في السنة قبل الماضية كتبت مقالا تناولت فيه ظاهرة التقريظ عند الشناقطة، وكان من الأسباب التي دعتني إلى ذلك، أني سمعت أن أحدهم ألف كتابا في الفقه، وأنه يطوف به بين بيوت أهل العلم ملتمسا منهم التقريظ.
وقد تساءلت يومها هل كثرة المقرظين دليل علي صحة المعلومات الواردة في الكتاب أم لا؟ وفي هذه السنة وقعت عن طريق الصدفة علي كتاب يجمع له صاحبه التقريظ، وعند ٳلقاء النظرة الأولى عليه، لاحظت أنه خال كليا من العلامات المعهودة اليوم في الكتابة، والتي هي عبارة عن رموز اصطلاحية معينة، توضع بين الكلمات أو الجمل أثناء الكتابة؛ لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء،
وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية، تيسيراً لعملية الإفهام من جانب الكاتب أثناء الكتابة، وعملية الفهم على القارئ أثناء القراءة. لهذا السبب قررت أن اكتب عن هذه العلامات ، وأهميتها في الوقت الراهن، بدون أن أبالغ وأقول ما قاله الجابري، الذي يري أن كل نص اليوم يحتاج ٳلى هذه العلامات، ولو كان نصا قرآنيا،
وبالطبع فان كلام الجابري هذا لم يسلم من أقلام الفقهاء المعاصرين حيث ٳتهموه بأنه جهل أو تجاهل خصوصية النص القرآني فالقرآن- وكما هو معلوم- نص أعلي وأسمي من النصوص اﻷخري ،فهو ليس من وضع البشر.
ومن بين العلماء الذين ردوا علي كلام الجابري العالم الرباني محمذن بن المختار بن محمودا، و سأقوم بنشر رده لاحقا فهو كلام في منتهي الروعة والجمال.
ٳن ما أود قوله هنا هو أن هذه العلامات تسهل الفهم على القارئ، وتجود إدراكه للمعاني، وتفسر المقاصد، وتوضح التراكيب أثناء القراءة، لذالك فانه ينصح بها لأهل العلم وبالأخص المحظريين منهم سواء كان ذلك في فترة التحصيل أو ما بعد ذالك. لقد بدء العرب باستخدام هذه العلامات قبل حوالي مائة عام بعد أن نقلها عن اللغات الأخرى أحمد زكي باشا بطلب من وزارة التعليم المصرية في حينه، وقد تم إضافة ما استجد من علامات، وإشارات فيما بعد.
وأهم هذه العلامات هي:
1- الفاصلة، ويطلق عليها أيضا الفارزة، والشولة (،) 2- الفاصلة المنقوطة (؛) 3- النقطة (.)4- (النقطتان) 5- (الشرطة) 6- (الشرطتان) 7 (الشرطة السفلية) 8- (علامة الاستفهام) ( ؟ ) 9- علامة التأثر، أو التعجب ( ! ) 10- علامة الحذف ( … )
وقد أضيفت اليها لاحقا علامات، منها علي سبيل المثال: 1- علامة التنصيص ( « » ) 2- القوسان ( ( ) ) 3- القوسان المستطيلان [ ] 4- الأقواس المثلثة (< >) 5- الإشارة المائلة ( / ) 6- الإشارة المائلة المعاكسة ( \ ) 7- إشارة القوة المرفوعة ( ^ ) 8- إشارة الضرب ( * ) 9- إشارة العطف ( & ).
ويمكن تقسيم هذه العلامات إلى أربعة أنواع في سياق وظيفتها في الكتابة هي:
1- علامات الوقف: ( ، ؛ . )؛ تمكن القارئ من الوقوف عندها وقفاً تاماً، أو متوسطاً، أو قصيراً، والتزود بالراحة أو بالنفس الضروري لمواصلة عملية القراءة.
2- علامات النبرات الصوتية: ( : … ؟ ! )؛ وهي علامات وقف أيضا، لكنها – إضافة إلى الوقف – تتمتع بنبرات صوتية خاصة وانفعالات نفسية معينة أثناء القراءة.
3- علامات الحصر: ( « » – ( ) [ ] )؛ وهي تساهم في تنظيم الكلام المكتوب، وتساعد على فهمه، ويمكن اليوم إضافة الألوان التي أصبحت تؤدي نفس الغرض.
4- علامات الإشارات المستخدمة في البرمجة آو الرياضيات مثل ( < > * & ^ \ [] ).
ويمكن إجمال أهمية هذه العلامات في النقاط التالية:
1. أنها وكما ذكرنا انفا تسهل الفهم على القارئ، وتجود إدراكه للمعاني، وتفسر المقاصد، وتوضح التراكيب أثناء القراءة: يتضح ذلك من خلال المثال التالي: ما أحسن الرجل، ما أحسن الرجل! ما أحسن الرجل؟ فهذه الجمل الثلاث مختلفة في المعنى، لا متكررة، على الرغم من أنها بدت في الظاهر جملة واحدة مكررة ومكونة من الكلمات الثلاث نفسها؛ فالنقطة جعلت الجملة الأولى جملة خبرية منفية بـ (ما) النافية، وعلامة التأثر جعلت الجملة الثانية جملة تعجبية و(ما) تعجبية بمعنى شيء، وعلامة الاستفهام جعلت الجملة الثالثة جملة استفهامية، وما اسم استفهام.
2. أنها تعرفنا بمواقع فصل الجمل، وتقسيم العبارات، والوقوف على المواضع التي يجب السكوت عندها، فتحسن الإلقاء وتجوده.
3. أنها تسهل القراءة، فتجنب القارئ هدر الوقت بين تردد النظر، وبين اشتغال الذهن في تفهم عبارات كان من أيسر الأمور إدراك معانيها، لو كانت تقاسيمها وأجزاؤها مفصولة أو موصولة بعلامات تبين أغراضها، وتوضح مراميها.
فالزمن الذي يحتاجه القارئ لفهم النص المرقوم أقصر بكثير من الزمن الذي تتطلبه قراءة النص غير المرقوم.
4. أنها في تصور الكاتب، مثل الحركات اليدوية، والانفعالات النفسية، والنبرات الصوتية التي يستخدمها المتحدث أثناء كلامه؛ ليضيف إليه دقة التعبير وصدق الدلالة.
فهي تشبه الحركات الجسمية والنبرات الصوتية التي توجه دلالة الخطاب الشفوي.
كما أنها تشبه إشارات المرور في تنظيم حركة السير، وللوحات الإرشادية المكتوبة على الطرقات، التي لولاها لضل كثير من سالكي تلك الطرق. أنها تنظم الموضوع، وتجمل لغته، وتحسن عرضه؛ فيظهر في جمالية خاصة تريح القراء، وتدفعهم إلى القراءة والاستمتاع بها.
ذ/ محمد فال ول خطري