أطلقوا الدخان في جحر الضب ليخرج منه / سيدي علي بلعمش

sidi-ali-483x250

بعد كتاب “من الدكتاتورية إلى الديمقراطية” ـ الذي يقول “جين شارب” (Gene Sharp) أنه استمد أفكاره من متابعة متعمقة لحركة مهاتما غاندي و هنري ديفيد ثورو (بقدر أقل) ـ من أهم الأعمال السياسية الحديثة ذات التأثير البالغ، لارتباطه بالعمل “الثوري” و اعتماده كمرجع للتغيير ـ في نظرية الحراك السلمي ـ بتطور استخدامه للأسلحة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية و التنظيمية للمواطنين و مؤسسات المجتمع في ديناميكية تعتمد أسلوب الإقناع في تنظيم الاحتجاجات و الإضرابات و الاعتصامات و اللا تعاون و سحب الولاء و إنكار شرعية الحكام الديكتاتوريين وعدم التعاون مع أنظمتهم و تكريس مفهوم سلطة الشعب. و من أهم الأفكار التي يطرحها “جين شارب” في مقدمة كتابه، اعتباره أن السلطة ليست أحادية ثابتة، أي أنها ليست أمراً لا يمكن انتزاعه من أصحاب السلطة، ولكنه يرى أن السلطة السياسية، أي سلطة الدولة، بغض النظر عن طبيعة تنظيمها، هي نابعة في المقام الأول من المواطنين فيها. و يرى أن أي قاعدة للسلطة إنما هي قائمة على طاعة المواطنين لأوامر الحاكم أو الساسة، فإن امتنع المواطنون عن الطاعة، يفقد الحاكم سلطته. وتعطي مؤسسة “آلبرت إينشتاين” (الناشرة) و المؤلف (جين شارب) حقوق النشر والاقتباس والاستخدام لكافة شعوب العالم، فكان مصدر إلهام لعدة ثورات سلمية في العالم لدعوته استخدام أسلوب اللاعنف بطرق متطورة تحدد نقاط ضعف الأنظمة الدكتاتورية و أنجع الوسائل لمواجهتها و طرق تحريك الرأي العام و حتى تفاصيل ما يجب عمله في كل نقلة من مراحل الصراع بين الثوار و أجهزة قمع الأنظمة. و ما زال الكثير من أسرار “الربيع العربي” غامضا لا سيما في جانبي التمويل و التعبئة، لكن المؤكد أن الإخوان المسلمين في مصر شكلوا لهذا الكتاب لجنة من الأخصائيين (في ثورتهم التي أطاحت بنظام حسني مبارك)، كانت تحدد ما يجب عمله بالضبط في كل مرحلة، انطلاقا من تعليمات جين شارب في هذا الكتاب و تم توزيعه على الشباب التونسي و اليمني و تم توزيعه في سوريا مدعوما بدورات تدريبية مكثفة حول فنيات تطبيق تعاليمه. إن توفير الدعم الدولي (الأمريكي و الأوروبي) لكل الثورات التي تمت على أساس توجيهات هذا الكتيب، تجعلنا أمام تساؤلات أخرى، تحول الأستاذ جين شارب إلى شخص غامض مثير للشك و الريبة و كتابه إلى لغز حقيقي، يجب الوقوف عند نتائج الثورات التي تغذت على أفكاره أكثر من الوقوف عند ما جاء بين سطوره من أشياء معروفة حد البديهية، ما كان لها أن تأتي بمثل هذه النتائج السحرية من دون الدعم السياسي و العسكري الأمريكي و الأوروبي لهذه الثورات الغامضة التي صبت جميعها ـ من أتشيكوسلوفاكيا و الاتحاد السوفييتي إلى “الربيع العربي” ـ في مصلحة أمريكا و أوروبا سياسيا و اقتصاديا و عسكريا، لكنها أمور ـ على أهميتها ـ لا تنقص من قيمة هذا الكتاب المشبع بالميكانيسمات العملية لاقتلاع أي دكتاتورية بأسهل الطرق و أكثرها ضمانا و أقلها تكلفة .. و “الربيع العربي” ما زال مستمرا عكس ما يعتقده البعض؛ مستمر في البحرين، مستمر في موريتانيا و مستمر أكثر في بقية الدول العربية التي يعتقد بعضها أنه في مأمن من التغيير. لكن الثورة تبقى انزلاقة لا أحد يعرف متى تحدث ومهمة المعارضة تظل تقتصر على العمل على خلق ظروف تلك الانزلاقة و الاستعداد ـ حين تحدث ـ لكبح فرامل الفوضى حتى لا ترمي بالبلاد في دوامة عنف بلا نهاية و هي مهمة أصعب من إسقاط النظام.. و ما زال “الربيع” مستمرا في إفريقيا و آسيا و أوروبا و الأمريكتين حتى تزاح كل الأنظمة الظلامية؛ فقد تغير الزمن و من لا يصدق تلك الحقيقة سيكون عليه أن ينتظر حتى تأتي لحظة تغييره : قبل أيام فقط، كان بليز كامباوري و هو أذكى بكثير من ولد عبد العزيز، يعتقد أن كل شيء في قبضة يده ليفرض ما يشاء على شعب، اعتقد أنه استسلم للخضوع لآلة قهره.. و بعد أيام أخرى سترون غيره يرحل بنفس الطريقة و الأمر لا يرتبط بقوة المعارضة أو ضعفها كما يردد الكثيرون و إنما يعتمد على لحظة انفلات تصنعها الأحكام الطغيانية نفسها مثل قرار تغيير الدستور البوركينابي و صفعة البوعزيزي، و الحوادث يسببها ارتطام بجبل تماما مثل ما يسببها انزلاق بسيط على قشرة موز . الدكتاتوريات كفيلة بطبعها بصناعة أسباب الثورة و عمل “المعارضة” (أي كل القوى الحية) هو القبض على اللحظة : قمع تظاهرة عمالية، قمع مسيرة، إصدار أحكام ظالمة، زيادة أسعار، التنازل عن قرار سيادي … إلى كل المصرين على إسقاط عصابة ولد عبد العزيز و إنقاذ ما تبقى من موريتانيا، أهدي هذا الكتاب، تزامنا مع صدور تقرير اللجنة المكلفة بخطة تنشيط المنتدى الوطني للديمقراطية و الوحدة، مع تمنياتي للشعب الموريتاني بالخروج من هذا المأزق الذي وضعتنا فيه نخبنا السياسية والدينية المرتزقة التي ظلت سندا لكل دكتاتور و مدافعا عن كل انحراف..

شاهد أيضاً

التحضير لزيارة الرئيس غزواني إلى مدينة انواذيبو

التحضير لزيارة الرئيس غزواني إلى مدينة انواذيبو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *