في يوم المعلم

في ستينيات القرن الماضي، كان المعلم، رغم صعوبة الظروف، يدرك تمامًا جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقه. وكانت الدولة، رغم حداثة ميلادها، تُولي المعلم المكانة اللائقة به، مُدركة أنه اللبنة الأساسية في بناء المجتمعات وتطويرها.

ومن القصص الطريفة التي تعكس صعوبة المهمة في تلك الفترة، قصة معلم تم تحويله الى مدرسة نائية بإحدى قرى البلاد. فقد قام حاكم الولاية، برفقة بعض أفراد الحرس، بتوصيله إلى القرية. وبعد وصولهم، عقد الحاكم اجتماعًا بأعيان القرية، تحدّث خلاله عن أهمية التمدرس والحث على الالتحاق بالمدرسة، وفي ختام حديثه قدّم لهم المعلم قائلاً: “أوصيكم عليه، الواعر الكراي”،

ومع انتهاء السنة الدراسية، قرر المعلم التوجّه إلى أهله لقضاء العطلة الصيفية. وبينما كان يستعد للرحيل خاطبه شيخ القرية قائلاً: “انت اشهامك أثرك”، فأجابه المعلم بهدوء: لاهي نمشي في الراحة وسأعود مع افتتاح السنة الدراسية”.

لكن الشيخ، متشنجًا، رد عليه: “(انت ما اتكد تحرك!) أنت وديعة عندنا، اموصيتنه اعليك الحكومة، والحركة ماهي خالكة”. استسلم المعلم للأمر الواقع، فأمضى شهرًا كاملًا من العطلة في القرية، محاصرًا وتحت المراقبة، وكأنه يحاول الهروب.

وذات يوم، جاءت إلى القرية بعثة تابعة لوزارة الصحة في مهمة عمل. وأخبرهم المعلم بقصته وطلب مساعدتهم ليتمكن من مغادرة القرية قبل انتهاء العطلة. اجتمع رئيس البعثة بأهالي القرية وخاطبهم بأنه يحمل رسالة من الحاكم لإرسال المعلم الذي أودع لديهم. فأجابوه بصوت واحد: “أهيه ظرك عاد إكد يمشي”

الصورة المرفقة للوالد، أطال الله في عمره، إعلانه ولد محمد ولد سيدي عثمان، أحد رواد التعليم في تلك الفترة. وعند حديثك معه، تشعر وكأنك أمام أستاذ جامعي متمكّن، فتدرك الفرق الشاسع بين المعلم في تلك الفترة والمعلم الحالي، وكيف تحول المعلم من موسوعة معارف حية، إلى شخص بحاجة أحيانًا إلى العودة إلى مقاعد الدراسة تلميذًا في الصف الثالث الابتدائي.

إن إصلاح التعليم يبدأ بالكادر البشري أولًا، فالمعلم هو حجر الأساس لأي منظومة تعليمية ناجحة.

محمد غالي سيدي عثمان

شاهد أيضاً

عبث بصناديق الاقتراع في عدد من مراكز التصويت بمقاطعة “زاغويتا” الإيفوارية

أفادت مصادر محلية في ساحل العاج بتعرض عدد من صناديق الاقتراع للعبث في مراكز تصويت …