إن القارة الإفريقية ليست حديثة عهد، بل هي تُشاطر التاريخ في قدمه، وتحوي آثاراً تدل على عراقة حضارتها الممتدة, وعلى مدنيات متباينة، لكنها غُبِنت كثيراً، وخصوصاً فيما يتعلق بتاريخها الإسلامي، ودخوله إليها وانتشاره فيها، وأُنكر عليها كثير من حقوقها.
اسم إفريقيا: هو اسم القارة الحالي، وكانت تُسمى قديماً «ليبيا»، وكانت مقسمة إلى مناطق رئيسة، ثم أُطلق عليها خلال العصور الوسطى «إثيوبيا»؛ أي قارة السود، وهي مشتقة من اليونانية، ثم استعملت في التعبير عنها كلمة «إفريقيا»، وكانت تشير لدى القدماء إلى منطقة في تونس تُدعى «رأس فري» نسبة إلى قبيلة من البربر، وقد اشتقت الكلمة من تعبير قديم عن المغارة أو الكهف أيضاً، حيث كان أهل المنطقة يسكنون ما يشبه الكهوف، ثم استخدم العرب هذا المصطلح «إفريقيا»، وتخصصت ليبيا وإثيوبيا للتعبير عن المنطقتين الجغرافيتين المعروفتين بهذين الاسمين، بينما استخدمت كلمة «إفريقيا» للتعبير عن القارة جملة.
إفريقيا هي أكثر القارات تحديداً، على عكس أوروبا مثلاً التي يُختلف في تحديدها؛ هل تنتهي عند الأورال أو قبل ذلك، أو بعده؟ أو الأمريكتين؛ أين تنتهي كل منهما؟ أما إفريقيا فهي القارة المتكاملة المتماسكة، شبه جزيرة ضخمة، تتصل بجارتها آسيا بمسافة لا يزيد طولها على 240 كم2 ما بين العقبة والبحر المتوسط، ومن السهل تحديدها عن القارات الأخرى لتماسكها وقلة تعاريجها وجزرها.
– ولإفريقيا شخصيتها المتميزة الواضحة، وخصوصاً في ظروفها الطبيعية, فالقارة قاومت في معظمها الغمر البحري ملايين السنين، ومن ثمّ كانت صخورها الغالبة هي الصخور الصلبة والبنية القديمة، وتفريعاً من هذا كانت الانكسارات والأخاديد تحفر وجه القارة، وإن تنوعت نشأتها، وتباينت أسبابها، على حين اصطفت الالتواءات على أطرافها في المغرب وجنوب إفريقيا، وبعيداً عن القلب، فقلبها جامد.
– تتميز القارة الإفريقية بأن معظمها يتكون من كتلة أو درع صلب قديم, يمتد من جنوب سلاسل الأطلس إلى سلاسل الكاب جنوباً، ويمكن أن يُقارن من حيث التركيب والنشأة بغيره من الكتل القديمة، والواقع أنه لا يمكن فهم بنية إفريقية إلا على ضوء أنها جزء من القارة (جندوانا) القديمة.
– تتألف الكتلة الإفريقية من هضبة واسعة (جندوانيا), تمتد من ساحل غانا في الغرب إلى الصومال في الشرق، ومن الأطراف الجنوبية لإقليم أطلس إلى الأطراف الشمالية لسلاسل الكاب في الجنوب.
– المرتفعات في إفريقيا: لا تُعد جبال أطلس جزءاً من الهضبة الإفريقية؛ لأنها جبال التوائية تكونت حديثاً عند الأطراف الشمالية للكتلة الإفريقية، وتشبهها في ذلك سلاسل الكاب، وزفارتبرج، ولانج برج؛ لأنها هي الأخرى جبال التوائية تكونت عند الأطراف الجنوبية للكتلة الإفريقية، وإن كانت تختلف عن جبال أطلس في أنها أقدم منها في التكوين.
أما المرتفعات الأخرى التي تصادفها في القارة الإفريقية، وبصفة خاصة القمم المنفردة التي تنتشر في كثير من جهات هضبة البحيرات, مثل كلمنجارو وكينيا والجون، ثم مناطق الهضاب العالية التي تعلو سطح الهضبة الإفريقية وبصفة خاصة هضبة إثيوبيا, فقد تكونت جميعاً بفعل الثورات البركانية التي تعرّضت لها الكتلة الإفريقية، ويمكن القول بصفة عامة إن أغلب المرتفعات التي تعلو فوق مستوى الهضبة الإفريقية قد تكوّنت بفعل عوامل التعرية التي ظلت تنحت التكوينات التي تحيط بتلك المرتفعات حتى أزالتها، وبقيت المرتفعات قائمة لصلابتها، فهي بناءً على ذلك تُعد جبالاً مختلفة
الموقـع:
تقع إفريقيا في وسط الكرة الأرضية، ويمر بها خط الاستواء، ليشطرها إلى شطرين متساويين تقريباً، وتحيط البحار والمحيطات بإفريقيا من جميع الجوانب.
– ففي الغرب: يقع المحيط الأطلسي.
– وفي الشرق: المحيط الهندي, وبحر العرب, والبحر الأحمر, وقناة السويس.
– وفي الشمال: تترامى أمواج البحر الأبيض فاصلاً إفريقيا عن أوروبا.
– أما في الجنوب: فيلتقي المحيطان الهندي والأطلسي على صخور رأس الرجاء الصالح.
وقبل افتتاح قناة السويس عام 1869م شكّلت شبه جزيرة سيناء والبحر الأحمر الطريق الرئيسة لاتصال إفريقيا بشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وسائر آسيا، أما البحر الأبيض المتوسط فكان المعبر الرئيس بين إفريقيا وأوروبا، خصوصاً عند مضيق جبل طارق، وبسبب هذا الموقع الاستراتيجي تُعد القارة الإفريقية جزءاً أساسياً من العالم القديم، ومهداً عريقاً لعدة حضارات غابرة، كما أغرى موقع إفريقيا خلال العصر الحديث معظم القوى الاستعمارية للتكالب عليها.
المساحـة:
تبلغ مساحة قارة إفريقيا 30 مليون كم2، وتشكّل خُمس مساحة الكرة الأرضية، وتأتي في المرتبة الثالثة بين القارات من حيث المساحة بعد آسيا وأمريكا.
ثروات إفريقيا:
تتمتّع القارة بثروات طبيعية وموارد ضخمة لم تُستثمر بشكل مثالي في الأعم الأغلب، ولم يُبْدِ الإفريقيون – حتى وقت قريب – اهتماماً كبيراً بما تحويه بلادهم من ثورة معدنية.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أنه ظهر في إفريقيا فنّانون على درجة عالية من المهارة في صهر المعادن وصبّها، كالحديد والنحاس والقصدير والذهب، غير أن هؤلاء كان من عادتهم ممارسة فنّهم في عزلة، وإخفاء مصادر خاماتهم إلا عن نفر قليل جداً من العارفين ببواطن الأمور، كما كانت مواردهم المعدنية محدودة، وطرق صناعتها مجهدة؛ إلى درجة أنه كان من شبه المتعذر – حتى إن أرادوا ذلك – أن ينشروا منتجاتهم في محيط واسع.
أما اهتمام الغرباء بالثروة المعدنية لإفريقيا المدارية فيرجع إلى زمن بعيد؛ غير أن إدراكهم لضخامة هذه الثروة لم يواز اهتمامهم بها إلا في الجيل المنصرم فقط، والاهتمام بالذهب في رأي الكثيرين قديم قدم الفراعنة على الأقل، وإذا كنا لا نستطيع أن نجزم بأن الاهتمام بالذهب يعود إلى عصور التاريخ القديمة؛ فمن المؤكد أنه يرجع إلى العصور الوسطى, فهو اهتمام دُوّن بوضوح على أقدم الخرائط الموجودة لإفريقيا، والتي يرجع تاريخها إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، في الإشارات إلى نهر الذهب أو خليج الذهب، وفي صور الرحالة العرب الذين حملتهم أسفارهم عبر الصحراء ابتداء من القرن الثاني عشر.
وكان الذهب هو الدافع الرئيس لملاحي الدول المسيحية في مياه غرب إفريقيا منذ القرن الخامس عشر، ومع أن قلة صغيرة جداً من هؤلاء الذين ذهبوا إلى إفريقيا المدارية في هذه الفترة – بالبر والبحر – أصابت ثراء من الذهب؛ فإن ما حصلوا عليه كان كافياً لإذكاء الاعتقاد بأن تلال إفريقيا ما زالت تحتوي على كميات من الذهب تفوق ما استخرجه الإفريقيون أو غيرهم منها، ولا يحتاج الحصول عليه إلا إلى تعيين موقعه والحفر من أجله.
بدأ البحث عن الذهب والحفر لاستخراجه بصورة جدية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولكن البحث كان يتمّ عشوائياً، فكان الباحثون يتبعون هواجسهم، وفقدوا أكثر مما ربحوا، وكان من المحظوظين منهم أولئك الذين استمعوا إلى الإفريقيين وعرفوا من أين يحصلون على معادنهم، ولما زادت معرفتنا بالتركيب الجيولوجي للأقليم سار البحث عن المعادن على طرق علمية، وكانت نتائجه أكثر توفيقاً
وتكتسب القارّة الإفريقية أهمّيتها من كونها تشكّل خزّان العالم الاستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأوليّة