زيارة فنسون أوريول إلى سان لوي سنة 1947 ومشاركة قبيلة تنواجيو (الشيخ ولد أعمر ولد الشيخ ولد اشريف)

في عام 1947م ، قام الرئيس الفرنسي فنسون أوريول، أول رئيس للجمهورية الفرنسية الرابعة، بزيارة رسمية إلى مدينة سان لوي (إنْدَر) بالسنغال، التي كانت آنذاك العاصمة الإدارية لموريتانيا ومقر الحاكم العام لإفريقيا الغربية الفرنسية

جاءت هذه الزيارة في سياق سعي فرنسا إلى إعادة تنظيم علاقتها بمستعمراتها بعد الحرب العالمية الثانية، ضمن ما عُرف حينها بـ الاتحاد الفرنسي (Union Française)، وهو مشروع سياسي أرادت منه باريس تجديد روابط الولاء دون التفريط في سلطتها الاستعمارية.

استُقبل الرئيس أوريول من طرف الحاكم العام برنار كورنو جنتيّ (Bernard Cornut-Gentille) وكبار الموظفين الفرنسيين، وحضر اللقاء عدد من أعيان وشيوخ القبائل الموريتانية الذين وفدوا إلى سان لوي من مختلف المناطق: اترارزة، لبراكنة، آدرار، تكانت، والحوضين، التي كانت قد أُلحقت حديثًا سنة 1944م بالأراضي الموريتانية بعد أن كانت تتبع سابقًا لـ “السودان الفرنسي” (مالي حاليًا) فيما عرف (بحصرةِ السيفات). كما شارك في المناسبة عدد من الشخصيات المستقلة التي كان لها لاحقًا دور بارز في مسيرة الاستقلال الوطني

وقد اشترطت الإدارة الاستعمارية آنذاك أن تشارك كل قبيلة بممثل واحد يحمل صفة الشيخ أو الزعيم المحلي المعترف به رسميًا من قبلها. وفي هذا الإطار مثّل الشيخ ولد أعمر ولد ولد الشيخ ولد اشريف قبيلة تنواجيو في هذا اللقاء، وهو حضور ذو رمزية تاريخية، إذ يُستشفّ منه أن الشيخ ولد أعمر كان الزعيم التقليدي العام للقبيلة في تلك المرحلة.

وعلى الرغم من أن قبيلة تنواجيو لم تكن تعرف نظام “المشيخة العامة” بالمعنى المتداول لدى بعض القبائل الكبرى، بل تميّزت بتنظيم داخلي يقوم على مشيخات محلية موزعة بحسب الجهات الجغرافية.وهذا الأسلوب كما تشير القرائن التاريخية لم يأتِ من فراغ، بل استُلهم من النظام الأميري لإمارة أولاد امبارك، نتيجة الروابط القديمة بين المجموعتين اللتين جمعهما الحلف التاريخي المعروف باسم “صاها”.وبناءً على ذلك، كان الشيخ ولد أعمر شيخ منطقة ترمسة، وتذكر الوثائق الفرنسية أنه شيخ عامة أولاد المايمتس والأفخاذ المنضوية تحتها

أما الشيخ أحمد ولد البان فكان يُعتبر شيخًا عامًا لمجموعة أولاد بومحمد والأفخاظ التابعة لها، خاصة في منطقة أفله، كما ورد في الوثائق الاستعمارية.وتبرز كذلك مجموعة أهل بابه، التي قُسمت وفقًا لتلك الوثائق إلى ثلاثة أفخاذ يتزعمها كلٌّ من: القاسم ولد سيدي عبد الله، وشيخنا ولد عالي، والداه ولد لمانه.كما أوردت الوثائق الفرنسية مجموعة أخرى تحت عنوان ( تنواجيو المستقلون) ، تضم: أهل محمياي، إدابوبك، أهل إبراهيم ولد الشيخ، وأهل جدّو ولد الشيخ.

وتُظهر هذه المعطيات أن قبيلة تنواجيو كانت ذات بنية اجتماعية مرنة ومتنوعة، تجمع بين الاستقلال المحلي والولاء للكيان القبلي الأكبر في آنٍ واحد.وحسب الوثائق الفرنسية، كانت هذه البنية هي السائدة آنذاك

غير أن الوضع تغيّر اليوم بفعل الانتشار الجغرافي الواسع للقبيلة، إذ أصبحت تتوزع فروعها وأفخاذها بين: الحوضين، لعصابة، لبراكنة، اترارزة، كيدي ماغا، تيرس الزمور، إنشيري، آدرار، أزواد، الصحراء الغربية، والجزائر.وقد أدى هذا الامتداد إلى ظهور أسرٍ جديدة أصبحت أفخاذًا مستقلة، وتوسّعت أخرى لتشكّل افخاظا و فروعًا قائمة بذاتها و بمشيخاتها الخاصة.

وخلال الاجتماع في سان لوي، ألقى الرئيس فنسون أوريول خطابًا دعا فيه إلى تعزيز الروابط بين فرنسا ومستعمراتها تحت مظلة الاتحاد الفرنسي، مؤكدًا أن: فرنسا الجديدة لا تفرّق بين مواطنيها، سواء في باريس أو سان لوي أو في أيٍّ من مستعمراتها وردّ الشيوخ بخطاباتٍ عبّروا فيها عن تشبّثهم بدينهم وعاداتهم الأصيلة، وتمسّكهم بضرورة احترام خصوصياتهم الدينية والثقافية والاجتماعية في أي نظام إداري أو سياسي قادم.وقد انعكست هذه المطالب لاحقًا بعد الاستقلال، حين أُضيفت كلمة “الإسلامية” إلى اسم الدولة، لتصبح “الجمهورية الإسلامية الموريتانية”

لقد شكّلت زيارة فنسون أوريول إلى سان لوي سنة 1947 منعطفًا رمزيًا في التاريخ الموريتاني الحديث، إذ جمعت رموز الزعامة التقليدية الموريتانية برأس السلطة الاستعمارية في لحظة انتقالية حاسمة مهدت لظهور النخبة الوطنية التي ستقود البلاد لاحقًا نحو الاستقلال، وفي طليعتها المختار ولد داداه الذي كان حاضرًا لذلك الاجتماع.

وقد بقيت هذه الواقعة راسخة في ذاكرة قبيلة تنواجيو، باعتبارها حدثًا بارزًا يؤكد مكانة أسرة أهل الشيخ ولد أعمر ولد اشريف ودورها المحوري في الزعامة التقليدية، وفي التاريخ الاجتماعي والسياسي للقبيلة.الصورة المرفقة تعود إلى اللقاء المذكور، حيث يظهر محمد محمود ولد سيد المختار ولد النهاه ممثلاً عن قبيلة أهل سيد محمود واقفا إلى جانب الرئيس الفرنسي فنسون أوريول، كما ارفقنا الصورة بوثيقة من الارشيف الفرنسي مما يضفي على المنشور بُعدًا توثيقيًا وتاريخيًا مهمًّا يربط الذاكرة المحلية بالمصادر الأرشيفية الرسمية.

بقلم محمد غالي سيدي عثمان

شاهد أيضاً

رؤية وطنية متوازنة للحوار الشامل: مقترحات لتعزيز الوحدة ومحاربة الفساد وبناء اقتصاد مستدام

لقد خصني منسق الحوار الوطني بمقابلة يوم أمس الإثنين خاصة سلمته خلالها رؤيتي لبعض القضايا …