نبذة عن حركة افلام الموريتانية

501

النشأة والتأسيس
ظهرت “قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين” (المعروفة اختصارا بـ”افلام” FLAM) إطارا سياسيا على خلفية منشور “الزنجي المضطهد” الصادر في 1986، وهي وثيقة سياسية وقعها عدد من الأطر والمثقفين والزنوج، وعُرفت بـ”وثيقة الــ19″ نسبة إلى عدد الموقعين وأغلبهم من عرقية الفلان أو البولار.

نادى المنشور بتعزيز إشراك الزنوج في القرار السياسي وفي المجال الاقتصادي، واعتبر أنهم يعانون من التهميش والإقصاء على أيدي “مجموعة البيظان” (العرب) التي وصفها بأنها “مسيطرة على الدولة” منذ استقلالها عن فرنسا في 1960.

كما نادت الوثيقة بإصلاحات تعليمية تحد مما تراه “سطوة للغة العربية على الحياة الإدارية”، وما يترتب على ذلك من إقصاء للأطر الزنجية ذات التكوين الفرنكفوني في أغلبها.

تُشكك قيادات زنجية وعربية يسارية في صحة نسخة من هذا المنشور تُدوولت على نطاق واسع بالعاصمة نواكشوط في تلك المرحلة، وتقول إن أجهزة استخبارات نظام الرئيس آنذاك معاوية ولد سيدي أحمد الطائع “حرَّفت” المنشور الأصلي الذي وُزع على هامش القمة الأفريقية المنعقدة في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا.

وقد تزامن صدور منشور “الزنجي المضطهد” 1986 مع الذكرى السنوية العشرين لمنشور مشابه وقعه أطر من الزنوج عام 1966، ورفضوا فيه إدماج نظام الرئيس الراحل المختار ولد داداه للغة العربية في النظام التعليمي الذي كان إلى حينها مُفَرْنَساً بالكامل.

تسبب ذلك المنشور في اندلاع مواجهات عنيفة بين الطلاب الزنوج والعرب داخل المؤسسات التعليمية بنواكشوط ومدن وادي نهر السنغال ذات الأغلبية الزنجية. وأدت تلك الأحداث إلى سقوط قتلى ومصابين، وأحدثت شرخا في اللُّحمة الوطنية لم يتعافَ البلد من تبعاته إلى اليوم.

والواقع أن النخب الزنجية أظهرت منذ خمسينيات القرن العشرين نزعة مناوئة للاعتراف بالرافد العربي ضمن مكونات هوية الدولة الموريتانية الناشئة، كما أن نخبا عربية كانت تسعى لقطع ارتباط موريتانيا بعمقها الأفريقي. وهذا الإشكال رغم تشعبه يُمكن فهمه من خلال الموقع الجغرافي لموريتانيا التي ظلت حلقة وصل بين الفضاءين العربي الأمازيغي شمالا والزنجي الأفريقي جنوبا.

المسار السياسي
في عام 1987 -أي بعد مرور أقل من عام على منشور “الزنجي المضطهد”- اتهم نظام ولد الطائع “حركة افلام” بتدبير انقلاب عسكري مستخدمة عناصر عرقية الفلان داخل المؤسسة العسكرية.

مهد هذا الاتهام لقمع كبير لحق بالأطر الزنجية، وصاحبته تسريحات واسعة لهم من المؤسسة العسكرية والإدارة العمومية، بل إن بعضهم جُرد من جنسيته الموريتانية بحجة أن أصوله سنغالية أو غينية أو مالية.

تميزت تلك المرحلة بهيمنة التيار القومي العربي (بشقيه البعث والناصري) على المؤسسة الأمنية والعسكرية في البلاد، وبحضوره القوي في الجهاز الحكومي نظرا لتحالفه مع نظام ولد الطائع. ويرى مؤرخون أن القوميين العرب وجدوا في هذا التحالف فرصة لضرب التيار القومي الزنجي وتكريس “عروبة موريتانيا”.

وفي أبريل/نيسان عام 1989، تفجرت أزمة دموية بين موريتانيا والسنغال ما زالت إلى الآن أسبابها الحقيقية مجهولة، وأدت إلى أعمال قتل وتهجير قسري للرعايا الموريتانيين في السنغال، كما قُتل عدد من السنغاليين ورعايا دول أفريقية أخرى في أعمال عنف بموريتانيا وهُجّر آلاف من الأفارقة إلى السنغال، بعضهم موريتاني الجنسية بحجة أنهم ليسوا موريتانيين في الأصل.

