ترمسه تاريخها ومحورية مجالها : د . الشيخ ابراهيم آ كية

ترمسه إقليم في أقصى نقطة الالتقاء بين الحوضين الغربي والشرقي في حدودهما الجنوبية الشرقية بالنسبة للحوض الغربي والجنوبية الغربية بالنسبة للحوض الشرقي أي أنها منطقة التقاء مقاطعتي كوبني وجگني يحدها جنوبا إقليمي باقنه وكنگي في جمهورية مالي المجاورة ، تظهر تحديدات المصادر التاريخية لهذا المجال أن قاعدته الاساسية هي أطراف وادي جگرا گه شرقا ومنطقة الشگه غربا ومن بنعوم واترنگمبو عاصمة كنگي حتى خط القرى الواقعة في مناطق تادرت وتيمزين واشلم التاريخية ، وهو بهذا يتداخل في طرفه الشمالي مع منطقة أجامره بالحوض الغربي ، سكنت الإقليم عبر تاريخه مجموعات قبلية عدة ويعد منطقة هامة من مناطق مركز سلطة أولاد أمبارك كما اهتمت به مختلف القوى السياسية التي رغبت في السيطرة على نهاية محاور الطرق التجارية القديمة الرابطة بين الصحراء وبلاد السودان جنوبا خاصة تلك التي كانت وجهتها مدينة زارا المالية التي ذكرتها المصادر كمدينة تجارية تستوعب أعدادا ضخمة من القوافل القادمة من شنقيط وتشيت وغيرها من المدن مما يشير إلى أهمية الإقليم الإقتصادية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر هجريين ، أما بالنسبة للأهمية السياسية فإنها ارتبطت بكونه إقليما يشكل فضاء سياسيا لسلطة المجموعات القبلية خاصة مجموعة ” اهل ترمسه ” من تنواجيو وايضا شكل فضاء من فضاءات نفوذ امراء وسلاطين أولاد امبارك وشكل في نفس الوقت الفضاء الأقرب لممالك السوننكي القريبة في منطقة كنگي خاصة مملكة جارا المجاورة وملوكها أصحاب اللقب ” داما ” فكانت تلك الممالك دائما على صلة وعلاقات سياسية وثقافية مميزة مع أبرز المجموعات التي سكنت المنطقة كسلاطين أهل اعمر ولد اعلي ثم مجموعات أهل الكاشوش وكذلك مجموعة إجاجبركه من تنواجيو ، ولاتقل الأهمية الثقافية للإقليم عن الأهمية الاقتصادية والسياسية ففي هذا الاقليم حدثت أبرز احداث التفاعل الثقافي والحضاري بين شعوب المنطقة شمالا وجنوبا فعلى أديم ارض ترمسه عزفت أشوار عديدة والمتصور لقصة انوفل وانطلاقه من زارا باتجاه اعوينات الراجاط سيجد أن المجال المتوسط بين نقطة الانطلاق والوصول هو مجال ترمسه وقصص السلاطين واضرحتهم وأيام السلطنة الحربية كلها شواهد على محورية المجال وأهميته تلك الأهمية التي احتفظ بها المجال بعد السيطرة الاستعمارية لقربه من عاصمة الادارة الجديدة مدينة النورو المالية ، تلك العاصمة التي سترتبط بها مصالح الناس مما سيؤدي إلى تغيير في منازل ساكنة الاقليم خاصة من اصطلح على تسميتهم ” بأهل ترمسه” حيث سينزاحون إلى أقصى نقطة في غرب هذا الاقليم وهي لگليبات ومايجاورها للسكن بدل أقصى نقطة في شرقه منطقة بولكلال لتبقى مقابر بولكلال وبولنوار ” بودفعه” محطات سابقة توضح مسار رحلة مجتمعات إحتفظت بذكريات ثلاثة قرون في هذا المجال
أما عن دلالة الاسم فلا نعلم له تفسيرا سوى إحتمال أن يكون مرتبطا بنبات الترمس الذي ربما يكون قديما كان ضمن الغطاء النباتي للمنطقة، وتبقى أقرب إشارة تاريخية وأقدمها لاسم هذا المجال هي تلك التي ذكرها عبد الرحمن السعدي في كتابه تاريخ السودان حيث ذكر منطقة ترمس بوصفها كانت ملاذا لأحد الملاحقين من قبل أحد أمراء مملكة السونغاي وربما أخذت إسمها من إسمه ولكن الاسم تحول فكان بعد ذلك مجالا ثم أصبح مع بداية القرن العشرين علما لمجموعة بطون من تنواجيو سكنت تلك الأرض ثم أصبحت اليوم علما لتجمع قروي معروف في مقاطعة كوبني
من اهم المصادر التي تكلمت على الأرض وسكانها وذكرت الاسم كعلم جغرافي وبشري الوسيط في تراجم ادباء شنقيط الذي ذكر بعض مناهله والمختار ابن حامد في مقامته الأدبية الحوضية وفي أجزاء من موسوعته خاصة الجزء الجغرافي والجزء السياسي والجزء الثقافي ، ثم ابول مارتي في كتابه القبائل البيضانية في الحوض والساحل

اشتهر المجال بأدبائه أيضا ومن اشهر من مثلوا عهود ازدهاره الأدبي الأديب أمهادي ولد أوجه والإديب أحمد فال ولد بداده ، ويمكن أن نأخذ شور ” اب وني الا وني ” الذي هو من انتاج مريم منت إسماعيل كدليل على المشاركة الأدبية النسائية التي خلدها تاريخ الأدب والموسيقى فاستحسنها رواد إحدى أهم مدارس ترمسه الموسيقية وهي مدرسة أهل دندني فكانت كلمات هذا الشور من أكثرشواهد اشوار التدنيت طربا وأخذوه شاهدا “للهمص ” ثم “محاط ” من أشوار التدنيت

وتحكي مخطوطات المنطقة تاريخا كبيرا من المشاركة في قصة ازدهار الثقافة العربية الاسلامية في هذا الجزء المنزوي في أقصى نقطة من نقاط الجنوب الشرقي لبلاد التكرور أو شنقيط موريتانيا الحالية ، كما يظهر تاريخ اعلامها دورا رائدا في التمكين لمختلف اشكال الخطاب الديني والثقافي بدء بالتمكين للخطاب الفقهي فكانت المنطقة في بداية أمرها منطقة فقه وفقهاء ثم بعد ذلك بدأ خطاب التصوف في الحضور ، وعند إزدهار الشعر الفصيح ظهرت قصائد شعرية فصيحة تبين مشاركة مبكرة لرواد الشعر الفصيح في المنطقة تدل على أنهم ساهموا في بداية الإزدهار المبكر لهذا الشعر
وسنرفق هذا المنشور بما تيسرمن نماذج الخط لمشاهير الخطاطين والنساخ والعلماء في هذه المنطقة

للمحاظرأيضا دور رائد في هذه المنطقة التي تميزت بمحاظرها العتيقة والتي خرجت افواجا من العلماء على مر العصور ونقلت تقاليد المحاظر لشعوب الجنوب المجاورة وقد أوفاها ابن حامد في الجزء الثقافي حقها فذكر مشاهير مشايخ المحاظر فيها

وفي الأخير أوجه طلبا للشباب والنخب بضرورة التفكير في تنظيم مهرجان أو أيام ثقافية تساعد في كشف تاريخ هذه المنطقة وموروثها الثقافي

شاهد أيضاً

سيد أحمد ولد محمد معلقا على تعيينه وزيرا

عبّر وزير التنمية الحيوانية، السيد سيد أحمد محمد، عن شكره وامتنانه لفخامة رئيس الجمهورية، السيد …