الفقر والتخلف والديكتاتورية أبرز تداعياتها 186 انقــلابًا في افريقيا

00000afreca

مع الحديث عن أنقلاب بوركينا فاسو الجديد تؤكد القارة الإفريقية من جديد أنها مهد الانقلابات ولعل أبرز الانقلابات التي شهدتها القارة السمراء كان انقلاب الرئيس الزائيري السابق (موبوتو سيسكو) على رئيس الوزراء الكونغولي حينذاك (باتريس لومبامبا) بعد إلقاء الأخير خطابًا شرسًا أمام ملك بلجيكا محملاً الأخيرة مسؤولية المآسي التي يعانيها شعب الكونغو الذي تحول بعد الانقلاب إلى زائير، وفتحت معه أبوابها أمام الشركات الغربية التي سطت بدعم من موبوتو على ثروات الشعب الكونغولي من ماس وذهب ويورانيوم، وحولته إلى أكثر شعوب العالم تخلفًا رغم امتلاكه لثروات تؤهله ليصبح أغنى شعوب الأرض من أقصاها إلى أقصاها.
وقد ضربت الانقلابات العسكرية القارة الأفريقية من أقصاها إلى أقصاها وتورط عملاء ومرتزقة هذه الأجهزة وعلى رأسهم العقل المدبر للانقلابات في أفريقيا (بوب دينار) الذي اجتاح جميع بلدان القارة من جزر القمر لبنين لبوركينا فاسو لليوتو وساتومي، وهي انقلابات صبت جميعها في خدمة المشروع الاستعماري الغربي.
ولا يمكننا في هذا المقام تجاهل عديد من الطرائف التي اتسمت بها الانقلابات في أفريقيا، ففي غينيا مثلاً لم ينتظر الرئيس الغيني (لانسانا كونتي) أكثر من أسبوع على وفاة الرئيس (أحمد سيكوتوري) للقيام بانقلاب عسكري والاستيلاء على السلطة التي هيمن عليها كونتي لمدة 26 عامًا.
غير أن هذا السيناريو تكرر في غينيا بعد هذه المدة ولكن كان سريعًا فلم ينتظر الانقلابيون بقيادة النقيب (موسى كمارا) وصول جثة كونتي إلى المقبرة واستولوا على السلطة، وألقوا القبض على كل رموز نظامه وأجبروهم في إطار صفقة على الإقرار بشرعية انقلابهم.
وطالت الانقلابات أغلب الدول الأفريقية ومنها بلدان عربية، فمثلاً وقع الشعب الموريتاني ضحية لأكثر من 16 انقلابًا منذ استقلال موريتانيا عن فرنسا في ستينيات القرن الماضي بدء بالإنقلاب على الرئيس المختار ولد داداه ثم الانقلاب الذي قاده الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع على الرئيس الموريتاني هيداله عام 84 حتى وقع الانقلاب الذي قاده العقيد علي ولد فال على ولد الطايع مستغلاً وجوده في المملكة العربية السعودية لتأدية واجب العزاء في وفاة العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز بعد إخفاق 17 انقلابًا في الإطاحة بولد الطايع.
ومهد انقلاب ولد فال لتسليم السلطة لحكومة ديمقراطية بقيادة سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي وصل للرئاسة في انتخابات شفافة نادرًا ما تعقد داخل العالم العربي، لكن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح وأطلت الانقلابات برأسها على موريتانيا من جديد إطلالة أوصلت العسكر إلى السلطة بقيادة الجنرال محمد ولد عبدالعزيز رئيس المجلس العسكري.
ومن موريتانيا لنيجريا التي شهد تاريخها انقلابات عديدة أوصلت العسكر لسدة السلطة، ولم يخلُ الأمر من تذمر العسكر من نتائج انتخابات جاءت بعد خروج الرئيس النيجيري (إبراهيم بابانجيدا) والذي وصل السلطة عبر انقلاب، وأوصلت الناشط السياسي (مسعود ايبولا) للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وهي النتائج التي لم ترق للعسكريين بقيادة الجنرال عبد السلام أبو بكر الذي ألغى هذه الانتخابات ومهد لتسليم السلطة للجنرال (محمد ساني آباتشا) الذي لقي مصرعه في ظروف غامضة، وبعدها وصل للسلطة (أوباسانجو) النصراني الأول الذي حكم البلاد لحقبتين عمل خلالهما على تكريس الهيمنة النصارى على المجتمع وتهميش المسلمين رغم أن نسبتهم لعدد سكان البلاد تزيد على 70%.
تجربة مريرة
واللافت أن أغلب الدول الأفريقية سواء أكانت عربية أم أفريقية بدأت تجربتها الحديثة في انقلابات عسكرية سواء في مصر أم في الجزائر أم في ليبيا أم في السودان أم في الصومال، رسخت هيمنة النخبة العسكرية على السلطة وسمحت لها بالتدخل في الوقت المناسب لضبط الأوضاع بما يحلو لها مثلما حدث في الجزائر عام 1992م عندما ألغى الجيش الجزائري واسع النفوذ نتائج انتخابات كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وشك الفوز بها فاتحًا الباب أمام حرب أهلية خلفت أكثر من 200 ألف قتيل بحسب إحصاءات شبه رسمية.
ولم تكن دول مثل سيراليون والجابون ومالي ومالاوي وبوركينافاسو ورواندا وبورندي وأوغندا بعيدة عن الانقلابات؛ حيث عانت منها هذه الدول وفقد ملايين المواطنين حياتهم بسبب الصراع على السلطة كما حدث في رواندا عام 1994م عندما لقي ما يقرب من مليون شخص مصرعهم على أيدي ميليشيات الهوتو قبل أن تتدخل قوى دولية وإقليمية لتطردهم من السلطة.
واللافت أيضًا أن الانقلابات العسكرية كانت وبالاً على شعوبها، وأكدت مدى النفوذ الذي تتمتع به القوى الاستعمارية في البلاد، فضلاً عن ضلوع الشركات متعددة الجنسيات في هذه الانقلابات لاسيما إذا كانت النخب الحاكمة لا تدعم مصالح هذه الدول أو تفتح لها الباب على مصراعيه لنهب ثروات هذه الشعوب مقابل عمولات ضخمة تدخل جيوب الطغاة والانقلابيين.
وكان لافتًا أن الانقلابات العسكرية في القارة السمراء تتسم بالدموية ولعل ما حدث في أفريقيا الوسطى وأوغندا لدى إطاحة الرئيسين باناسيه وعيدي أمين تكشف عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتدمير ونهب مؤسسات الدول واغتصاب النساء والقصر لدرجة أن رئيسًا أفريقيًا (فرانسوا أبوزيزا) قد دافع عن انقلابه مؤكدًا أن خوفه على مواطنيه ورغبته في إنقاذ الجوعى والفقراء كان الدافع للانقلاب كأن الأوضاع قد تحسنت بعد انقلابه أو انقلاب أي من العسكريين الأفارقة.
40 مليون لاجئ
وقد ذكر عديد من التقارير أن نتائج ما يقرب من 186 انقلابا عسكريًا و26 صراعًا كبيرًا على السلطة في أفريقيا كانت كارثية بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ فقد تسببت هذه الانقلابات في مقتل ما يقرب من 10 ملايين أفريقي وتحويل ما يقرب من 40 مليونًا إلى لاجئين أغلبهم فقد الأمل في العودة لبلاده نتيجة انعدام الأمن ولاسيما في بلدان مثل الكونغو الديمقراطية والصومال وغيرهما؛ حيث عانت هذه البلدان لعقود طويلة من الاضطرابات والمذابح بسبب هذه الانقلابات بل إن هناك شكوكًا قوية حول عودة الاستقرار إليها من جديد.
وضربت المجاعة ما يقرب من 50 مليون أفريقي نتيجة الأوضاع الاقتصادية المعقدة وتراجع الصادرات من أغلب الدول وانهيار المؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية؛ بحيث غدت القارة الأفريقية أكبر مورد للأمية في العالم.
ولم تتوقف كوارث الانقلابات عند هذا الحد، بل هي مسؤولة بحسب مراكز دراسات رفيعة المستوى مثل مركز استنافورد في واشنطن عن تدني الأوضاع الاقتصادية، فمعدلات النمو لا تتجاوز 1% سنويًا وانخفض الدخل القومي لمواطني أغلب بلدان القارة إلى أقل من 350 دولارًا في العام؛ حيث سيطرت الدول الأفريقية على قائمة تضم 57 دولة هي الأكثر فقرًا في العالم.
وقد أفسحت هذه الانقلابات المجال أمام أجهزة الاستخبارات الغربية للسيطرة على القارة الأفريقية وللسطو على ثرواتها والتحكم في اختيار النخب الحاكمة بها ما داموا يسيرون في الفلك الغربي، وكذلك فتحت الباب على مصراعيه أمام منظمات التنصير لأن تعيث فسادًا في جميع بلدان القارة لدرجة أن عددها زاد على 600 منظمة تعمل في خطين متوازيين، أولهما العمل على تنصير البلدان الأفريقية وتذويب هوية مواطنيها المسلمين أو الوثنيين على حد سواء والثاني التآمر على استقرار هذه الدول وإشعال الحروب الأهلية بها كما حدث في نيجيريا وساحل العاج والسودان ودعم مساعي الأقليات النصرنية للسيطرة على السلطة.
النتائج الكارثية للانقلابات العسكرية في أفريقيا حدت بالاتحاد الأفريقي من بداية التسعينيات من القرن الماضي وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي إلى التصدي لهذه الانقلابات وعدم الاعتراف بالسلطة التي تشكل بوصفها نتيجة لها، وفرض عقوبات اقتصادية على الانقلابيين، غير أن هذه القيود ورغم نجاحها في الحد من الانقلابات إلا أنها لم تستطع منعها بل إن كل التقارير تشير إلى أن هذه الانقلابات ستطل برأسها من جديد خلال السنوات القادمة في ظل نجاح الانقلابات المتتالية في موريتانيا وغينيا ومدغشقر في تثبيت أركانها في السلطة رغم تهديد الأفارقة والغرب على حد سواء بمخاطر هذه الانقلابات.

فشل الدولة
وعن أسباب سيطرة النهج الانقلابي على دول القارة السمراء بدأ فشل أفريقيا في تبني نهج الدولة الحديثة وسيطرة النزعات القبائلية والعرقية على المواطنين؛ جعل ولاء المواطن للقبيلة لا للدولة مما شجع على الانقلابات لخدمة قبيلة ما وتكريس هيمنتها على السلطة.
بالإشارة إلى أن أجهزة الاستخبارات الغربية تتحمل مسؤولية كبيرة عن هذه الانقلابات؛ حيث دعمت ومولت الانقلابات العسكرية المختلفة والأكثر دموية من أجل تنفيذ أجندتها وتكريس سيطرة الدول الاستعمارية السابقة على هذه البلدان والسطو على ثرواتها بأقل الأسعار.
ويرجح أن تستمر الانقلابات العسكرية وتتصاعد وتيرتها في المرحلة القادمة في ظل تزايد الاهتمام الأمريكي بالقارة السمراء وتصاعد الصراعات والأطماع الغربية حولها بين فرنسا والولايات المتحدة، مع العلم أن معارضة الغرب لهذه الانقلابات لا يعني رفضه لها بكل حال من الأحوال.
كما أن تشبث العسكر بالسلطة وكذلك الشخصيات التي وصلت لمناصبها بانقلابات أو بطريقة ديمقراطية مثلما حدث في كينيا أو عدم قبول نتائج الانتخابات مثل زيمبابوي يجعل استمرار الانقلابات العسكرية أمرا غير مستبعد مهما كانت نتائجها الكارثية على مواطني أفريقيا.
رؤية للحل
البحث عن رؤية للحد من هذه الانقلابات على رأسها تصدي الاتحاد الأفريقي لهذه الانقلابات بصرامة، وعدم قبول أي حلول وسط مع الانقلابيين ومعارضة أي تسويات يلجأ إليها الانقلابيون لـ«شرعنة» أوضاعهم وتعليق عضويتهم في مؤسسات الاتحاد.
والعمل على تعزيز الثقافة الديمقراطية ونشر الحكم الرشيد ووضع قواعد لانتقال السلطة وإلزام القيادات الحالية بقبول نتائج الانتخابات؛ عوامل أساسية لإبعاد شبح الانقلابات المسؤول عن الكوارث والمشكلات التي تواجه القارة السمراء.
مع أن جهود إبعاد شبح الانقلابات يحتاج لسنوات طويلة قبل أن يؤتي ثماره، ولاسيما أن هناك أنظمة حكم وصلت للحكم ارتكبت تجاوزات لا تختلف كثيرًا عن أنظمة القمع العسكرية، وهو ما يشير إلى أهمية نشر الحكم الرشيد والشفافية والعدالة الاجتماعية، حتى لا نفاجأ بتأييد الشعوب لهذه الانقلابات متغاضية عن آثارها الكارثية.

شاهد أيضاً

قرار قضائي بخصوص عزيز

أذن القضاء الموريتاني للرئيس السابق محمد ولد عيد العزيز بالخروج من السجن لإيداع ملف ترشحه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *