في 25 نوفمبر 1960 وبقرار رسمي تم إنشاء أول جيش للجمهورية الإسلامية الموريتانية أطلق عليه “الجيش الوطني ” ومنذ ذلك الوقت والمؤسسة صرح ثابت ومتماسك ،ومدرسة وطنية ينهل منها كل وطني حر ، ويشرب من قيمها ومفاهيمها التي تجعل منه رجلا مسؤولا.
مرت هذه المؤسسة بفترات من الازدهار والانحطاط حتى وصل بها الحال درجة الموت السريري خلال العقدين الأخير من القرن العشرين والأول من القرن الواحد والعشرين .
لا أحد ينكر أن وصول فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم قبل سنوات من الآن لم يجد أي أثر للجيش اللهم إن كانت بعض سيارات”1113″ المخصصة لجلب الحطب أو “الفليرا” المتوقفة نهائيا عن الحركة أو “الصافامكات” المخصصة لجلب لبن القائد ،أو سيارة شخصية وحيدة لقائد المنطقة وتكون في أغلب الأحوال بلا عجلات تسمح لها بالمغادرة بعيدا عن المدينة.
لن ننسى أبدا مهما حيينا حادثة” لمغيطي”العسكرية في أقصى الشمال الموريتاني و التي راح ضحيتها 15 شهيدا موريتانيا في الرابع من يونيو سنة 2005 وما خلفته من توتر أمني وانفلات كاد أن يقضي على نفسيات الجنود في جميع أراضي الوطن، والمؤسف أن القوات الموريتانية لم تتمكن من القبض على الجناة حينها الذين لاذوا بالفرار في الصحراء الكبيرة المشتركة بين مالي والجزائر وموريتانيا..
و لن ننسى أيضا حادثة” الغلاوية” التي راح ضحيتها3 جنود موريتانيين قتلوا بدم بارد دون أي وجه حق، في كمين نصبه مسلحون وتبناه لاحقا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في السابع والعشرين من دجمبر 2007، بعد ثلاثة أيام من مقتل سياح فرنسيين في مدينة “ألاك” على يد مسلحين ،واستطاع منفذوا هجوم “الغلاوية” أيضا الرجوع إلى معسكراتهم في شمال مالي قبل أن يتحرك الجيش الموريتاني لنجدة الحامية.
ولن ننسى أيضا حادثة “تورين” الشهيرة التي اكتمل بها المثلث الشمالي و التي راح ضحيتها 12 جنديا موريتانيا بريئا مثل بأجسادهم في هجوم هو الأكثر غموضا في تاريخ الإرهاب بالبلد.
بعد وصول فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد العزيز إلى سدة الحكم في البلد ومراجعة الوضعية العامة للقوات المسلحة وما صاحب ذلك من إعداد وتدريب وتجهيز واقتناء للأسلحة والذخيرة ومراقبة ودعم ،بدت قواتنا المسلحة تخطو خطوات إلى الأمام حاملة معها الأمل بعد اليأس والنصر بعد الهزيمة ،ولعل أبرز مثال على ذلك إحباط عملية النعمة من خلال تفجير السيارة التي تحمل طنين من المتفجرات وموت سائقها على الفور قبل الوصول إلى داخل الثكنة ،وإن كانت البقية لاذت بالفرار لكن هذه المرة بطعم الهزيمة بدل التبجح بالنصر في المرات السابقات.
لم تكن إحباط عملية “أنواكشوط ” التي كانت تستهدف بعض السفارات الأجنبية والبنايات الحكومية إلا دليل آخر على الحال الذي انتقل إليه جيشنا الباسل واليقظة التي صاحبته بعد مراجعته وتسليحه.
أما عملية “باسكنو” فقد تلقوا فيها الإرهابيون درسا لن يسوه وقتل منهم كثيرون من ضمنهم قواد واسر منهم آخرون وسلبت منهم أسلحة وسيارات وخرائط وأمتعة وولوا هاربين بعد أن لقنوا درسا كانت بداية النهاية بالنسبة لهم. ضف إلى هذه الإنتصارات انتقال جيشنا من صفة المدافع عن النفس إلى صفة المهاجم ، وماحققه في تلك الهجومات من مكاسب تبوأ بها مقعدا متقدما على رأس جيوش المنطقة ،ومرجعية في مكافحة الإرهاب في الصحراء الكبرى، ولعل معركتي “حاسي سيدي” و “واكادو” خير دليل على ذلك
. إن الاستعراض العسكري الذي قدمته قواتنا المسلحة سنة 2011 بمناسبة الذكرى الواحدة والخمسين لإنشاء قواتنا المسلحة الباسلة ليشعرنا جميعا بالفخر والإعزاز والاطمئنان والأمان ،و إن تلك العدة والعتاد الذي شاهدناه ذلك اليوم قادر بالفعل على حماية الحوزة الترابية للبلد والدفاع عن مكتسبات الحرية والاستقلال ، ولعل رسائل بالغة الأهمية وصلت بعد تنظيم هذا الحفل أهمها:
ــ أن موريتانيا أكثر استعدادا من أي وقت مضى لمكافحة الإرهاب وتأمين حدودها من كل متربص.
ــ أن الصحراء لم تعد ملكا للجماعات الإرهابية بسبب جاهزية سلاح الجو الحديث والمدرب.
ــ مغازلة الدول الكبرى لموريتانيا من أجل الإستفادة من خبرتها في مجال مكافحة الإرهاب .
وقبل الدخول في سجال اليمن لا أبد أن أشير أنه لم يعد للدولة ــ الحديثة ــ أي جيش بالمفهوم الحقيقي الحديث قبل 2009 ،ومن أنشأ هذا الجيش أدرى بمصلحته وله القدرة الكافية على حمايته ، وبطبيعة الحال لن ينتظر من أي جهة سياسية بيانا ورقيا أو نقطة صحفية من أجل تبين وجهة نظر من أشخاص لاعلم لهم بدهاليز الحرب وساحات الوغى ومخططات القتال. أما ماأشيع في الآونة الأخيرة عن مشاركة مئات من جيشنا الوطني في تحرير اليمن ضمن قوافل من جيوش المنطقة ،فأعتقد أن الأمر يجب أن يخرج عن التجاذبات السياسية وترجع الكلمة الأصل فيه لمن يملك السلطة التقديرية لذلك ، مع أنني لاأجد مانعا في الأمر ،لسبب بسيط هو أن بلادنا تربطها علاقات واتفاقيات تفرض عليها مواكبة الركب وتأمين مناطق النزاعات وبسط الأمن والاستقرار ،شأنها في ذلك شأن باقي دول العالم ، ولم لا؟ وهي التي تملك وحدات عسكرية في ساحل العاج ، ووسط إفريقيا ،والسودان.
إن سقوط اليمن في أيدي الإرهابيين هو بداية النهاية للعالم من بوابته الأخرى وانتشار للإرهاب ، ودوس للمقدسات وانتشار لثقافة القتل والغلو والتطرف ،ولعل كذبة الربيع العربي أكبر دليل على ذلك ، (ليبيا وسوريا) اللتان تنزفان. إن من يتحدث عن صفقة لبيع الجنود عليه أن يراجع ماصا دقت عليه موريتانيا خلال مشاركتها في القمة السادسة والعشرين التي عقدت في شرم الشيخ والتي صادقت فيها على إنشاء جيش عربي موحد يطلع بمهام للتدخل العسكري السريع وما يكلف به من مهام أخرى لمواجهة التحديات التي تهدد أمن واستقرار وسلامة هذه الدول وتشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية ،ولا أجد الحرب في اليمن بمنئي عن هذا الموضوع.
ولن يستوعب الأمر إلا من يفهم في العلاقات الدولية ويستوعب اتفاقيات الدفاع المشترك والأعراف الدبلوماسية والمصالح العليا للبلدان. أخلص إلى القول أن قرارات الدول لا تقاس بعواطف الأشخاص ، ولا تخضع لنفسياتهم ،وأن موريتانيا سبق وأن شاركت في حفظ السلام وأرسلت جنودها إلى أماكن أكثر توترا وبؤسا وخطرا ،دون صدور أي لغط من أي جهة كانت!!!
فلماذا هذا العويل والصياح والنباح إذا كانوا هذه المرة متوجهين إلى المملكة العربية السعودية وهي مكان الحرمين الشريفين ؟ كم نحن سعداء أن يرفرف علمنا في كل بقاع العالم، وأن نغيث من استجار بنا، وأن ينشر أبناؤنا الأمن والإستقرار في مشارق الأرض ومغاربها.
عاشت موريتانيا حرة مستقلة ، عاش جيشنا الوطني الباسل ، عاشت الحرية والمساواة والديمقراطية
بقلم أحمد ولد علال