
حين وُلدت موريتانيا سنة 1960، لم تكن تملك من مقومات الدولة إلا اسمها وحدوده على الخريطة. لا بنى تحتية، لا طرق، لا مستشفيات، ولا موارد ظاهرة في بلدٍ مترامي الأطراف يغلب عليه القحط والصحراء. كانت البداية بكل المقاييس بداية من اللاشيء.
ومع ذلك، فقد نهضت البلاد على أكتاف رجال ونساء حملوا حلم الوطن في صدورهم، وساروا به رغم كل المعوقات. كان أبناء هذا الشعب هم الثروة الحقيقية: عزيمتهم، علمهم، إيمانهم، ووفاؤهم للأرض التي احتضنتهم. هم من روّضوا الصحراء، وحوّلوا المستحيل إلى ممكن، والفراغ إلى كيان، والضعف إلى قوة.
راهن الكثيرون على أن الدولة الجديدة لن تستمر، وأنها ستتهاوى أمام أول عاصفة. لكن أبناء الوطن خيّبوا توقعاتهم؛ فقد واجهوا الحروب في الشمال بثبات، وتجاوزوا أزمات الجنوب بصبر، وكلما ظنّ البعض أن النهاية اقتربت، كانت موريتانيا تفتح صفحة جديدة من الصمود.
لم تكن الطريق مفروشة بالورود. كانت رحلة شاقة من العرق والتضحيات، لكن الجهود الصادقة كانت أقوى من كل التحديات.
واليوم، بعد عقود من العمل، تقف موريتانيا مثالًا حيًا على قدرة الشعوب في أن تبني دولًا من العدم. الطرق تمتد شرقًا وغربًا، والمستشفيات تُشيّد، ، والمشاريع الكبرى تتحول من أحلام إلى واقع. جسر روصو يقترب من الاكتمال، بعد ما اكتملت جسور مدريد وباماكو والحي الساكن
وطريق الأمل جدّد شبابَه، والمرافق الحديثة تنتشر، ومعلمة نواكشوط تبدأ في أخذ شكلها الثقافي والحضاري، وكيفه تستعد لتشرب الماء العذب من النهر.
هذه الإنجازات لم تأت سحرًا ولا صدفة، بل كانت ثمرة إصرار أبناء الوطن الذين آمنوا بأن موريتانيا تستحق أكثر، وأن هذا البلد قادر مهما تأخر أن يصنع لنفسه مكانًا تحت الشمس.
قصة موريتانيا ليست قصة دولة وُلدت مكتملة، بل قصة شعب بنى دولته خطوة بخطوة، من الصفر… ثم مضى بها إلى الأمام بثقة لا تلين.
وهكذا ستبقى البلاد، بإذن الله، تواصل نهوضها، ويظل علمها شاهدًا على أن البدايات المتواضعة لا تمنع النهايات العظيمة، إذا حمل الأبناء الوطن في قلوبهم قبل أيديهم.
بقلم : محمد غالي سيدي عثمان
موقع القافلة الإخباري موقع اخباري موريتاني