سيد محمد ولد محم .. مثقف يستحق الاحترام / د. جعفر محمود

unnamed

خلال متاهات النقاش التاريخي القائم بين أقطاب الإيديلوجيا العربية ، ظلت الحركة الإسلامية تتهم بالعجز عن بناء مثقفين قادرين على مواكبة النقاش الفكري والثقافي مثل باقي الحركات الإيديلويجية ، فباستثناء الجيل المؤسس من أبناء الحركة الإسلامية ، والذي أسس الخطاب والأدبيات الحركية ، ظلت الأجيال اللاحقة رهينة لهذا الخطاب عاجزة عن تجاوزه أو بناء أطر وكوادر تواكب جديد النقاش الفكري والسياسي .

هذه التهمة لاحقت الحركة الإسلامية حيث حلت وحيث حاولت بناء إمتداد لها ، ففي موريتانيا ورغم نجاح الحركة الإسلامية من بناء جناحها الحركي وجناحها السياسي إلا أنها ظلت تتهم بالعجز عن تأطير كوادرها والنهوض بمستواهم الفكري والثقافي ليكونوا بمستوى باقي أبناء الحركات الإيديولوجية الأخرى .

واحد من أبناء هذه الحركة وأحد مثقفيها النوادر أستطاع الخروج من هذه التهمة بفعل ثقافته الموسوعية وتراكمه المعرفي العميق وعقله المتحرر والقادر على تحليل الواقع بخطاب إسلامي أصيل وبرؤية تجديدية لاتتنكر للتراث ، هذا المثقف هو الأستاذ سيد محمد ولد محم الرجل الموسوعة والرجل المفوه والسياسي البارع والإسلامي الشاب الذي أستطاع النبوغ في حركة سياسية تتهم دوما بإنتاج أشباه المتعلمين وصغار المثقفين وأنصاف الكتاب ، إن ثقافة ولد محم تدحض هذه التهمة وتجعلها مجرد إفتراء او جزء من التشهير الطبيعي في حال الخلاف والصراع الإيديلوجي .

هذا المثقف القادر ببساطة حين يتحدث على طحن الفلسفة وطحن التاريخ وطحن الجغرافيا وطحن السياسة ، هذا المثقف الذي يستعرض حين ينظر ثقافة اليسار بألقها الثوري بعيدا عن ماديتها الجدلية ، ويستعرض ثقافة القوميين بكل زخمها الأدبي وروافدها التراثية دون أن يسقط في طرحها الإثني ، هذا المثقف الموسوعة كان بمثابة طوق نجاة لهذه الحركة من هذه التهمة فلايمكن اليوم لأي منصف أن يقول أن الحركة الإسلامية في موريتانيا هي حركة تنتج فقط صغار التجار وباعة الأدوية ، إن حركة خرج منها عقل بهذا الحجم لايمكن أن تتهم بالجمود أو بالعجز عن إنتاج مثقفين .

هذا المثقف غادر الحكومة في آخر تعديل وزاري ، لكن لن يتسنى له مغادرة المشهد السياسي والفعل السياسي كما يريد البعض، لأنه نجح في التأسيس لمدرسة إسلامية جديدة في السياسة. نعم ولد محم أسس لمدرسة جديدة في السياسة ، مدرسة ترفض اجترار الأشكال التاريخية للسياسة وللحكم ومحاولة فرضها على الواقع المعاصر كما يريد البعض، وترفض تصميم نظام إسلامي للحكم على شاكلة أحد النظم السياسية الغربية المعاصرة كما يقدم الفهم السطحي القائم عند أنصاف المثقفين وأرباع المنظرين من أبناء هذه الحركة التي يوغل اليوم بعض كتابها في التطاول على ولد محم ومحاولة النيل منه وعبثا يحاولون ، مدرسة ولد محم التي يكرس في خطابه السياسي هي محاولة نظرية لإحياء بعض القيم والمؤسسات التي وجدت في التاريخ السياسي الإسلامي من خلال إعادة تعريفها أو إعادة ملئها بمعانٍ ودلالات تتسق مع العصر الحاضر، بحيث تكون قادرة على التفاعل مع هذا العصر وفي نفس الوقت تحقق الاتصال والتواصل مع المخزون القيمي والثقافي التراثي ، ومن يريد الفهم عليه العودة لمقابلاته التلفزيونية وتنظيره عن الديمقراطية ، او يعد لكلمة الرسمية التي أفتتح بها قناة المحظرة .

إن أزمة ولد محم تكمن هنا ، وليس في موقفه السياسي أو في منصبه الحكومي إن عمق أزمته يكمن في خروجه من القطيع وفي محاولته لبناء خطاب جديد وتأسيس مشروع إصلاحي جديد ، إن العشرات بل والمئات من المثقفين ومن الكتاب يتمسحون بالنظام الحاكم ويوغلون في موالاته ودعمه ، ودعم من سبقه ومن سيأتي بعده ، لكن لا أحد منهم حظي بما حظي به ولد محم من عداء ومن محاولات للتهميش وللتقزيم لكن يأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون ، نعم سيتم الله نوره وستتأسس مدرسة جديدة وسيبرز خطاب جديد وفهم جديد للسياسة وللأمة وللإستخلاف وللعمران وسيكون ولد محم هو رائد هذا الفهم وهو شيخ هذه المدرسة وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

 

شاهد أيضاً

جريمة قتل جديدة والضحية شاب في مقتبل العمر

توفي مساء امس في قرية بوگي، الشاب فاضل ولد يرگ (الصورة)، متأثرا بجراحه، بعدما تلقى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *