أولاد أمبارك ومحاولات الحذف من الذاكرة الشيخ ابراهيم بن آگيه

 

لن نتناول في هذه الاطلالة تاريخ اولاد امبارك في عهد السلطنة اوالدولة او عهد الامارة والمشيخات بشكل سردي يطلع المتلقي علي تفاصيل الاحداث ومشاركاتهم في الحروب والمعارك وبطولاتهم الملحمية وسيطرتهم ونظامهم السياسي والاجتماعي ومساهماتهم الثقافية لان ذلك امر معهود سماعه لدي الناس الفوه شعرا ونثرا وتلقوه ابداعا وفنا وحدثتهم به كتب الحوليات والتاريخ وقصص الفن وحكايات الجدات ونطقت به الجغرافيا وتسمياتها وتحدث عنه الرحالة الاربيون بل سنركز علي ذكرهم في بعض المصادر التاريخية ومحاولات تغييبهم وتجاهلهم ثم نبين خطورة هذا المسعي علي تاريخ الوطن وهويته الثقافية
يظن البعض أن محاولات حذف تراث ومجد اولاد امبارك ومساهماتهم السياسية والثقافية قضية جديدة جاءت مع مسألة المعهد التربوي وتجديده لمحتويات الكتب المدرسية إن الامر ابعد من ذلك وهو في حقيقته يشكل توجه مدرسةلها نظرة خاصة في كتابة التاريخ الوطني تتعامل معه انطلاقا من عدة اعتبارات تكرس النظرة النمطية في الكتابة فتارة تتبني البعد الجهوي شرق غرب شمال وتارة تتبني البعد الاديولوجي التقليدي زوايا عرب مظافرة او الصنهجة والعروبة وتارة تتبني البعد الديني الاسلام ضد الوثنية او الطريقة الصوفية كذا ضد الطريقة الصوفية كذا او المدرسة العقدية الكلاميةالأشعرية ضد المدرسة السلفية أو الفقهاء ضد المتصوفة وبالتالي فكل من تبني فكر هذه المدرسة او كان له غايات تستدعي اضعافا لهذا الوطن وتفريقا لكلمته وتشتيتا لمواقف مجتمعاته واعراقه واثنياته وجهاته يتبني هذا الخطاب وهذا التوجه الذي يشوه تاريخنا ويسهل تمرير مشاريع السيطرة وقمع التوجه الوطني الرامي الي بناء وطن غير مرتهن لاجندات خارجية استعمارية او إقليمية تاطرها اطماع دول الجوار
إن ترسيخ فكرة مفادها أن هذا الوطن لم تقم فيه سلطة ولا سلطان ولم تكن فيه الغلبة لاحد يوما من الايام وانه خلو من تاريخ الانجازات المهمة في اطار الوحدة وبناء الاوطان
هو خطاب جاء به المستعمر حين اراد إنهاء التجارب المحلية الساعية لتوحيد البلاد تحت سلطان جامع وظل هذا الخطاب صالح لكل من سولت له نفسه نسف ماكان قبله ليعتبر نفسه نقطة البدإ والمنتهي واليه يرجع كل شيئ في هذه الارض التي من السهل علي اهلها نسيان ماكان لصالح ماهو آن وحاضر ولكن تأبي ذاكرة التاريخ في هذه الصحراء الجرداء ان تنسي بطولات قوم سطروها بأروع مايكون شجاعة وشهامة وعدلا وترفعا عن سفاسف الامور واعطو كل ذي حق حقه اقاموا الصلوات وآتو الزكوات وحجوا البيت واعتمروه ورفعوا راية الاسلام عالية واحترمو اهل العلم وقدروهم ووفروا الامن في مناكب ارضهم ومجالهم الجغرافي ولبو نداء كل مستغيث ولم يفرقوا في ذلك بين ذي قرابة بدم او ذوي جيرة أو اخوة في الاسلام بنو دولتهم علي أساس التنوع الحاصل في المنطقة فاعترفوا بالتعدد الثقافي والعرقي والديني والطائفي والفكري واشركوا الجميع في التسيير وفي مناصب دولتهم والادلة علي ذلك كثيرة ففي عهدهم توزر بيدالي وجدو ولد سنبور وكانت كلمتهم مسموعة وكان للعلماء والاولياء مكانتهم واحترامهم الخاص وانزل الشعراء والفنانون منزلة تليق بهم وشجع ابداعهم وكذلك الصناع قدرت مهاراتهم واكرموا وانزلوا مكانا يليق بابداعهم وسمح السلاطين بتعايش كل الطرق والتيارات ولم يتم التضييق علي احد في ذلك وشجع الابداع ونظمت التجارة وامنت طرقها ومسالكها ووفر المناخ الكافي لحفظ اموال الناس وتامينهم وتامين ممتلكاتهم وبعثوا برسالة سلام بين الشعوب وقدموا درسا في التعاش بين ساكنة الصحراء وساكنة الغابات في إفريقيا ماوراء الصحراء واتاحوا بذلك فرصة للتعايش وتمدد الاسلام داخل القارة السمراء بعد ان كانت تلك الادغال زمانا وحقبا قبلهم عصية علي تمدد هذا الدين بفعل عدم الثقة وعدم التعايش الحاصل علي الارض بين القادمين من الشمال والقاطنين في الجنوب

كل هذا الانجاز تم تحت سلطة تقدم لنا المصادر المحايدة انها كانت تتمتع بالمعني الكامل للدولة ورموزها فبالرجوع الي حقبة كبير السلاطين اعل الاول او اعل بسروال كمايلقبه البعض “سلطان بنعوم” كما احب ان اسميه نجد الرحالة الانگليزي مونگو ابارك يتحدث عن هذا السلطان وخصاله وقوة دولته وصولته تحدث عنها من مناحي عدة ورغم التحفظ علي تفسيرات قدمها لبعض الامور فان الجانب المتعلق بمشاهداته الميدانية يظل دقيقا ويعطي ادق معلومات عن هذه السلطنة يقول واصفا مقام السلطان بان له خيمة كبيرة تكبر حجما جميع خيام الحي يعقد بها مجلس السلطان الذي يجلس علي اريكة او قال وسادة مغربية كبيرة تجعله متميزا عن باقي من يجلسون في مقام الحكم ثم يضيف بأن السلطان كان بامكانه ان يجهز جيشا من النخبة الخيالة المتقنين لفن القتال والمناورة بفعل حركاتهم البهلوانية علي الخيول وفروسيتهم العالية وسرعتهم ودقة تصويبهم وان تلك النخبة من المسلحين تبلغ حدود 2000 فارس لكل منها بندقية ووعاء بارود مما يفهم منه انها نخبة جيشه او مايمكن ان نصفه بقوةالصفوة او الفرقة الخاصة في جيش السلطنة والمشيخات الاخري كما اشار الي مصدر الذخيرة قائلا ان صانع البارود يوجد في قرية قريبة من مخيم السلطان وذكره بالاسم مشيرا الي معلومة مهمة توضح سر قوة القوم وتفوقهم في تلك الحقبة سياسيا وعسكريا حيث اشار الي ان ذلك البارود المصنوع محليا والذي يوفر اولاد امبارك لصانعه جميع مواد تركبته يماثل في القوة بارود أوربا في تلك الفترة فتامل
في وصف آخر يقدمه الرحالة مونگو ابارك لسلطان بنعوم نتبين انه كان قائدا لديه حس امني كبير ويفهم امور الحكم وتحدياته فقد ذكر ان له خيولا ثلاثة مسرجة طول الوقت تاهبا لاي طارئ وانه يموه في إطار اماكن تواجده كزعيم سياسي فغالبا يبيت في خباء مبني في طرف الحي تحسبا لاي استهداف قد يستهدف تصفيته كزعيم وسلطان دولة لها اعداء كثر كما انه علي اطلاع بما يجري داخل حدود دولته وكلما يحدث علي مشارفها وخير دليل علي ذلك استشعاره لخطورة المهمة الغير معلنة للرحالة مونگو ابارك نفسه وتكليف رجال مهمات خاصة بالبحث عنه واسره واستجوابه كما انه يفهم في تعقيدات الصراع بين الممالك التابعة له وتلك المجاورة ورفضه التدخل بشكل مباشر في صراعاتها وكذلك صور الرحالة الانگليزي اشرافه بنفسه علي المحاكمات وفض النزاعات والخصومات في مجلس الحكم وبحضور قاضي السلطنة
البعد الآخر في الوصف هو كونه محافظا علي الصلوات بطهارتها المفروضة في المسجد الذي خصص له مكان تحت شجرة في طرف الحي والصيام في رمضان رغم موجة الحر الكبيرة وكذلك حسن الهيئة والسمت فلحيته بيضاء كثيفة حسب وصف الرحالة له وهذا مايلغي تلك الصورة النمطية التي يتبناها البعض ويروج لها بان قادة القوم كانوافساقا همجيين لا اخلاق ولا دين وهي صورة بعيدة من الواقع ومما نطقت به المصادر المحايدة التي وصفتهم بالعلم والحلم والعدل والأنفة والعطف علي المظلوم والاخذ علي يد الظالم
البعض يظن ان تاثيرهم وحضورهم الثقافي محصور في الفن والمسيقي ولكن الجاهل بتفاصيل التركبة الداخلية لمجتمعهم هو من يقول بذلك ففي الامارة محاظر وعلماء مكنوا لمنهج المحظرة التربوي ومهدوا للتصوف الطرقي ونشروا اسانيد القرآن وعلومه والفقه ومتونه وصنعوا بادية عالمة هي اليوم موضوع فخر وتفاخر لدي كل ساكنة الصحراء

والاجمل في تاريخهم انهم خلفوا مجتمعا ليس فيه اعوجاج ولا مركب نقص يعترف بالجميع ويحترم الجميع ويعرف انه في الماضي رغم دوره المحوري كان مشاركا فقط فليس كل شيئ يرجع له وحده وإن كان له الفضل في التاسيس لبعض الخصوصيات السياسية والاجتماعية والثقافية واثراء وتطوير بعضها كما انه مجتمع يقبل التعايش ويالف التنوع ويمقت العنصرية والتعصب
ولا اود ان اطيل في الامر ولذلك ساختم بتسجيل الملاحظات التالية :
1- أن الحذف الذي قيم به لتراث هذه السلطنة من المقررات المدرسية لايمكن ان يكون استهدافا من السلطات العليا في البلد لجزء من تراث بلدها وماضي شعبها والامر باختصار يتعلق بشخص او اشخاص استغلوا عدم خبرة ومعرفة بتفاصيل وتاريخ الوطن من قبل اللجنة المشرفة علي المناهج فغالطوها ومرروا بعض آرائهم الشخصية لفهم التاريخ فحذفوا واضافوا دون تقيد بالمعايير العلمية والتربوية ودون حس بالمسؤولية والوطنية

2- أن تنديدنا بالأمر لايتعلق بالتعصب لجهة او مناصرة لدم او قرابة او اثارة لنعرات بل هو خوفا علي مصير وطن بات مهددا في هويته وهووقوف في وجه العبث بتاريخ هذا الوطن وامجاده ومساهماته فالتنازل عن حضور اولاد امبارك يعني التنازل عن امتلاك الاحقية في الكثير من خصوصيات الهوية التي نشترك مع غيرنا فيها وبالتالي يفسح ذلك المجال للغير في تبني هذا التراث وهذه الثقافة كهوية خاصة به ونصبح نحن بحكم التابع له ثقافيا وحضاريا
3- ان مسؤولية الدولة وخاصة الوزارة المعنية وزارة التهذيب وبالتحديد مصالحها المختصة بأمور المناهج مطالبة باعادة الاعتبار لهذه السلطنة وتاريخها وذلك باعادتها للمناهج بشكل يليق باسهاماتها وحضورها في الاذهان وفي ذاكرة التاريخ ولن يكون ذلك الا بتحديد المسؤول عن هذا الحذف ومحاسبته وعزله من مهامه لانه لم يحترم المنهج ولا المعايير العلمية وخان الامانة في ماخول له من صلاحيات تستدعي قدرا كبيرا من المسؤولية والشعور بالوطنية والانتماء لكل مايمثل هذا الوطن كوطن جامع بعيدا عن التعصب للولاءات الضيقة جهوية كانت او عرقية او فكرية

4- ان علي المنددين بهذا الحذف ان يحترموا الخطاب الجامع ويتحاشو توجيه الكلام الجارح لاي كان وعليهم ان يتجنبوا التقليل من شان اي حقبة واي كيان اميري آخر او اي شخصية لها حضور في تاريخ المنطقة او لها بعد رمزي عند اي مكونة من مكونات هذا الوطن لان ذلك لايخدم توجه بناء الوطن الجامع ولانهم اصحاب حق في مسعاهم وصاحب الحق لايجب أن يسلك في دفاعه مسلكا فيه ظلم اوتجني علي أي كان

5- أن علي الجميع أن يعرف ان تاريخ أولاد امبارك تاريخ يمثل الجميع فايام سلطانهم كانت اياما جامعة لكل الطيف الاجتماعي والسياسي ولكل التيارات والثقافات ولكل الشرائح في منطقة الساحل ولعل ذلك ماجعلهم عرضة للتفكك حيث استغل اعداؤهم تنوعهم العرقي والثقافي والديني (الطرقي) لضربهم من الداخل واضعافهم قبل الهجوم عليهم واسقاط ملكهم

اختم بالقول انني علي ثقة بان هذا الخلل المنهجي سيعالج كما عولج غيره وبلاشك سينال حظه من المراجعة في ظل المراجعات الشاملة التي سيحظي بها نظامنا التربوي وبقية الاختلالات التي تعهدت القيادة الجديدة للبلاد بتسويتها ومعالجتها في مختلف المجالات لاننا في مرحلة من مسار بناء وطننا لا تسمح بالتغاضي عن مثل هذه الاختلالات الجوهرية التي تستهدف مستقبل الاجيال في الاحساس بالانتماء للأمة والوطن واي توجه اصلاحي للمنظومة التربوية يجب ان يحرص علي ضرورة ترسيخ الايمان لدي اجيال المستقبل بأن هذا الوطن بذل فيه جهد في الماضي يجعل الحاضر والمستقبل لايمكن الرهان عليهم الا من خلال احترام وتقديس رموز الماضي وتضحيات الاسلاف
وعموما فتاريخ أولاد امبارك ليس استثناء في هذا التوجه القاضي بالقدح في الرموز الثقافية وركائز الهوية فالبعض يشكك في المقاومة وتاريخها ورموزها والبعض يشكك ويطعن في انساب المجموعات واصولها وكل ذلك بهدف اضعاف الرموز واستهداف الهوية الجامعة لهذا الشعب وخلق ازمات هوية تفرقه وتقف دون إحساسه بالانتماء لماضي وحاضر مشترك يؤسسان لمستقبل زاهر وواعد ولكن التضامن والتكاتف وتصحيح الاخطاء كفيل بان يخيب مسعي المخربين والمشوشين علي مسار وحدة هذا البلد وتقدمه وتمسكه بهويته وتاريخه

شاهد أيضاً

جريمة قتل جديدة والضحية شاب في مقتبل العمر

توفي مساء امس في قرية بوگي، الشاب فاضل ولد يرگ (الصورة)، متأثرا بجراحه، بعدما تلقى …