يقول جل من قائل:( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) صدق الله العظيم.
لقد رسمت الآية الكريمة خيارين اثنين، لكن هناك من البشر من لا يمتثل أيا منهما، فلا هو قادر على الخيار الأول، إذ لا يمتلك الشجاعة الكافية، ولا هو قادر كذلك على الخيار الثاني، لأن الصبر قيمة كبيرة، هو محروم منها، كما حرم من الشجاعة، ويختط لنفسه خيارا ثالثا لم يرد في الآية الكريمة، وهو خيار المكر، والدسائس، والرد عبر الآخرين، والتمترس خلف السراب، لأن الجبان يرى كل شيء قادرا على حمايته، حتى لو كان أضعف منه… ضعـُف الطالب والمطلوب.
إن أقبح أسلوب في الدفاع هو أن تلجأ إلى تعميم الأوصاف السيئة على آلاف البشر، دون تمييز، وأن يدفعك الرعب، والفزع إلى التهجم على خيرة أبناء جلدتك، ممن نذروا حياتهم للدفاع عن الوطن، والمواطن، يسهرون الليالي، لتنام قرير العين في أمن وسلام، يتصدون للأخطار لتعيش براحة، وسكينة، يتركون زوجاتهم، وأولادهم ليرابطوا على الحدود لدرء أي تهديد قادم للوطن، يسعون لفرض الأمن، والاستقرار، ومع ذلك تكافؤهم بقذف حمم الحقد، والبغض من بركان صدرك الثائر، بعد أن اختمر بفعل تراكم كل أمراض القلوب.
إنه لمن المستغرب، والمستهجن، أن يعجز بعضهم عن مقارعة الحجة بالحجة، ويتيقن إفلاس نهجه، وعجز قلمه، ولسانه، فيتوجه إلى حماة الديار، من عسكريين، ورجال أمن، ليصب جام غضبه عليهم، لأنه يدرك مسبقا أنه لن يتلقى ردا بإطلاق النار على مصدرها، لأن أسلحة هؤلاء هي دائما مصوبة نحو الأعداء، ولا وقت لديهم ليضيعوه في الرد على شخص تجرد من كل ضمير، وتسلح بكل حقد.
إن الهجمة الشرسة، والظالمة التي يتعرض لها قادة المؤسسة العسكرية، والأمنية في البلد، تجعل الجميع مطالبا بالتوقف عند ثلاث ملاحظات هامة، لفهم أبعاد هذه الهجمة، وخلفياتها.
أولا: الوطنية، والخيانة…
مصطلحان ضدان، لا يجتمعان، إلا على ألسنة بعض أدعياء الصحافة، ممن يعملون بشكل مكشوف ك”عـُملاء” لدول أجنبية، يحجون إليه بشكل دائم، يقبضون أموالها، مقابل خدمات قذرة، تشمل الإضرار بوطنهم، عبر بيع أسراره لهذه الدول، وعبر الإضرار بعلاقاته بدول مجاورة شقيقة، حيث يسخرون مواقعهم للهجوم على تلك الدول، ويصفون جيشها، بأنه مجموعة من المجرمين، والعصابات..الخ، وقد تحدث رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز ذات مرة عن هؤلاء العملاء من أدعياء الصحافة، وأكد علمه برواتبهم من السفارات الأجنبية، ومعرفته بأسمائهم، وهي التصريحات التي أثارت فزعا هستيريا في نفوس البعض، وجعلته يتبول لا إراديا.. فعن أي وطنية يتحدث هؤلاء العملاء ؟!!
ثانيا: التناقض الفاضح..
بالعودة إلى الأرشيف القريب يتضح جليا أن من يتزعمون اليوم الهجمة ضد من يصفونهم ب”الجنرالات” كانوا بالأمس القريب يغدقون عليهم كل أوصاف الثناء، والإطراء، فما الذي تبدل ؟ وما مصدر صحوة الضمير هذه التي يعيشها البعض متأخرا، وجعلته يصور قادة جيوش موريتانيا، وأمنها بالعصابات، والمحتلين، والمخربين، المفسدين ؟؟؟ .
أقترح على نقابة الصحفيين أن تبحث في أجوبة مقنعة لهذه الأسئلة، قبل أن تنشغل بحربها ضد الأشباح، والأرقام مجهولة المصدر.
ثالثا: لماذا القادة العسكريون تحديدا..؟
ربما لا يجمع الموريتانيون على شيء قدر إجماعهم على أن الجيش، والأجهزة الأمنية هي وحدها المؤسسات النظامية، والمنضبطة، ولذلك تحظى هذه المؤسسات باحترام الشعب الموريتاني بمختلف أطيافه، وهي صمام الأمان – بعد الله- لهذا الوطن، وأهله، لذلك فإن التهجم على القادة العسكريين يبدو غير مفهوم للكثيرين، فالجيش، ومؤسسات الأمن، أكثر انضباطا، واحتراما من الجميع، ويستحقون الدعم، والمساندة من الجميع.
إذا نظرنا بمنطق الأهمية الوطنية، والمردودية، فإن حذاء أدنى جندي رتبة أفضل، وأشرف من رأس أي عميل، مرتق، مهما وصف نفسه، فبدون الأمن، والأمان، لا حرية، ولا صحافة، بل ولا وطن أصلا، وبدون الجيش، وأجهزة الأمن لا أمن، ولا أمان.
إنني أقترح على من يهاجمون القادة العسكريين هذه الأيام باستماتة الجبان أن يوجهوا سهامهم نحو أصحاب الأقلام المأجورة، والأمعاء الخاوية- كما يزعمون- فأن تكون أجيرا لوطنك، أفضل من أن تكون عميلا لجهة أجنبية، وأن تعكون أمعاؤك خاوية، أشرف من أن تكون منتفخ البطن، والجيب من أموال العمالة، والارتزاق، وليكفوا عن الزج بالمؤسسات العسكرية، وقادتها في حربهم القذرة.
أما فكرة التهديد بالضرب، أو القتل، فإن على من يرضى لنفسه بأن يكون عميلا لدولة أجنبية ضد وطنه، ومن يسخر جهده للهجوم على دولة كبيرة في المنطقة، ومعروفة بقوتها الاستخباراتية من هذا حاله عليه أن يتوقع الأسوأ من أي مصدر، وفي أي زمان، ومكان، وعلى نقابة الصحفيين أن تحضر مخزنا من الأوراق لإصدار بيانات التنديد، والإدانة.
دامت المؤسسة العسكرية، والأمنية فخرا للوطن، والرحمة لشهدائها، والنصر، والتوفيق لجنودها، والخزي، والعار لكل عميل جبان.
سعدبوه ولد الشيخ محمد