نصيحة من القلب …بقلم عبد الرحمن ودادي

arton331

في بدايات تسعينات القرن الماضي دخل علي في شقتي بالرباط شاب نحيف يتلفت يمنة ويسرة ويحرك يديه بكل اتجاه وسألني وأنا في طريقي للمطبخ لأقدم له واجب الضيافة: هل صحيح أنك تحمل جوازا دبلوماسيا؟.

استغربت فنحن لم نلتق سابقا ولم يمض على دخوله أكثر من دقيقة ولكنني رغم استهجاني لسؤاله لم أجد بدا من جوابه

أخرج صاحبنا آلة حاسبة وبدأ يضغط أزرارها في سرعة غريبة وأشار لرقم متبوع بالعديد من الأصفار وقال هذا ما ستكسبه في الأسبوع الواحد.أخذ يشرح لي في عجالة أنه هدية الله لي وأن حياتي ستتغير جذريا بدأ من اليوم.عدنا لغرفة الصالون وأنا في أشد حالات الحيرة وهو في أقصى حالات الفرح والحبور.

أخذ يتحدث بانفعال شديد لمدة طويلة ويشرح لي كيف سأصبح غنيا في فترة قياسية

بعد دقائق فهمت أنه يحترف تهريب السجائر ومادة تستخدمها النساء لتبييض البشرة اسمها “شارلي” وأن المطلوب مني فقط هو السفر كل أسبوع إلى موريتانيا على حسابه الشخصي والعودة بحقائب محملة بهاتين المادتين 

طبعا رفضت بدون أدنى تردد وأبديت له بأدب جم أن الدراسة هي غايتي الرئيسية.

كاد صاحبنا يجن وأخذ يستميت بكل وسيلة ليقنعني بأن أدخل معه في تجارته.

تكلم لي عن الجميلات اللواتي سيرتمين على أقدامي عندما تمتلئ جيوبي من النقود وعن الاحترام الذي سألقاه من المجتمع والسيارات الفارهة التي سيركبني إياها في أقل من شهرين.

أبديت له عدم استعدادي للمخاطرة بسمعتي وسمعة الأسرة مقابل مال الدنيا.

ضحك بهستيرية وقال لي إن أكبر فضيحة هي الفقر، وأخذ يشرح لي أنه يسيطر تماما على الجمارك في مطار الدار البيضاء

مضت سنوات وسنوات وتم اعتقاله في المغرب إبان المرحلة الانتقالية من حكم الرئيس اعلي وعلمت بتدخل عدو الفساد والمفسدين في قضيته بعد رفض ولد محمد فال التوسط له، من ذلك اليوم تحولت حياة صاحبنا جذريا وتحول العمل الفردي إلى عمل منظم وتيسرت الأمور وحلت البركة وانتقل في تخصصه من تخريب اقتصاد المغرب إلى تخريب اقتصاد موريتانيا عبر تهريب العملات الصعبة، وسبق لي الاطلاع على ملف قضية دخلت أروقة القضاء بعد أن استولت إحدى مهرباته على مبالغ ضخمة كان يرسلها في طيات جسدها الحميمة إلى دبي.

المهرب اليوم أحد اعمدة الاقتصاد البلد يدير امبراطورية مالية عملاقة كما أصبح نائبا في البرلمان عن أحد الأحزاب التي أنشأها زعيم محاربة الفساد ومهمته الرئيسية هي صياغة قوانين الأمة ويمتلئ صالونه بأنواع البشر من سياسيين يرغبون في أخذ النصح والتوجيه وموظفين يقدمون آيات الولاء والخنوع وحاملي رسائل يريدون إيصالها لرئيس البلاد ورجال دين يتسمحون بأذياله ورجال أعمال يحاولون اقتناص بعض من فتات الصفقات التي يديرها.

ليس هذا سوى نموذج بسيط من امبراطورية المال الحرام التي استمات قائد محاربة الفساد في الدفاع عنها ومحاولة إقناعنا بنزاهتها وشرفها، هنالك من هم أسوأ بآلاف المرات، لصوص سابقون، عمال نوادي القمار، قوادون، مرابون.. 

اليوم أسائل نفسي كيف ستكون حياتي لو أنني قبلت عرض صاحبنا المهرب؟

الأرجح أن عرضه كان سيوصلني إلى أروقة البرلمان وربما كرسي الوزارة والأرجح أنني كنت سأظهر على شاشات التلفزة ألقي الدروس في مخاطر الفساد والمفسدين وأتفنن في سباب المعارضة الحاقدة وأتغنى بنزاهة وإنجازات وفصاحة وجمال بطل الأبطال محمد الحفار.نصيحتي لكل الطامحين للعمل الساسي والمهتمين بالشأن العام والساعين لخدمة البلاد والعباد، إياكم ورفض أي عرض بتهريب السجائر و”شارلي” .

شاهد أيضاً

جئتك يا كويت معزياً / محمد الأمين الفاضل

جئتك يا كويت معزيا، جئتك وقد عرفتك صاحبة المواقف الرائدة والمبدئية اتجاه فلسطين، والتي تعيش …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *