النظام الموريتانى و استباحة القانون الدولى .. استهانة بكرامة الشعب و تلاعب بمصداقية الدولة . ( الاكراه البدني ) نمودجا .

القضاء الموريتاني

قبل اكثر من اسبوعين تظاهر العشرات من الاسر اهالى ضحايا الاكراه البدني في السجون الموريتانية. و بعد يومين من الاخذ و الرد مع مستشار الرئيس ولد احمد دامو . أخبروا بأن الرئيس ولد عبد العزيز قد اصدر تعليماته لوزير العدل بضرورة الاسراع في حل هذه المشكلة.

و لغاية هذا التاريخ لا يوجد دليل واحد يشير الى جدية التعليمات التي صدرت بالغاء قانون الاكراه البدني او تعطيله على الاقل .

و بصرف النظر عن الاسباب التي تقف خلف هذا التناقض الحكومي . الا ان الشيء الاهم هو ما سيكتشفه كثير من المراقبين و الهيئات الاممية و المنظمات الحقوقية
من التلاعب الحاصل في تعامل النظام الموريتاني مع الاتفاقيات الدولية و طرق الالتفاف على المعاهدات و المواثيق الاممية .

هناك الكثير من الملاحظات التي يجدر الانتباه لها بسبب الجدل الفقهي الذي أثاره وزير العدل بتعهده بنشر اتفاقية العهد الدولى في الجريدة الرسمية لكي تصبح نافذة و هو ما يعتبره بعض فقهاء القانون امرا غير ضروري لانه بمجرد المصادقة عليها و توقيع عهد التنفيذ تصبح نصوص هذه الاتفاقية غير قابلة للتأجيل حتيى و لو تعارضت مع نصوص قانونية داخلية لان النص الدستوري في المادة 80
يقول ؛ للمعاهدات او الاتفاقيات المصدقة او الموافق عليها كذلك . سلطة أعلى من سلطة القوانين و ذلك فور نشرها . شريطة ان يطبق الطرف الثانى المعاهدة او الاتفاقية . انتهي الاستشهاد.

و لكون النشر الوارد في المادة لم يحدد بشكل صريح هل هو نشر الاتفاقيات بعد التعاهد عليها بين الدول المصادقة عليها في وسائل النشر المختصة بالمواثيق الدولية أم هو النشر في الجريدة الرسمية . فإن الاشكال الفقهي سيتضح اكثر لو تم النظر فيه من جهة الفقرة الاخيرة بحيث تشترط تطبيق الطرف الثاني للمعادة او الاتفاقية . و إذا كان الطرف الاول يشترط نشرها في جريدته الرسمية فهذا يعنى ان اشتراطه لتطبيق الطرف الثاني يعتبر بلا معني او يعني ان هذا الطرف يمارس تحكما في القوانين الدولية بحيث يحتج في كل مرة بأن هناك شرطا لم يتحقق و هو انه لم يتم نشرها في الجريدة الرسمية . و هذا يعتبر شأنا داخليا . و بالتالى فهذا النوع من التعاطي الفقهي مع القضية قد يجعل مصادقة الدولة الموريتانية على الاتفاقيات و المعاهدات هي و عدمها سيان . و هذا ما يتعارض مع اتفاقية افينا للمعاهدات الدولية التي تلزم الدول بتطبيق الاتفاقيات التي قامت بالمصادقة عليها . كما هو نص المادة 23
من نفس الاتفاقية …

و حيث ان الدولة الموريتانية قد أقرت و صادقت على العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية بتاريخ ؛ 17/11/2004
و قد دخل حيز التنفيذ بتاريخ ؛ 17 /02/ 2005
كما هو مصرح به من خلال التقارير الحكومية المقدمة لمجلس حقوق الانسان بجنيف عن طريق الفريق العامل المعنى بالاستعراض الدولى الشامل بتاريخ ؛ 10/08/2010
و في الدورة التاسعة بجنيف ايضا من نفس السنة بتاريخ ؛ 13 /11/2010
المقدم من طرف مفوضية حقوق الانسان ممثلة للحكومة الموريتانية .وقد جاء في نفس التقرير ان الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف الحكومة الموريتانية مطبقة بشكل كامل و انه لا يوجد تحفظ على اي من المواد التي تتضمنها باستثناء المادة 18 من العهد الدولى و الفقرة الرابعة من المادة 23
و من هنا يبقى التساؤل مشروعا عن ما هو المقصود بهذه التقارير التي قدمتها الحكومة الموريتانية امام الجهات الدولية المعنية .. مع انها لا زالت تؤجل انصاف بعض المظلمين من شعبها الواقعين تحت طائلة قوانين محلية تتعارض مع نصوص هذه الاتفاقيات بحجة انها لا زالت بصدد نشر الاتفاقيات في الجريدة الرسمية ..!!!

ساكون شاكرا لمن يقدم اجابة مقنعة حول هذا التعارض من جهة الشكل و المضمون في هذه المسألة ..!

ان كل ما تقدم يعطي انطباعا بأن التلاعب و عدم الجدية هي السمة الابرز للانظمة الموريتانية و سواء تعلق الامر باستحقاقات محلية انمائية و اقتصادية و خدمية او بتعهدات دولية يسهر القائمون على تطبيق القوانين الدولية عليها كتعبير عن ارادة الهيئات الدولية لوجود العالم بشكل أفضل من ناحية الحقوق و الحريات و التي يضمن وجودها قيام انظمة مسئولة قادرة على خدمة شعوبها قي كل المجالات و تشكيل عضو فعال في المجتمع الدولي.

سيمكننا تعاطي النظام الموريتاني مع الاتفاقيات الدولية من فهم أفضل للمقولة التي يستخدمها البعض على سبيل التندر و هي ان الانسان في العالم الثالث يتعلم القانون من احل اكتشاف الطرق الكفيلة بتمرير ظلمه على الآخرين في الوقت الذي يقوم الانسان المتخضر يتعلمه من اجل اقامة العدل و تجنب الظلم و آثاره السلبية على المجتمع ..

القواعد القانونية لا تسمح بتطبيق الاكراه البدني أيضا .
………………………………………………….

من المتفق عليه عند اغلب علماء القانون في العصر الحاضر ان الخلط بين القاعدة المدنية و القاعدة الجزائية او الجنائية يعد مدعاة لخرق اسس العدالة الحديثة المبنية على العلم و النظريات الصائبة . كما انه يعتبر مخالفا للوجدان السليم .
لذلك يقول أحد اكبر فقهاء القانون المدني ؛ الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه المسمي ؛ ( الوسيط في شرح القانون المدني .)
؛ أن فكرة الاكراه البدني حتي باعتباره وسيلة ضغط على المدين للوفاء . تخالف المبادئ المدنية الحديثة فالمدين يلترم في ماله لا في شخصه و جزاء الالتزام تعويض لا عقوبة . لذلك فحبس المدين في الدين رجوع بفكرة الالتزام إلى عهده الاول . حيث كان المدين يلتزم في شخصه . و حيث كان القانون الجنائي يختلط مع القانون المدني فيتداخل معنى العقوبة مع معنى التعويض في تدبير واحد . انتهي الاستشهاد . بتصرف يسير .
اذن هناك تجاوز كبير في تطبيق الاكراه البدني من الناحية الفقهية البحتة كما ان التجاوز الاجرائي في هذه المسألة لا يقل فداحة عنه ..
ففى التطبيقات اليومية لهذا الاجراء نجد خرقا و تجاوزا لاهم نظريات الاثبات عند جميع التشريعات فمن المعروف ان الواقعة الايجابية مقدمة الاثبات على الواقعة
. السلبية

و إذا كان الاعسار واقعة سلبية كما هو معلوم و هو رواية عن الامام مالك . فإن مسألة حبس المدين قبل اثبات ان لديه مالا يخفيه يعد مخالفة اجرائية صارخة فالحبس عند المجيزين له لا يعدو وسيلة لاجبار المدين على قضاء الدين . و إذا لم يثبت ان لديه مالا فإن حبسه يعد عبثا و ظلما صارخا كما في فتوي الامام علي كرم الله و جهه .
و على هذا فالحبس طبقا لمقاصد الشريعة ليس هدفا بل و سيلة . كما هو مقتضي يقول الكاسانى في كتابه بدائع الصنائع . و ابن فرحون في كتابه تبصرة الحكام .
و من هنا تبرز اهمية تعديل النصوص و ملاءمتها مع القواعد المدنية الحديثة و مع نصوص الشريعة الاسلامية أيضا .
قال تعالى ؛ و إن كان ذو عسرة فنظرة الي ميسرة .. صدق الله العظيم .

يمكن للمشرع الموريتاني ان يسلك في هذه المسالة و غيرها من العقوبات المدنية ما درجت عليه كثير من التشريعات الحديثة باستخدام العفوبات البديلة
أو ما يسمى بالاجنبي ؛ peines de substitution “

اذا كان لا بد من تفعيل العقوبة في القضايا المدنية …
كأن تتم مثلا معاقبة المدين المتحايل بأن يدفع سعرا أعلى في رسوم المعاملات الحكومية أو تعرفة اكثر لفواتير المياه و الكهرباء . او تغريمه بالمخالفات المرورية بضريبة اكثر من غيره من الاشخاص العاديين . او بحرمانه من بعض الخدمات العامة او توقيفا مؤقتا لبعض حقوقه المدنية و السياسية ..
و ستكون هذه الوسائل أكثر ملاءمة من الناحية العملية و التشريعية …

 

نماذج من ضحايا الاكراه البدني
……………………………………….

اذا كان الاديب الانجليزي شكسبير قد كتب رائعته تاجر البندقية قبل أكثر من ثلاثمائة سنة للتحذير من اضرار المرابين الجشعين …
فأن شيلوك التاجر اليهودي الجشع الذي كان مستعدا لرهن أرطال من لحم اجساد المتعاملين مقابل مبالغ مالية يدفعها لهم وقت الحاجة و نكاية بهم على سلوكهم قيم الخير و المروءة كان سيبدو مسرورا لو كتب له ان يعيش في موريتانيا في ظل نظام ولد عبد العزيز بكل تأكيد ….

لقد اضر نظام الاكراه البدني و التوسع في تقوية العقوبة الجزائية على الشيكات بالاقتصاد الموريتاني و اصبح الشعب منهكا و بائسا .
و المرابون يمرحون يمينا وشمالا و يرسلون التهديدات للمتعاملين المساكين و بين رجل مسن استقرض -ثلاثمائة الف اوقية لغرض انساني ضروري ليجد نفسه مطالبا بمليونين و مائتين الف اوقية في اقل من شهرين و نصف .الى وجيه اجتماعي تم الزح فيه السجن و باع ممتلكاته بثمن بخس حفاظا على نفسه من سيف الاكراه البدني الذي يمسك المرابون بقبضته بمساعدة من الادعاء العام .
الى رجل أعمال شاء له حظه العاثر ان يقع فريسة لهذه الشبكة و بعد ان اقترض منهم سبعة ملايين سيكون مجبرا على دفع ثلاثة و ثلاثون مليونا . و الا فهو الملوم و المرابون يحميهم سؤال واحد من احد نواب وكيل الجمهورية …. هل هذا التوقيع الذي على الشيك هو توقيعك …؟ و عندما يحاول شرح المسألة سيتحمل الزجر و الاهانة و التأكيد عليه بأن الجواب لا يتجاوز نعم . أو . لا .
و هنا يمكن لمن اراد النكاية بأي شخص ان يبحث عمن يحتفظ له بوثيقة شيك ضمان . و سيكون لدى النظام سماسرته في اوقات الشد و الجذب السياسي فيجوبون البلاد بحثا عمن له دين على رجل سياسى او شخص نافذ لكي يشتروا منه دينه بربح فيتسنى لهم ايصال تلك المطالبة الى الجهة التي ستثمنها بدون شك و ستكون المساومة على المواقف احدي الثمرات السياسية التي لا تقدر بثمن . و ستبرز أهمية الاكراه البدني و أساليب شبيكو بما لم يخطر عالى بال شرطة استالين او موسوليني .
و سيكون حال الشعب الموريتاني مصداقا لما عبر عنه الراحل محمود درويش فى اخر جداريته الرائعة …

هذا البحر لي ..
هذا الهواء الرطب لي ..
و اسمي …
و ان اخطأت لفظ اسمي على التابوت
لي ….
أما أنا و قد امتلأت ..
بكل اسباب الرحيل …
فلست لي ..
أنا لست لي …
أنا لست لي …

 

تحقيق / الباحث عبد الله السالم ولد محمدو …

 

 

 

شاهد أيضاً

بدأ اجرٱت دمج قطاع أمن الطرق داخل جهاز الشرطة

أصدر المدير العام للأمن الوطني الفريق محمد الشيخ محمد الأمين الملقّب “ابرور” اليوم الثلاثاء مذكرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *