
ليست كل الكلمات كافية لوصف رجل بحجم الراحل الداه ولد الشيخ، ولن تستطيع المفردات أن تحيط بعظيم شمائله. فنحن أمام شخصية وطنية استثنائية، اجتمعت فيها القيم النبيلة، والنزاهة المطلقة، والخبرة الإدارية الواسعة، ليترك بصمة خالدة في تاريخ الدولة الموريتانية.
بعد تخرجه من فرنسا، وهو أحد نجباء مدرسة أبناء الشيوخ بتمبدغة، بدأ مسيرته المهنية من موظف بسيط في وزارة الداخلية، ليترقى بجدارة إلى مناصب عليا، حيث شغل مهام حاكم، ثم والي لعدة ولايات، ثم أمينًا عامًا لعدة وزارات، وصولًا إلى تقلد مسؤوليات وزارية في مختلف الحقائب السيادية. لم يقتصر عطاؤه على الإدارة فحسب، بل تولى أيضًا إدارة عدة مؤسسات وطنية، واضعًا بصمته في كل مجال خدم فيه.
دخل الداه ولد الشيخ عالم السياسة من أوسع أبوابه، فكان أول عمدة للعاصمة نواكشوط، حيث حظي بإجماع الجميع، ثم انتُخب شيخًا لمقاطعة عرفات، فحمل هموم الناس بصدق ونزاهة نادرة. ومع كل هذه المسؤوليات، ظل وفيًا لمبادئه، عاملًا بإخلاص لخدمة وطنه، حتى غدا رمزًا للشفافية ونظافة اليد.
عند استعراض مسيرة الرجل، قد يظن البعض أنه ترك وراءه ثروة ضخمة، أو امتلك عقارات في العواصم الأوروبية والخليجية، لكنه لم يملك حتى منزلًا في نواكشوط، المدينة التي كان يومًا عُمدتها. فقد عاش بسيطًا، ونذر حياته للوطن، وخرج منها كما دخل: نظيف اليد، عفيف النفس، مشرف السيرة.
لم يكن الداه ولد الشيخ مجرد إداري محنك أو سياسي ناجح، بل كان إنسانًا نادرًا، يحمل قلبًا طيبًا وروحًا معطاءة. عرفه زملاؤه نموذجًا للتواضع، والتفاني، والحرص على خدمة الجميع دون تمييز. أما أسرته ومحيطه الاجتماعي، فكان بالنسبة لهم رجلًا جسّد معاني الخير والكرم، تربيةً وسلوكًا، حتى صار اسمه مرادفًا للوفاء والنبل والتقوى.
برحيله، فقدت البلاد أحد أبنائها البررة، ممن قدموا الكثير دون رياء أو مكابرة. وسيبقى اسمه خالدًا في ذاكرة الوطن، كرمز للصدق والنزاهة والتفاني.
رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
محمد غالي ولد سيدي عثمان