تقرير مفصل عن الأدوية المزورة في البلاد كيفية الإستراد والتوزيع وحجم الربوحات

تباع في موريتانيا سنويا عشرات الأطنان من الأدوية المزورة. ومعروف أن البلاد أصبحت إحدى أكبر

دول المنطقة المستوردة لهذه العلاجات المزورة الخطيرة بشكل جعل الأمر مقلقا على الصحة العمومية للناس.

الأدوية المزورة، حسب المهنيين، هي أدوية مغشوشة، أو مصنوعة بشكل سيء، أو غير مرخصة من قبل الهيئات الدولية المختصة، أو غير خاضعة لأي معيار علمي في خلطاتها وجرعاتها المكونة لتركيبتها. وفي أحسن الحالات فإن هذا النوع من الأدوية غير فعال، وفي أسوأ الحالات قد يؤدي، مع الوقت، إلى موت مستهلكه.

فوضوية القطاع الخاص

بعد خصخصة قطاع الصيدلة سنة 1981، تأخر فتح صيدلية خاصة إلى شهر أغشت 1984، وبعد فترة وجيزة عرف القطاع قفزة كمية فيما فشل في تحقيق أية قفزة نوعية. وفي سنة 2004 بدأت الفوضى تعم القطاع بشكل لا يصدق إثر إصدار الحكومة الموريتانية لقانون 2004 القاضي بأن لكل موريتاني الحق في فتح مستودع للأدوية أو صيدلية شريطة أن يسيرها صيدلاني. فبدأ المقاولون والتجار والأساتذة وحتى الضباط السامون يتلاعبون بالقانون المذكور موقعين عقودا كثيرا ما تكون مزورة مع صيدلانيين وهميين، وفي أحسن الأحوال مع صيدلانيين مشغولين بأعمال أخرى مقابل مبلغ محدد عن توقيعات “عقودهم”.

وهكذا تم اجتياح السوق الموريتانية بآلاف أطنان الأدوية المزورة وبسرعة فائقة، وأصبحت الصيدليات تشتري مخزونها من السوق السوداء خارج أية رقابة.

وحسب مصادر من إدارة الصيدلة والمختبرات بوزارة الصحة، فإن في موريتانيا اليوم أكثر من 700 صيدلية و29 موردا للبيع بالجملة لباقي الصيدليات، وأن هذا الرقم الخيالي يعتبر مقلقا جدا لأن هذا العدد، بالمقارنة مع دول المنطقة، كبير جدا ولا يناسب عدد السكان الذي يكاد لا يبلغ الـ 4 ملايين نسمة. ففي السينغال مثلا، التي يبلغ عدد سكانها الـ 14 مليون نسمة، لا يزيد الموردون الكبار على 6، وفي ساحل العاج البالغ عدد سكانها 19 مليون نسمة لا يزيد الموردون على الـ 5، وفي مالي حيث يعيش 14 مليون نسمة لا يزيد الموردون على 6. وقد أشارت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها أصدرته سنة 2011 أن “29 موردا صيدلانيا يعتبر رقما مبالغا فيه في موريتانيا البالغ عدد سكانها أكثر قليلا من 3 ملايين نسمة، فيما يعتبر معدل عدد الموردين في المجال الأوربي من 5 إلى 10 عن كل 50 مليون شخص”. ويقول نفس التقرير ان إدارة الصيدلة والمختبرات في موريتانيا تفتقر إلى المقرات والآليات المناسبة، كما تنقصها ميزانية معتبرة للقيام بمهمتها، وأن موظفيها يحتاجون لإعادة التكوين.

ويقول تقرير للمنظمة العالمية للجمارك صدر سنة 2012 ان 10 مليارات من الأدوية المزورة تدخل إفريقيا كل سنة، وأن قيمتها سنويا تبلغ 5 مليار دولار. وذكرت المنظمة أنها صادرت في أواخر السنة 2012 ما يناهز 550 مليون دواء مزور في 23 ميناء إفريقيا من ضمنها 9 موانئ في غرب إفريقيا.

هذه الأدوية المزورة تأتي أساسا من الصين والهند وتتجه أساسا إلى إفريقيا جاعلة من موريتانيا قبلتها الأولى.

وقال أحد الدكاترة العاملين في المستشفى الوطني ان طريق الدواء المزور معقد، فهو يغادر من الصين أو الهند أو الباكستان، ليصل نيجيريا، ويمر بالبنين وغانا وساحل العاج، ثم غينيا كوناكري، ومن ثم السينغال قبل أن يصل موريتانيا. وعندما شددت السينغال رقابتها على هذا “الترانزيت” الخطير، رسم المهربون طريقا آخر يمر من غينيا كوناكري إلى مالي قبل أن يحط الرحال في موريتانيا.

يذكر أن آخر مصادرة جادة للأدوية المزورة ترجع لسنة 2007 عندما أعلنت وزارة الصحة الموريتانية، في بيان رسمي، أنها أتلفت 36 قنينة وحاوية وكيس دواء مغشوش أو منتهي الصلاحية وغير قابل للاستعمال، وأن ذلك يدخل ضمن حملة تستهدف قطاع الصيدلة، مؤكدة أن الأدوية المصادرة قادمة أساسا من الصين وسوريا ونيجيريا وهونغ كونغ.

 النوعيات المزوّرة

كثير من الأدوية التي تباع في موريتانيا مزورة خاصة المضادات الحيوية، ومضادات الملاريا، والمسكنات (آنتالجيك) وعلى وجه الخصوص أنواع الباراسيتامول، وبعض الدهانات كقشريات درموكورتيكوييد، والمنشطات المثيرة للجنس كالفياغرا. إلا أن أحد كبار الأطباء قال بأن جميع أنواع الأدوية أصبحت الآن معنية بالتزوير.

من المسؤول؟ وما الأرباح؟

تعود المسؤولية في انتشار الأدوية المزورة في موريتانيا إلى ضعف إرادة الدولة في القضاء على الظاهرة، وتمالؤ المختبر الوطني المكلف برقابة جودة الأدوية التابع لوزارة الصحة والذي يعمل بالتعاون مع إدارة الصيدلة والمختبرات وإدارة الجمارك. إذن تعتبر المسؤولية مشتركة بين عدة جهات.

ويقول المختصون ان تجار الأدوية المزورة يربحون أكثر من مليار أوقية سنويا، وتتحدث مصادر إدارة الصيدلة عن أكثر من 60 طن من الأدوية المزورة التي تباع في موريتانيا شهريا. وحسب مصادر تجار الأدوية فإن من بين الـ 100 ألف طن المخزنة سنويا في البلاد يوجد أكثر من 80 ألف طن مزور.

التسيب الجلي

وتتذرع وزارة الصحة الموريتانية بأن قانون 2010 قضى على الفوضوية التي أحدثها قانون 2004 ، وأنه فرض فتح الصيدليات من قبل الصيادلة وحدهم، وأنه فرض مسافة 200 متر بين كل صيدليتين، فيما يرى نقابيو الصحة أن الترخيصات أصبحت تمنح لكل شخص، مهما كان، وأن الأمر لم يعد يتعلق بقطاع الصيدلة بقدر ما يتعلق بقطاع التجارة العامة كالخردوات.

وأكد النقابيون أن الوزارة لا تقوم بأي نوع من المراقبة، وأن الدولة تعتقل المزورين ثم تخلي سبيلهم بضغط من الموردين، وبالتالي فإن الإرادة السياسية غائبة تماما وبالتالي فالدولة الموريتانية لا تهتم بصحة المواطنين، بل تسعى لمجاملة الموردين وتجار الأدوية على حساب أرواح مواطنيها.

ومن جهة أخرى، يقول أحد الأطباء، مفضلا عدم ذكر اسمه، ان أصحاب الصيدليات لا يمنحون المرضى الأدوية المكتوبة لهم في وصفاتهم، وإنما يقترحون عليهم أدوية مشابهة وأقل سعرا على اعتبار أن لها نفس المفعول، والحقيقة أنها أدوية مزورة لا تعطي أية نتيجة إن لم تكن قاتلة.

 المختبر الوطني للرقابة والعجز البنيوي

انشئ المختبر الوطني لرقابة جودة الأدوية شهر ابريل سنة 2009 وأوكلت إليه مهمة رقابة الجودة والمعايير الصحية والعلمية في الأدوية المستوردة لأن موريتانيا ليست بلدا مصدرا للأدوية. وفي بداية انطلاقه عمل المختبر بالتعاون مع الشبكة الفرنسية الإفريقية لرقابة الأدوية التي تضم 12 بلدا.

ومنذ إنشائه حتى سنة 2013 لم يفتش هذا المختبر غير 439 قطعة أدوية، وكان كلما طالب بسحب بعض الأدوية بسبب عدم التزامها بالمعايير المطلوبة جوبه برفض الموردين تنفيذ طلبه، وعندما يحاول فرض قراره تأتيه عراقيل “فوقية” فيتوقف عن الإلحاح.

ويقول أحد خبراء المختبر الوطني لرقابة جودة الأدوية ان تكلفة تفتيش دواء ما أو تفكيك مكوناته لمعرفة ما إذا كان مزورا تفوق كثيرا سعر إنتاجه، وأنه بالتالي يتطلب وسائل كبيرة جدا وغير متاحة للمختبر الموريتاني. ويقول أحد المختصين ان الدواء عندما يدخل موريتانيا بصفة قانونية (أي عن طريق الموانئ) تــُـبعث عينات منه إلى المختبر الوطني، إلا أن تفكيكها ودراستها يأخذان وقتا طويلا، مما يجعل الموردين يتصلون بالسلطات قائلين بأن على الجمارك أن تعطيهم الإذن في إخراج أدويتهم لأن عامل الوقت حساس؛ فالأدوية تفسد بسرعة هائلة، وحالة المرضى أيضا تتطلب الإسراع في تغذية السوق بالدواء، فتأتي الأوامر “من فوق” بأن على الأدوية أن تدخل السوق عاجلا. ويقول هذا المتخصص ان الموردين محقون من جهة، لأن المختبر لا يملك الوسائل اللازمة للنظر في العينات في الوقت المطلوب، وبالتالي يجب ترخيص دخول الأدوية قبل إجراء الفحص المخبري بسبب عامل الوقت وحاجة المرضى، وإن كان ذلك طبعا على حساب الجودة.

شاهد أيضاً

التحضير لزيارة الرئيس غزواني إلى مدينة انواذيبو

التحضير لزيارة الرئيس غزواني إلى مدينة انواذيبو