وَإِنَّمَا الْمَرْءُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ…..

أنجبت ولاية لعصابة عبر تاريخها رجالاً أعلامًا وشخصيات وطنية بارزة تركت بصمات لا تُمحى، ومن بين تلك القامات الراحل محمد محمود ولد سيد ولد حم ختار (غلام)، الذي جسّد نموذجًا فريدًا في الأخلاق والوداعة والتواضع، جامعًا في شخصيته كل خصال الحمد والفضيلة.

ولد رحمه الله في بيئة أصيلة تنتمي إلى أسر مشيخة تقليدية ذات سؤدد ومجد، لكنه آثر أن يخرج من تلك العباءة مبكرًا، متخذاً سبيل المعارضة الكادحة وهو لا يزال طالبًا، رافضًا كل أشكال الغبن والتمييز في وقتٍ كانت فيه الديمقراطية مجرد حلم بعيد المنال. وقد شارك رفقة نخبة من شباب الوطن المؤمنين بالحرية والكرامة في مواجهة صنوف الاضطهاد والتعذيب والمنفى.

وبعد عودته من منفاه في فرنسا، ومع التحولات السياسية التي شهدتها البلاد وقيام التجربة الديمقراطية، ظل محمد محمود وفيًّا لمبادئه، محتفظًا بوجهه البشوش وأخلاقه الرفيعة أينما حلّ

. تقلّد عدة مناصب إدارية سامية، وكان كل منصب يشغله مناسبة ليترك بصماته الإيجابية وذكراه الطيبة.

تحكي إحدى السيدات اللواتي عملن معه في وزارة المالية قائلة: كان إذا ناب عن الأمين العام في غيابه، يبدأ أولاً باستدعاء الكاتبة ويطلب منها السجل الإداري، فيوقّع على جميع الملفات المعلقة، ثم يأمرها بالاتصال بكل من لديه وثيقة معطلة بسبب التوقيع ليحصل عليها فورًا. حتى شاع داخل أروقة الوزارة أن الجميع يتساءل: متى سيسافر الأمين العام لتؤول الإنابة إلى محمد محمود

ورغم المناصب التي شغلها، لم يُعرف عنه قط أنه سعى وراء الأضواء أو بحث عن الظهور الإعلامي لإظهار الولاء السياسي كما جرت العادة؛ فلم يخرج في مقابلة تلفزيونية للدفاع عن نظام قط

وفي سنة 2014، قدّم استقالته من منصبه السامي في المالية بعد أن تعارض مع ترشحه السياسي، ليترشح نائبًا مستقلاً عن مقاطعة كنكوصه.
ثم اختتم مساره المهني مستشارًا في البنك الإفريقي للتنمية، حيث واصل عمله بصمت وجدية، وكان صاحب الفكرة الأولى لترشح موريتانيا لرئاسة البنك الإفريقي، وهو ما تحقق لاحقًا مع انتخاب الدكتور سيد ولد التاه رئيسًا للبنك بعد أيام قليلة من رحيل محمد محمود. وهكذا شاءت الأقدار أن يرحل قبل أن يرى حلمه يتحقق.

لقد كان الراحل، كما يشهد كل من عرفه، قريبًا من القلوب، محبًّا للناس، يترك في النفس أطيب الأثر منذ اللحظة الأولى. لا يكتفي بمصافحتك بيده، بل يطبع قبلة احترام على رأسك، فيبقى انطباعه خالدًا في الذاكرة.

برحيله فقدت لعصابة واحدًا من أعزّ أبنائها: رجلًا كريمًا، بشوشًا، فاضلاً، وابن الأفاضل.

وصدق القائل:
“وَإِنَّمَا الْمَرْءُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ
فَكُنْ حَدِيثًا حَسَنًا لِمَنْ وَعَى”

رحم الله محمد محمود ولد سيد ولد حم ختار، وأسكنه فسيح الجنان، وجزاه عن وطنه وأهله خير الجزاء.

بقلم محمد غالي سيدي عثمان

شاهد أيضاً

القافلة تسير ونحن على العهد باقون

قبل أحد عشر عامًا أطلقنا القافلة كموقع إخباري، في زمن لم تكن فيه وسائل الإعلام …