الزنوج في موريتانيا…الأزمة الدائمة

harakah-zenjiah-muaritania-rai

لقد انتهجت الحكومات الموريتانية إصلاحات تعليمية، كانت بالغة الخطر على الوحدة الوطنية، حيث تراجعت الحكومة نهاية الستينيات عن فرض التعريب الشامل إلى ترسيم الازدواجية الاختيارية، خلال عقد الثمانينيات، وهكذا نشأ جيلان موريتانيان أحدهما مستعرب، والآخر افرنكفوني أخذ ثقافته ومعارفه من اللغة الفرنسية، كما هو الحال بالنسبة لغالبية الزنوج الموريتانيين، ولقد أقامت اللغة حاجزا قويا بين القوميات الموريتانية،
ولقد بدأت مظاهر الأزمة بين العرب والزنوج قبل الاستقلال بل منذ عقود، حيث نشبت بعض الحروب والمناوشات بين المجموعات العربية والزنجية، خلال التاريخ القريب والمتوسط لموريتانيا، رغم مظاهر كثيرة للتعايش الإيجابي، إلا أن بوادر الصراع الأكثر عمقا جاءت مع الاستقلال، وعبر بوابة السياسة والهوية، وقد كانت أحداث 1966 أبرز مظهر للصراع، حيث انتفض الطلاب الزنوج رفضا للتعريب الذي أقرته حكومة الاستقلال برئاسة المرحوم المختار ولد داداه، ولقد ساند الأطر والمثقفون الزنوج حركة الطلاب وأصدر هؤلاء بيانا شهيرا عرف ببيان مجموعة 19 إطار وكان من فقرات ذلك البيان الساخن ما يلي
“إن المجموعة السوداء ملتزمة – بصفة لا رجعة فيها- باستعادة حريتها وكرامتها كاملتين، وباختيارها الحر لثقافة ونمط حياة منسجمين مع الحضارة الزنجية الإفريقية، وبالتطلع إلي المستقبل والتنمية المنسجمة للإنسان، وفي نفس الوقت مقتنعة بأن استمرار النظام في سياسته سيقود حتما إلي الفوضى والحرب الأهلية، فإننا نحن الموقعون أدناه:
– نعلن رفضنا للإجراء القاضي بإلزامية العربية في التعليم الأساسي والثانوي
– نتعهد بالكفاح لإفشال أية محاولة للاضطهاد الثقافي ولقطع الطريق أمام التعريب القسري
لكن نار الأزمة لا تخفت حيث أدى اندماج تنظيمات زنجية هي “اتحاد الديمقراطييين الموريتانيين” (UDM) و”الحركة الشعبية الإفريقية لموريتانيا” (MPAM) و”منظمة الدفاع عن مصالح الزنوج الأفارقة في موريتانيا (ODINAM) إضافة إلى “حركة الطلاب والتلاميذ الزنوج” (MEEN)، إلى إعلان حركة ” المشعل الإفريقي” المعروفة بافلام.

وقد أثارت المنظمة ببياناتها وتهديدها الساخن لما تسميه ” البربر والبيظان المحتلين لأراضي الزنوج” جدلا كثيرا داخل الساحة الموريتانية، بلغ أشده مع صدور بيان “إعلان الزنجي الموريتاني المضطهد” ولقد كان البيان بوابة الأزمة العنيفة بين الزنوج ونظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، حيث نفذ الأمن عمليات اعتقال واسعة وشاملة ضد الأطر المدنيين والعسكريين من الزنوج وخصوصا من شريحة البولار.

وسيتواصل مسلسل الأزمة، مع محاولة ضباط الزنوج تنفيذ انقلاب عسكري وتصفية دموية – وفق الاتهام الرسمي – سنة 1987، ليتفاقم الأمر لاحقا بعد إعدام 3 من الضباط المذكورين بأحكام قضائية وإعدام أكثر 27 عسكريا زنجيا آخر في ذكرى استقلال البلد سنة 1987 فيما عرف لاحقا بمجزرة إينال، قبل أن تندلع أحداث الأزمة بين موريتانيا والسنغال في العام 1989 والتي راح ضحتيها مئات الموريتانيين قتلا وحرقا على يد متطرفين وعسكريين سنغاليين، إضافة إلى أعداد مماثلة من السنغاليين والمواطنين الزنوج في موريتانيا، لكن المظهر الأبرز لتلك الأزمة، هو إقدام نظام الرئيس ولد الطايع على طرد الآلاف من الزنوج إلى خارج موريتانيا أو فرار أغلب هؤلاء إلى مخيمات إيواء داخل الأراضي السنغالية.
وإذا كانت السلطات الموريتانية قد اعتذرت رسميا لأولئك المواطنين المطرودين على لسان الرئيس الأسبق سيدي ولد الشيخ عبد الله، كما أدى الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز صلاة الجنازة على أرواح ضحايا تلك الحقبة، وشهدت السنوات الأخيرة عودة آلاف اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية في الولايات المطلة على النهر السنغالي داخل موريتانيا.
كما قامت الحكومة بدفع تعويضات مالية لبعض المتضررين أنا ذاك من أجل لم الشمل وتضميض جروح الماضي يرى مراقبون أن دعوة حركة (افلام )من داخل موريتانيا لأول مرة إلى حكم ذاتي في الجنوب الموريتاني تعتبر الأخطر على تماسك وحدة نسيج المجتمع الموريتاني

 

شاهد أيضاً

جريمة قتل جديدة والضحية شاب في مقتبل العمر

توفي مساء امس في قرية بوگي، الشاب فاضل ولد يرگ (الصورة)، متأثرا بجراحه، بعدما تلقى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *