خالد الفاظل يبدع كعادته …

 

مرآة الحلاق!

بسبب الإقامة الجبرية أو المنفى الاختياري في حي صكوكو الراقي نسبيا بالمقارنة مع الموطن الأصلي بمنخفضات توجنين. ونظرا لبعدي الجغرافي عن الحلاق الشخصي في الحي الإداري في توجنين. وحلاقي مهاجر ينحدر من غانا يؤجر محلا صغيرا يتخذه مسكنا ومصدرا للرزق في نفس الوقت. إذا أزحت ستار بابه يقابلني بابتسامة ناصعة البياض وبنظرات تذكرني بملامح الزعيم الغاني الراحل الذي صاهر العرب “كوامي نكروما”، ثم يتجاذب معي حديثا بلا أطراف وبلا تفاصيل، تغذيه إنكليزية تنتهكُ فيها الأزمنة وحسانية خالية من فصاحة بني معقل. أفهمته منذ البداية أنني على مذهب زين الدين زيدان ورجال الدين في أقليم التبت في الحلاقة، وأن لا تأخذه رأفة ولا رحمة بالهلال الخصيب. كان يأخذ أجرة مستقرة، 300 أوقية قديمة تفوح منها روائح الادخار، لكنني عندما نزلت مقيما في غابة الأسمنت صكوكو وكر البروجوازيين الجدد أدركت بأن زيارة الحلاق ستكون مختلفة هذه المرة ولن تحظى بالتمييز الإيجابي.

دلفت محل حلاقة فسيح مغطاة أرضيته بالرخام ومطرزته جدرانه بالمرايا الكبيرة. لكن الحلاق لم يكن سعيدا كما يبدو عندما بدا مقطب الجبين ويتثاقل في توليد الكلمات، متذمرا كما يبدو من الإغلاق المبكر. جلست على المقعد ولف حولي لحافا وأنا أنظر لوجهي في المرآة، بدا وجهي بعيدا كأنني أرى صورتي داخل مياه ساكنة في قعر بئر بإحدى واحات النخيل البعيدة. قبل أن يعقم أدواته سألته عن أسعار الحلاقة؟ أجابني بلغة خفيضة لم أتبينها، أعدت السؤال مرارا ليجيبني بأنها 2000 أوقية قديمة، الف للذقن والف للرأس. قلت ممازحا إن رأسي غير مكتمل الأبعاد. لكنه بدل أن يستقبل المزحة بمزحة أحسن منها تملكه غضب صامت. كنت مستعدا أن أضحي بالف أوقية من صندوق كورونا بما أنني اعتدلت جالسا على المقعد. لكنه رأى شيئا لم أره أنا ربما، وقال لي اسمح لي لم أعد مستعدا للحلاقة وانسحب! فجأة أحسست الشيطان يكور الغضب في دخيلتي ليخرجه كره ملتهبة من الكلمات الحادة والمتصاعدة. لكنني تذكرت وصية الرسول عليه السلام: “لا تغضب”. كما أنني لا أجيد الشجار اللفظي، والكلام ربما يخرج هواء محملا بفيروس كورونا ويصاب أحدنا بالعدوى. كما أننا وحدنا في محل مليئ بالأدوات الحادة والرجل ربما يمر بمشاكل عميقة لا أعرفها ومزاجه متعكر وربما يفقد أعصابه وهذا ما شعرت به نظرا لحسن فراستي بطبائع الناس. اعتقادي راسخ بأن التحكم في الأعصاب يجعلنا نحتفظ بزمام المبادرة دائما ونفكر بشكل منطقي بعيدا عن التعصب والقلق المضران بالصحة. خسر الحلاق للأسف الف أوقية كان يمكن أن تساعده في الإيجار أو في مصروفه اليومي. هناك مثل صيني يقول: “إذا كنت لا تستطيع الابتسامة فلا تفتح دكانا”

وضعت لثامي وخرجت من المحل، مررت بالدكان وابتعت من عنده أربع شفرات للحلاقة بمبلغ 200 أوقية قديمة، ودخلت اليوتيوب وبدأت تصفح تجارب الحلاقة الذاتية. عدت للمنزل ودخلت الحمام وقمت بنفس الحلاقة التي كنت أقوم بها سابقا وباستخدام شفرتين فقط، أدركت مدى بساطة الأمر وأنه لا يتطلب النظر إلى مرآة الحلاق. سأترك محلات الحلاقة لزبنائها من أصحاب الرؤوس المتوثبة والكثيفة. حان الوقت للاستفادة من الصلع واستغلال ميزانية الحلاقة فيما هو مفيد ومثمر. لو أن الحكومة فكرت بهذا المنطق في ترشيد الإنفاق لكانت خزينتها تكتظ بالأموال. لا أعرف كم يدفع رئيس البلاد ثمنا لحلاقة رأسه، بما أنه ينتمي لشريحتنا التي تبتزها شركات زراعة الشعر وتستنزف جيوب أتباعها غير الواثقين من أنفسهم للأسف. لو أنه اتبع طريقتي في الحلاقة الذاتية بما أنه على مذهب زين الدين زيدان في الحلاقة، وتبرع بأقساط الحلاقة لصندوق كورونا للمسنا فيه جدية الإصلاح، فالإصلاح هنا لا يتطلب موارد غزيرة ومتشعبة، يتطلب فقط حسن التسيير ومحاربة الفساد بشكل صارم وكفى.

هنا صكوكو. الحياة بسيطة والسعادة فيها غير معقدة ولا تتطلب الكثير من إظهار الرسميات وابتلاع كلام الناس لجعله مقياسا لتقبل الذات. تذوقوا الحياة بألسنتكم وليس بألسنة الآخرين، ثم حافظوا على سلامة قلوبكم من البغضاء والأحقاد تعيشون بسلام.

الساعة 01:20 وأقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

شاهد أيضاً

الشيخ ابراهيم ولد سيدي عثمان التنواجيوي