على المعارضة مراجعة المسار/ بقلم: محمد فال ولد بلال

6-43-c8ae1

 أحد أسباب تعثّر المعارضة في بلادنا ناتِجُُ – حسب رأيي المتواضع – عن اهتمامها الحصْرِي بالسياسة، و السلطة، و الحكامة، و الديمقراطية، و ما إلى ذلك…و عدم اكْتِراثِهَا بِمُعاناة الشعب، و ظروفه المعيشيّة الصّعْبة ونضاله الدّائم لتحسينها و تغييرها إلى الأفْضَل. و هذا غلط فادِح، لأنّ الحركات الشعبية الكُبرى لا تتفجّر- في الغالب – إلاّ و مِنْ خلْفِها مُسبّبات اقتصاديّة و مَعيشِيّة تَدْفع الجماهير لتَخْرُج و تتظاهَر و تَعْتَصِم و تُكافِح… بمَعْنَى أنَّ هناك ارتباطا علميّا مُثَبّتا بين التحَوُّلات السياسية العظيمة و سوء الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية. و كلّ التجارِب القديمة و الحديثة تُشيرُ إلى ذلك

في تونس مثلا، مهْد الثورات العربية الحديثة، ذلك الشابّ – البوعْزيزي – الذي أحرق نفسَهُ : هل أحْرقَ نفْسَهُ لأجْلِ الديمقراطية؟

هل أحْرَقَ نفْسَهُ للدفاعِ عن حريّة ؟ أم حرَقَ نفْسَهُ دِفاعا عن دسْتور؟ لا!لا! أحْرَقُ نفْسَهُ احْتِجاجا على منْعِهِ من كسْبِ قوتِ يوْمِهِ، و دِفاعا عنْ كرامَتِهِ ،،، ليْسَ إلاَّ !!!

و في مصر، فإنّ مطالب 6 ابْريل في بداية الانتفاضة كانت شعْبَوِيَّّة و مَطْلبِيّة بامْتِيّاز، منشور دعوة المشاركة في يوم الغضب [ 25/1/11 ] عدّد نقاطا اعتبرها دافعا للمشاركة في التظاهر و الاعتصام،،،و كلّها تدورُ في فلك حاجيّات المواطنين، حيْثُ خاطبَ المواطن المصري، قائلا لهُ :

 هل طُرِدْتَ من عملك؟ – هل تُريد تعليما أفضل لابْنِك؟ – هل أسعار المواد الغذائية مُرتفعة عليك؟ – هل تعتقِد أنّكَ لسْت قادرا على تجهيز ابنتك للزواج؟ – هل أنهى أخوك دراسته للتّوْ، و لا يجِدْ عملا؟ ,,,,,,, إذا اخْرُجْ للشّارِع !!! لأجْلِ هذا خرج المصريّونَ بالملايينْ، آملينَ في حيــــــــــــــــــــــــــاة أفْضـــــــــــــــــــــــلْ، و لأجله ردّدوا، و هتفوا بمطالبهم المعيشيّة…غيْر أنّ مسارَ الأحداث خلق، شيئا فشيئا، صورة ذهنية لدى الحشود رَبَطتْ ما بَيْنَ رحيل مُبارك و تحسُّن الأوضاعْ الاقتصادية و المعيشية…و نتيجة لذلك، ارْتفع سَقْفُ المطالِب من المعيشي إلى السّياسي.

أمّا عندنا هنا، فالحالة معكوسة تماما…نضع “السياسة” في المقام الأوّل، و لا نعبأ كثيرا بالمطالب المباشرة للشعب… و لذلك، تجِدُ المعارضة في واد… و الجماهير الشعبية في واد آخر. المعارضة تطلب الديمقراطية و تداول السلطة…و الشعب يطالب بتحْسين ظروفه المعيشية : عمال الجُرْناليه” في ازويرات و انواذيبو،،، و عمّال م.س.م. في اكجوجت،،، و عُمّال تازيازت،،، و الحمّالون في الميناء،،، و كوّاس حامل شهادة،،، و الأساتذة و المعلّمون،،،و سكّان أحياء التّرحيل،،،و المشاكل العقارية في الضفّة، إلخ…الاحتجاجات في كلّ زمان، و اللافتات مرفوعة في كلّ مكان…و لكنّ الرّبْطَ بيْن مصالح الشعب اليوميّة، و مطامحِ النخبة السياسية مفقود.

لهذه الأسباب، أقْتَرِحُ مراجعة المسار و تصويب بَوْصَلَتِهِ حتّى تكون المطالب الشّعبية في المدن، و الأرياف، و القُرى، و المدارس، و المصانع، إلخ… هي الدّافع االمُباشِر و المحرّك الرّئيسي للساحة الوطنيّة، مع مواصلة الجهود السياسية لإنهاء الحكم العسكري و إرساء نظام مدني ديمقراطي. و في هذا السياق، و مؤازرة للحراك الشعبي في العاصمة و الدّاخل، لماذا لا يتمُّ استخدام كلّ الطرق السلمية و الديمقراطية التي يكفلها الدستور للتعبير و الاحتجاج، بما فيها حقّ الشعب في الاعتصام السلمي في ساحاته العمومية،،، و الاستعداد للدّفاع عن ذلك الحق الذي أهدرته أحزابُ المعارضة طوال السّنين الماضية، و تخلّتْ عنْهُ لأسباب …. الله أعْلمُ بهــــــــا؟

 

شاهد أيضاً

حين تلتقي الإرادة الصادقة مع العمل الجاد… تتحول الصحراء إلى واحة عطاء

على رمال بومديد الممتدة، ينهض صرحان متكاملان ليكتبا فصلًا جديدًا من الخدمة والتنمية. فعلى مساحة …