نواكشوط- تحمل أسماء الشوارع والحارات الشعبية والأحياء السكنية الراقية دلالات مختلفة حول تاريخ وتراث وطبيعة المجتمع، فهي تكشف مستوى عيش ساكنيها وما يعانونه من مشاكل كانقطاع الكهرباء وندرة المياه وانتشار البعوض، بينما تظهر أسماء أخرى الأنشطة الحرفية والاجتماعية السائدة في الأحياء مثل حي “بوحديدة” و”الحي العسكري”، وترتبط بعض الأسماء بالظواهر الطبيعية كاجتياح الجراد أو بجغرافيا المنطقة ومدى رطوبتها وانتشار الملوحة فيها كحي “السبخة” و”ملّح” اللذين سُمّيا بهذين الاسمين بسبب ملوحة الأرض والقرب من البحر.
وتدل أسماء الأحياء الراقية في العاصمة نواكشوط على تمركز الثروة والغنى في هذه الأحياء التي تحمل أسماء “لكصر” (القصر) و”تفرغ زينه” (المنطقة الجميلة) و”لاس بالماس”، بينما ترتبط أسماء الأحياء الفقيرة بمصطلحات شعبية تدل على انتشار الفقر والحرمان وزيادة مؤشرات الإحباط واليأس بين ساكنتها كحي “كبة مندز” و”كبة المعرض”، بينما يلجأ سكان أحياء الصفيح أو “الكزرات” كما يطلق عليها الموريتانيون الى اختيار أسماء جميلة للتخفيف عليهم من وطأة الفقر وطول فترة الانتظار لتشريع أحيائهم كحي “الانتظار” و”الحي الساكن”.
وتحمل بعض شوارع وأحياء موريتانيا اسمين اسما رسميا واسم “الدلع” الذي يطلقه عليها السكان ويصبح أكثر شهرة من التسمية الرسمية، ويجهل غالبية الموريتانيين الأسماء الأصلية لبعض الشوارع والحارات؛ لأنها مدونة فقط في ملفات البلدية وغير متداولة بين الناس.
وقد أثر غياب خطة واستراتيجية لتسمية الأحياء والشوارع بأسماء مناسبة على حياة بعض سكان نواكشوط الذين أصبحوا يشرحون عناوين سكنهم بتسمية البقال والصيدلاني أو أي مؤسسة حكومية قريبة من محل سكنهم، لذلك تغاضت السلطات عن تسمية بعض الأحياء وسمحت لسكانها بتسميتها ثم اعتمدتها السلطات رسمياً فيما بعد كاسم رسمي لهذه الأحياء، ما فتح باب الاجتهاد لاختيار أسماء غير مناسبة رغم شعبيتها.
والغريب ان أحياء موريتانيا لم تحمل اسم أي من القبائل رغم التأثير الكبير للقبيلة على المجتمع، إضافة الى اتخاذ الكثير من العوائل المنتمية الى قبيلة واحدة حياً من الأحياء مقراً لها، وإذا كانت بعض الأسماء الشعبية المحلية لا تحمل معناً معيناً كحي “تنسويلم” وحي “توجنين” وحي “تيارت”، فإن أحياء أخرى اختارت لنفسها أسماء تحكي التاريخ وتحمل دلالات ومعاني سامية وتؤكد ارتباط الكثير من الموريتانيين بالقومية العربية والقضية الفلسطينية كحي “عرفات” الذي يحمل اسم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وهو أكبر مقاطعات البلاد، و”حي القدس” وحي “تل الزعتر”، وشارع “عبدالعزيز الرنتيسي”، وشارع الزعيم المصري “جمال عبدالناصر” الذي يعد أكبر شارع في نواكشوط.
ومن بين جميع دول العالم حظيت السعودية بنصيب الأسد من أسماء شوارع وأحياء نواكشوط بفضل تعلق الموريتانيين بمدن السعودية والمشاعر المقدسة فهناك مقاطعة “الرياض” وأحياء “جدة” و”الطائف” و”المدينة المنورة” و”أم القرى”.
وعكس الكثير من الدول العربية لم يرتبط تغيير أسماء شوارع وأحياء موريتانيا بطبيعة النظام السياسي الحاكم، حيث لم يولِ الرؤساء والسياسيون أهمية لإطلاق أسمائهم على الشوارع والأحياء والميادين لذلك فإن تغيير الرؤساء والإطاحة بهم في الانقلابات العسكرية لم يؤثر على أسماء شوارع نواكشوط، لكن تأثير السياسة على أسماء الشوارع والأحياء في موريتانيا بدا واضحاً في تذبذب العلاقات الثنائية وانقطاعها خصوصا مع العراق، حيث كان هناك الكثير من الشوارع والأحياء التي تحمل أسماء عراقية وتم تغييرها بعد القطيعة مع صدام ومن بين الأحياء التي مازالت تحتفظ بأسماء عراقية “حي البصرة” و”حي بغداد”.
كما تأثرت تسمية الشوارع والحارات بهجرة الشباب نحو الخارج لاسيما هجرتهم الى نحو الإمارات، حيث تم إطلاق أسماء “أبوظبي” و”دبي” و”الشارقة” و”العين” على الشوارع والأحياء المستحدثة في نواكشوط، وأصبح للعمالة الموريتانية هناك تأثير كبير في دفع السكان لاختيار هذه التسمية حيث إن هؤلاء المهاجرين يشترون أراضي وعقارات بهذه الأحياء حين يعودون الى بلدانهم.
يقول الباحث محمد ولد الحضرمي إن “التوسع العمراني المتواصل والامتداد الأفقي لمدينة نواكشوط أدى الى إطلاق أسماء عشوائية عفوية على الأحياء، ما تركت تأثيراً بالغاً على سكانها، فأغلبهم يعجز عن تحديد عنوان سكنه بدقة ويجهل الأسماء الأصلية للشوارع والأحياء فيلجأ الى اسم بقالة أو سوق لتكون نقطة وعلامة يستدل بها أي زائر يود إرشاده إلى مكان سكنه، وهذه المعضلة أثرت على خدمات مهمة مثل البريد والإبلاغ القضائي وألغت خدمات أخرى كاشتراكات الصحف وتوصيل الطلبات إلى المنازل، كما انها أثرت على عمل أصحاب سيارات الأجرة الذين يدخلون في جدال وصراع مع الزبون بسبب عدم توصيف العنوان بالدقة اللازمة”.
ويشير الباحث الحضرمي إلى أن أسماء شوارع وأحياء نواكشوط تحمل مفارقات عدة، فبعض الأحياء يحمل أسماء رومانسية جميلة وأسماء من الطبيعة الخلابة والحقيقة أنها أحياء لا توجد فيها شجرة واحدة، كما ان بعض الأحياء اختارت أسماء لا تناسبها كحي “الدار البيضاء” الذي يعاني تلوثاً كبيراً وحيث القمامة والأوساخ منتشرة في كل مكان، أما حي “دار النعيم” فلا يميزه إلا اسمه أما الحقيقة فهو من أحياء العاصمة التي تشكو الانقطاعات المتكررة في الكهرباء والمياه وقلة المواصلات واهتراء الشوارع، ويعيش سكانه على وقع صراخ وجدال ومناقشات لا تنتهي بسبب الصراع بين سكان منازل الصفيح والمسؤولين الذين تخلوا عن وعودهم بتسوية أوضاع حي الصفيح وتشريع ملكية مساحاته.
ويضيف “الطريف ان أسماء أحياء الصفيح غير مناسبة لها بتاتاً، لكن هذه الأسماء تحث سكانها على البقاء بها وتعويضهم ولو بالاسم عن معاناة سكن “العشوائيات”، فالكثير من المناطق التي ترزح في تخلف حضاري وعمراني تعوضها أسماؤها عن واقعها وتحلق بها نحو أحلام ربما تتحقق في يوم من الأيام، فهناك العديد من الأحياء الفقيرة التي تحمل أسماء مدن دبي والشارقة وأبوظبي بينما الحظائر والأخبية والأكواخ والعروش تتزاحم داخلها وتفصل بينها أزقة متعرجة تغمرها الرمال والنفايات”.
ويرى الباحث أن تسمية الشوارع والأحياء السكنية يجب أن تستمد شرعيتها من تاريخ وثقافة المكان وحضارة البلد، ودعا الى إعادة تسمية بعض الشوارع والحارات التي تحمل أسماء غير عربية بأسماء الصحابة وكبار الشخصيات السياسية والوطنية، وأبرز العلماء والمفكرين والشعراء، بشكل يحترم مكانة كل شخصية.
ودعا الى محاربة فوضى المساكن والأحياء ووضع مخططات عمرانية تحترم المعايير المتعارف عليها وضبط التقري العشوائي والاستيطان الفوضوي في ضواحي نواكشوط؛ لأن هذه العوامل تسبب في إطلاق أسماء غير مناسبة على الأحياء والشوارع.
(العربية.نت)