وفي 1990 أعلن النظام الموريتاني إحباط محاولة انقلابية زنجية ثانية، فجرت تصفيات جسدية واسعة راح ضحيتها أكثر من 450 من العسكريين الزنوج، وفق تقديرات منظمات حقوقية. وعلى إثر هذا الوضع؛ تطورت مطالب حركة افلام الزنجية من الإنصاف إلى الاستقلال أو الحكم الذاتي في إطار نظام الفدرالية.

خرجت حركة افلام إلى المهجر بعد أحداث 1989 العرقية، واتخذت من عواصم أفريقية وغربية (أبرزها داكار وأبيدجان وباريس) مراكز لنشاطها الذي اتكأ كثيرا على الملف الحقوقي، عبر إبراز “الفظاعات” التي تقول إن السلطات الموريتانية ترتكبها في حق الزنوج. كما ربطت صلات ببعض أجنحة المعارضة الموريتانية في المهجر خاصة التنظيمات اليسارية.

ظلت حركة افلام عاجزة عن تطوير خطابها وإخراجه من الدائرة الحقوقية، كما أن آفاق المصالحة ظلت مسدودة مع نظام ولد الطائع رغم الانفتاح السياسي الذي دشنه بإقراره دستورا تعدديا، جاء استجابة لضغوط القمة الأفريقية/الفرنسية في مدينة لابول بفرنسا 1991. وبعد سقوط نظامه بانقلاب في 3 أغسطس/آب 2005، رحبت افلام بالتوجهات المعلنة لمرحلة الحكم الانتقالي، لكنها لم تعد من المنفى.

ومع إطلاق نظام الرئيس المدني المنتخب عام 2007 سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله عملية إعادة المهجرين الزنوج من السنغال ومالي إلى موريتانيا، أدركت الحركة أنها فقدت أهم أوراقها فبدأت التفكير في العودة التي تأجلت بسبب انقلاب الجيش على ولد الشيخ عبد الله يوم 6 أغسطس/آب 2008.

أعلنت حركة افلام 2012 أنها تفكر في الرجوع إلى موريتانيا مع دخول البلاد في أجواء الربيع العربي، وأنها “تعتزم نقل نضالها إلى الداخل دفاعا عن زنوج موريتانيا، وبحثا عن فرص عادلة للتعايش سلميا ووديا بين مكونات سكان البلاد”.

وشكلت عودة قادة الحركة 2013 -وفي صدارتهم رئيسها صمبا أتيام ونائبه إبراهيم ميفو- حدثا سياسيا بارزا خاصة بالنسبة لأبناء الشريحة الزنجية الذين رأوا فيها إطارا سياسيا قادرا على التعبير بفعالية كبيرة عن طموحاتهم في العمل السياسي داخل البلاد.

بيد أن معطيات كثيرة كانت قد طرأت على المشهد السياسي المحلي؛ فقد انخرطت فئات واسعة من الزنوج في أحزاب سياسية وطنية تضم جميع الفئات العرقية، كما أن قيادات تاريخية في الحركة أسست أحزابا خاصة بها أو انخرطت في أحزاب أخرى.

ورغم ذلك، فإن حركة افلام أعلنت عام 2014 تحولها إلى حزب سياسي أطلقت عليه “القوى التقدمية من أجل التغيير”، لكنه لم يحصل على ترخيص قانوني رغم ممارسته نشاطاته السياسية على نطاق واسع.

تقول حركة افلام إنها “تعرض على الطبقة السياسية والمجتمعية في البلاد مشروعا مجتمعيا يتأسس على الاعتراف بالتنوع القائم في موريتانيا، والاحترام المتبادل بين مكونات المجتمع. وهو مشروع يثق بقدرته على حل مشكلة التعايش بين مكونات المجتمع الموريتاني إن تفاعلت معه الأطراف المعنية بشكل إيجابي”.

و”تثمن” الحركة ما حصل حتى الآن في “ملف الإرث الإنساني”، ولكنها “تعتقد أنه لا يكفي لتسوية ملف معقد ومتشابك، وترى أن أي حل عادل ومنصف لذلك الملف يجب أن يتأسس على جبر الضرر وتحقيق العدالة بالاعتراف أولا بحقيقة ما جرى، قبل صدور أي عفو عن المتهمين بارتكاب تلك التجاوزات والانتهاكات”.

المصدر : الجزيرة

 

شاهد أيضاً

فعاليات وصول رئيس الجمهورية غزواني إلى كينيا

فعاليات وصول رئيس الجمهورية غزواني إلى كينيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *