إن الحديث عن العبودية في موريتانيا لايمكن أن يأخذ مساره الصحيح إلا إذا استند بكل موضوعية وحياد إلى المسار التاريخي المجرد للمسألة التي لاتزال إلى حد قريب مجهولة الجذور والمعطيات شأنها في ذالك شأن الكثير من المعطيات التاريخية المحلية التي تحتاج إلى غربلة تاريخية بمنهاج علمي يمكن من الوصول إلى حقيقة واحدة عكس الجقائق المتعددة والمتجذرة في أذهان البعض
لنسلم جدلا بأن ممارسة الإسترقاق كانت قضية سلبية مشينة ومقززة إلى حد الإشمئزاز في كثير من حيثياتها إلا إنها وبعد ولادة الدولة المركزية أصبحت تتخذ أبعادا إجابية علي المستوي الرسمي
تعتبر المشكلة في جذورها نابعة من الغبن الطبقي الذي مارسه المجتمع في فترات تاريخية متعاقبة وغذته الصراعات القبلية والشرائحية التي كانت الطابع المميز للمجتمع نفسه
الشيئ الذي جعل الكثير من سكان هذا البلد المتخلف أصلا يجدون أنفسهم متخلفين أكثر لالشيئ إلا لأنهم أبناء الطبقة التي مورست عليها العبودية في فترة معينه
إن الضرب علي وتر الوحدة الوطنية والإنسجام الإجتماعي والتعايش السلمي لايمكن أن يكون له صدى إلا إذا انطلقنا من مبدء موضوعي نرى من خلاله الإختلالات الضاربة في عمق المجتمع من زوايا متعددة وبمناظر مختلفة فاحصة ومستبصرة تستجلي تركة الماضي وتتقاسم وفرة الحاضر وتستشرف مستقبل الدولة التي نأمل أن تكون غدا على مستوي الإستثمار في أفكار أبناء الوطن الواحد
ليس من الترف الفكري ولااللغوي السجالي إذا طالب أبناء الأرقاء السابقين بإعادة الإعتبارالمعنوي والإعتذار العلني من أبناء طبقة الأسياد ومن غير المنطقي أن تكون في الأمر مزايدة إدا كان من غير الممكن لأبناء الأسياد السابقين التخلي عن التفاخر بأمجادالأباء والأجداد وبطولاتهم التي تتجاوز حد الأسطورة في مداآتها المختلفة لأن من يتأثر إجابا ببنوته لأي كان يجب أن لايتنصل من المسؤولية السلبية له ولو من الجانب الأخلاقي علي الأقل
إن من واجب الدوله رسم سياسات واضحة من أجل إعادة توزيع الثروة البشرية والمادية لهذا الوطن بخلق لامركزية حقيقية تمكن الإدارة بكل مكوناتها الإقتصادية والصحية والتعليمية من التدخل البناء على امتداد الداخل )السحيق( الذي يحوي الخزان البشري الحقيقي لأبناء المهمشين
إن ردات الفعل المتلاحقة والمتكررة والمتطرفة أحيانا طبيعية للفعل نفسه وللـآثار التاريخية المترتبة عليه في أكثر حالاتها وقد شكلت في الكثير من تجلياتها الصعقة التي أيقظت المجتمع من سباته وولدت لديه وعيا بخطورة الوضع الإنفصامي الذي يسكن ذاته لكنها في المقابل حفزت لدي بعض منظريها شهية الإنتقام غير المبرر وعززت لديهم نظرية إثبات الذات بإنكار اللآخر وذهبت بهم إلى حد التنكر للحاضنة الإجتماعية والهوية الثقافية والدينية
لقد ساهم الإعلام المتفلت من عقاله في معظمه في إذكاء جذوة نار متأججة كان من الأجدر به أن لاتكون بدايات الإبداع والرقي فيه هشيما لها
فالإعلام الراقي لايقاس بمستويات الإثارة بقدر ما يقاس بمستويات ترشيد الحرية وسيطرة العنصر البشري على الإستخدام الأمثل لها
إن اقتناع واقتناع الجميع بمبدإ أخذ الحقوق هو الضامن الوحيد لتعزيز الإندماج والوحدة الوطنية بين مختلف المكونات الأهلية كما أن التحرر من عقدتي التعالي والدونية يشكل هو الآخر حجر الزاوية والمنعرج السليم في البعد التصالحي للقضية من أجل بناء موريتانيا موحدة مجسدة في إرادة شعب ناضج في العيش المشترك
بقلم : الحسن ولد بناهي