كله تاريخنا بأفراحه و أتراحه..

كله تاريخنا بأفراحه و أتراحه.. و من أكثره ألما ما تعرض له مجموعة كبيرة من الضباط و الجنود في 28/11/1991 على يد مجرمين من مؤسستهم العسكرية ، في ظل النظام السابق. هذا لا جدال فيه، و لا جدال في أنه في غاية البربرية تلك التصفية لهذا العدد الكبير خارج نطاق القضاء ! و لأننا لا نريد أن نعطف الكلام في هذا المقام المؤلم ب ( لكن ) حتى لا يفهم أننا نقصد به استدراكا لسحب أو امتصاص مشاعر إخوتنا في الدين و الوطن، فإننا نقول هناك مقاربتين : مقاربة قضائية و وجيهة تقتضي تحديد القتلة و محاكمتهم على جرائمهم، و من بعد يصفح أصحاب الحق عن المذنبين لصالح الوطن ، أو يرفضون العفو عنهم ، فيذهب المجرمون إلى القصاص !
المقاربة الثانية ، مقاربة سياسية، و تقتضي إدراكا عميقا لمدى تعقيد هذا الملف و ما قد تجره المقاربة القضائية من جذب للمجتمع الموريتاني القبلي – الفئوي- الإثني إلى صدام عرقي يحرق الجميع بنيران المواجهات في ظل دولة وطنية لم تفلح أنظمتها السياسية المتعاقبة في ترسيخ مؤسساتها لتحل محل البنية القبلية و الإثنية في المجتمع. و عندما تطبق المقاربة القضائية في ملف هؤلاء الضحايا ، فسيذهب البلد برمته نحو هاوية سحيقة لن يسترد فيها أصحاب الحق حقوقهم، و لن يعود بسببها الضحايات إلى الحياة مرة ثانية، بكل ألم ، بل سيغرق البلد في بحر من الدموع و الدماء!
و مراعاة لهذه الحقيقة، فإننا نسجل وجاهة المقاربة القضائية في معاقبة المذنبين ، و نتفهم بصدق مصداقية المطالبة بها، و كنا سنكون في طليعة من يدعمها، لو أن بلدنا ارتقى إلى مستوى من المؤسسية الدولتية التي تحصنه من الانزلاقات القبلية و الاثنية الغرائزية في مثل هذه الملفات المعقدة و الخطيرة، التي ابتلاناها بها ذلك النظام !
و عندما يكون شعب في غاية التشرذم الاجتماعي ، مثل شعبنا ، و في أقصى درجات التدابر و انعدام الثقة بين مكوناته، و في ظروف دولية ملتهبة ، فإننا نحجم عن تلك المقاربة القضائية في تسوية ملف ال 28 من منتسبي القوات المسلحة الذين قتلوا في في 28/11/1990 ، خوفا من نتائجها الثقيلة جدا، و ندعم المقاربة السياسية – الأقل منها وجاهة في الظروف الوطنية و المؤسسية المعينة- التي تتعالى على الألم ، في مقابل زرع الأمل بوضع إصلاحات لبنية الدولة الوطنية تؤمن مستقبلا من العيش الكريم المشترك بين جميع مكونات شعبنا .. و ستلاحظون أني لم أتكلم عن التعويضات المادية ، إذ لا يعوض فلذات الأكباد إلا درجة عالية من الإيمان بالله، و إلا مستوى عال من الوطنية ، و الحرص الشديد على السلم الوطني، و الوعي الكامل بأن ما يجلبه التسامح و الصبر و التعالي على الجراح و الأحزان خير و أبقى مما سيجلبه الافتتان و خراب الوطن و الغرق في مزيد من الدموع و الدماء بالنسبة للجميع !
نسأل الله أن يرحم ضحايا 28 نوفبر و يتقبلهم شهداء، و يعظم لذويهم أجرهم في مصائبهم العظيمة ، و يفتح – بفعل تعاليهم على الألم – مستقبلا من الأمن و الاستقرار و الرفاه و العدالة ينسيهم أحزانهم، و يبدل أتراحهم أفراحا مع مواطنيهم من العرب ، الذين ليسوا مسؤولين عن جرائم الأنظمة الفاسدة و الاستبدادية، بل تربطهم بالفلان و الزنوج قرون و قرون من الود و صفاء المحبة و الامتزاج السلالي و العقيدة الإسلامية ، و حسن الجوار …

من صفحة رئيس حزب الوطن
محمد الكوري ولد العربي

شاهد أيضاً

بشرى سارة لساكنة كيفه

بشرى سارة لساكنة كيفه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *