لافت مفردة “الزحف” لحث مليشياته على اقتحام طرابلس، وهي المفردة ذاتها التي طالما استخدمها القذافي إبان الثورة عليه تهديدا ووعيدا للمدن الثائرة عليه وفي مقدمتها بنغازي.

وكانت مفردات الجهاد والنصر المبين وغيرها من المفردات ذات الخلفية الإسلامية حاضرة هي أيضا في تسجيل حفتر، أسوة بالقذافي الذي دأب على استخدام خطاب إسلامي في أحاديثه وتصريحاته، بينما تذهب سياساته وممارساته في اتجاه آخر.

صورة حفتر وهو يستقبل غوتيريش ومرافقيه أعادت إلى الأذهان طريقة معاملة القذافي لبعض ضيوفه (الأوروبية)

إهانة الضيوف الأجانب
ولأن الغرابة هي أبرز ما يميز الرجلين، فقد كانت إهانة الشعب والضيوف الأجانب جزءا أساسيا من خريطة القيم والأخلاق لدى العقيد الراحل واللواء المتقاعد الذي يحاول خلافته في استعادة السيطرة على ليبيا ما بعد القذافي.

وخلال الأسبوع الحالي المفعم بالإشارات الدالة على التشابه بين الرجلين صوتا وصورة وسياسة، استقبل حفتر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. صور الاستقبال وما تسرب عنه أكدت لليبيين أنهم فعلا أمام قذافيٍّ جديد.

جلس حفتر على كرسي وثير خلف مكتب فاخر، وأجلس غوتيريش ووفده على مقاعد مجاورة وكأنه مدرس يلقي دروسا على تلامذته.

لاحقا كشف دبلوماسيون شاركوا في جلسة مجلس الأمن بشأن ليبيا، لمراسل الجزيرة أن المبعوث الأممي إلى ليبيا أبلغ المجلس بأن لقاء غوتيريش مع حفتر كان مخيبا لآمال الأمم المتحدة، وأن اللواء المتقاعد اتسم بالتحدي والثقة بالنفس.

بعد لقائه مع السراج خرج غوتيريش بموافقة على مقترح أممي بعقد لقاء مع حفتر في جنيف شريطة وقف إطلاق النار وإنهاء التحريض، بينما خرج من لقائه مع حفتر “بقلق عميق وقلب منكسر”.

الخيمة والجمل
هذا الموقف يعيد إلى الأذهان بعض المواقف التي تسربت بعد الثورة الليبية بشأن تعاطي القذافي مع ضيوفه الأجانب.

فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول ليبي كبير سابق أن القذافي “قرر في إحدى المرات أن يستقبل في سرت -مسقط رأسه- الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان”.

ويضيف المسؤول أن “أنان -الذي كان يريد الحديث مع القذافي عن إمكانية تسليم عبد الباسط المقرحي المدان في قضية لوكربي- نقل في سيارة بقيت تدور به لساعات في منطقة واحدة، ثم وُضع في خيمة”.

ويشير إلى أن مساعدي القذافي وضعوا خلف الخيمة جملا، وكانوا يستفزون هذا الجمل طوال الليل حتى يصرخ بصوت عال، وعندها سأل كوفي أنان المحيطين به عما إن كان ما يسمعه زئير أسد، فأجابوه “كلا إنه جمل”.

وفي حادثة أخرى، جلس القذافي ومساعدوه مقابل الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والوفد المرافق له في إحدى خيم القذافي بليبيا، وفي خضم النقاش طلب القذافي من رئيس جهاز المراسم نوري المسماري أن يكنس التراب داخل الخيمة.

ويذكر المسؤول الليبي أن “هذا الأمر استمر لوقت طويل، وجعل التراب يتطاير في كل مكان، وعندما كان رئيس الوزراء السابق شكري غانم يطلب من المسماري التوقف عما يفعله، كان الأخير يتجاهل الطلب لأنه سبق أن تلقى الأمر من القذافي، ولا يمكنه التوقف حتى يطلب منه ذلك”.

تتقارب القيم بين الرجلين، فكلاهما خريج مدرسة الغرابة العسكرية التي أنتجت عددا كبيرا من الشخصيات العسكرية ذات التاريخ الدموي في ليبيا، وكلاهما أيضا يملك مخزونا عاليا من الاعتداد بالنفس واحتقار الآخرين شعبا وضيوفا ومواقف وقرارات دولية.

المصدر : الجزيرة + وكالات

شاهد أيضاً

ولد سيدي يحي متحدثا عن التنافس القبلي في جمع التبرعات لغزة ( فيديو )