حسن الطالع! … / خالد الفاظل

ما فتئ الشعب الموريتاني يدخل الطقس في السياسة منذ انتعاش بورصة التملق أوائل التسعينيات. لاحظت أن البعض استدرج الغيوم والعواصف المطيرة وأقحمها في مواكب أحد المترشحين؛ أخشى أن نرى الثلوج تتساقط على جبل (أنكادي) بمدينة النعمة؛ والدببة القطبية فوق جبال لعيون تطارد حيوانات الراكون الداكنة ونرى طيور البطريك تمشي الهوينا بالقرب من سهول أفله وشمامة وصحارى أوكار في الساعة الواحدة زوالا وأزهار عباد الشمس تغطي كثبان تيرس وقطعان الغزلان البرية عند ضفاف النهر تركض رفقة طيور البجع والضباع وذلك من شدة ولع هذا الشعب بتفخيم الأشخاص وتلميعهم وربط الظواهر الطبيعية بتمدد ظلالهم المادية.
أعرف عجوزا من الغابرين كان تستشيط غضبا لما تتابع نشرات الأخبار على القنوات العربية ولا يذكرون بلادنا إلا في أخبار الطقس فتقول غاضبة: إنهم لا يذكروننا إلا في حركة الرياح أو لسنا دولة عربية!.
قبل أعوام غضب الموريتانيون من الصحفي هيكل حينما استصغر ديمقراطيتنا “متطيرا” بالجغرافيا؛ وسرعان ما بهتوا، عندما قفز عسكريان عليها في وضح النهار بحجة ترميمها وتقويم اعوجاجها الذي ازداد تشوها مع تدخلهم الأحادي دون التشاور مع ثلاثة مليون نسمة ونصف من المواطنين “العظام”؛ ومع نخبة الياورو وأعمدة الرخام التي تعمل بطاقة الرياح. لست أنسى طائفة عريضة من المواطنين المؤمنين لحد الثمالة ببعض “الخرافات” التي اختفى جلها مع انتشار أعمدة الإنارة وعادت مؤخرا مع الانقطاعات المتكررة للكهرباء؛ لقد توسم بعضهم خيرا في البقع الفارغة من الشعر في رأس محمد ولد عبد العزيز واصفين صلعته المحدودة بأنها من علامات حسن الطالع وصوتوا له على هذا الأساس دون تفحص عميق لتاريخه وبرنامجه الانتخابي؛ بعد عشرة أعوام ارتفعت أسعار سمك (ياي بوي) والسكر والزيت وانخفضت في مقابل ذلك أسعار المبادئ والعقارات وتميع النضال هنا حتى أصبح يقاس بالديسبيل وهي وحدة قياس الأصوات في الطبيعة. الآن؛ أمامنا صديقه غزواني وصلعته كاملة فماذا يقول يا ترى أصحاب قراءة الطالع؟ بعضهم يقول إن أناقة معاوية شبيهة كثيرا بأناقة ولد بوبكر ويخالون ذلك فألا حسنا؛ مع أننا في أعوام التسعينيات كنا نذهب للمدراس بسراويل مثقوبة المؤخرة ونمص السكر الذي نجده ذائبا في الإبريق المعد لصناعة الشاي وكنا نجلس على الأرض في فصول دراسية خالية من الطاولات.
بصراحة؛ لا أثق كثيرا في كلام هؤلاء القادمين من وراء برودة المكيفات الواضعين الساعات السوسيرية الراقية في معاصمهم؛ الذين لم يخبرونا من أين لهم هذا؟. كما أنني تفاجأت كثيرا من ازدحام المناضلين الأشاوس قبالة أبواب وعودهم دون تقديم حجج مقنعة للزمن؛ اللهم إذا كانت صلعة غزواني تختلف عن صلعة عزيز وأن قمصان بوبكر تختلف عن قمصان معاوية. لقد تركوا ولد مولود وحيدا في دوامة الصبر وذهبوا عنه لجمع غنائم السلطة مع أن الديمقراطية التي ناضلوا من أجلها لم تنتصر بعد ولم تقف على قدميها النحيفتين؛ غادروا دون أن يصحبوا معهم رموز بعض الأنظمة السابقة ممن فضلوا البقاء في المعارضة التقليدية وهو شيء عجاب.
التغيير العميق مازال بعيد المنال في هذه الأرض التي لا تتوقف فيها رياح المصالح عن الهبوب. كنت في صباح اليوم على وشك الانضمام لبيرام لأنه أقرب المترشحين لأكواخ الفقراء ومقابرهم؛ ونظرا لقوة خطابه وقدومه من الهامش حاملا في نبرته صوت الناي الحزين. لكنني عندما تذكرت جلوسه مزهوا في سيارته الأنيقة وبعض حراسه يركضون في محيطها في لقطة موغلة جدا في الارستقراطية أحجمت..
على كل حال لست متشائما بخصوص مستقبلكم؛ أعتقد أننا بدأنا نتسلق جبل الوعي رغم ارتفاعه الشاهق؛ يوما ما ستزدهر موريتانيا وتصبح المبادرات وازدحام الناس لمصافحة الرئيس والتصوير معه نكتة في هوامش كتب التاريخ يضحك منها أحفادنا قبل الترحم على أرواحنا.
نصيحة أخيرة لأنصار المترشحين؛ عليكم بمتابعة مواقع الانترنت التي تعرض صور حركة الغيوم على البلاد حتى تكون جولاتهم “مباركة” ومتزامنة مع سقوط المطر.
هنا نواكشوط(الحي الإداري). وتمنياتي للممتحنين غدا في الباكلوريا بالنجاح والتوفيق؛ وللستة المترشحين في الانتخابات لرئاسة موريتانيا بالاهتمام بقطاع التعليم لمن سيسكن منهم القصر الرمادي لخمس سنوات قادمة؛ خمس سنوات أرجو من كل قلبي أن تكون متتابعة.
الساعة 00:42 وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

شاهد أيضاً

المورابطون بنتزعون تعادل ثمين من أمام اسود الأطلص

حسم التعادل السلبي، مباراة  المنتخب الوطني، ونظيره المغربي في إطار أيام الفيفا.  المباراة التي احتضنها …