
وُلد المجاهد بناهي ولد سيدي ولد محمد الراظي ولد لمرابط سيدي محمود في حدود منتصف القرن التاسع عشر لأمه فاطم منت أحمد سالم ولد السالك ولد الإمام، ونشأ في بيئة عُرفت بالخصال الحميدة، وهي مجتمع أهل سيدي محمود. كان من القلائل الذين منحهم الله شمائل عظيمة وقدرات فريدة، سخّرها في سبيل الدفاع عن كل شبر من هذا الوطن الغالي.
طريقه في المقاومة
وقف بناهي بحزم في وجه المستعمر الفرنسي، سالكًا طريق المقاومة، حيث بدأ مشواره النضالي بالمشاركة في معركة النيملان الشهيرة يوم 25 أكتوبر 1906. وبعدها، انطلق بمعية ابن أخته سيد المختار ولد محمد محمود شمالًا في رحلة البحث عن السلاح، متجهين نحو الشيخ ماء العينين، في رحلة عُرفت محليًا بـ “تسوحيلة”.
وعند وصولهما، لم يتفقا مع الشيخ ماء العينين على طريقة العمل، فعادا أدراجهما نحو مضارب قومهما. وأثناء رحلة العودة، توفي سيد المختار متأثرًا بمرض الجدري عند موضع يسمى “ما يعتك” قرب مدينة وادان، بينما واصل بناهي طريقه نحو العودة، إلا أنه اعتُقل من قِبَل الإدارة الفرنسية في تكانت يوم 15 يوليو 1907.
الاعتقال والاستشهاد
تم نفي المجاهد بناهي ولد سيدي إلى ساحل العاج، حيث سُجن في مدينة دابو لمدة سبع سنوات، ليُستشهد هناك في حدود عام 1915، بعيدًا عن الأهل والأحبة. لكنه نال شرف الشهادة في سبيل الدفاع عن وطنه، مسطرًا اسمه بأحرف من ذهب في سجل التاريخ. ويوجد ضريحه في مدينة دابو حيث كان معتقلًا.
الأدب والموروث الثقافي
إلى جانب نضاله، كان بناهي أديبًا ماهرًا من بين أدباء عصره، إلا أن معظم إنتاجه الأدبي ضاع بسبب غياب ثقافة التدوين في مجتمعه البدوي. ومع ذلك، احتفظت الذاكرة ببعض قصائده، ومنها طلعته المشهورة عن “لمسيله”، التي يقول فيها:
لـــــمْــــسِيـلَ كَــــاعْ إِلَى تَمَّيْتْ == تَــــسْــــمَـعْ مَا خِلْكِــــتْلَكْ حِيلَ
لـمْسِيلَ يَعَگْـــــلِ فـَــــغْــــنَـيْـتْ == مَــــاهِ بَـــــاطْ الاَّ لـــمْـــسِــيــلَ
لــمْــسِــيـلَ مِنْ عَـنْدْ اگْـوَيْبِينْ == للِسُّـلْـــطَانيَّ مـَـوكـــرْ شَـيْـــنْ
ؤُمِنْ عَنْدْ الرَّگْ الْـــعظم الطِّينْ == شَوفِتْهَا فِالْـــعـَيْـــنْ اثْـــقِـــــيلَ
…
ابنه المجاهد سيدي ولد بناهي ومواصلة النضال:
بعد استشهاد والده، واصل سيدي ولد بناهي طريق المقاومة ضد المستعمر الفرنسي لعدة سنوات، مستخدمًا أسلوب “تكديي”، أي الاحتماء بالكهوف داخل الجبال واتخاذها قواعد عسكرية للانطلاق نحو أهدافه. وقد أقام معاقل صمدت في وجه المستعمر، ومنها:
“كلب ولد بناهي” في منطقة أفل
“كنتور اشهيب” في منطقة أركيبة
كانت هذه القلاع مراكز عمليات ميدانية بارزة استُخدمت لمقاومة المستعمر الفرنسي، وسجلت صفحات مشرقة من البطولة والفداء.
رحم الله المجاهدين بناهي ولد سيدي وابنه سيدي ولد بناهي، وأسكنهما فسيح جناته. فقد كانا نموذجين مشرفين للتضحية والوفاء للوطن، وتركا بصمة خالدة في تاريخ المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي.
محمد غالي ولد إعلانه ولد سيدي عثمان