جاء ثري يحمل لوحة إلى بيكاسو، وسأله: هل رسمت هذه اللوحة، أم أنها مزيفة؟ رد عليه بيكاسو، دون أن ينظر إلى اللوحة: أحيانا أرسم لوحات مزيفة…
أراد بيكاسو أن يقول للثري إنه يشتري بماله اسم بيكاسو، أما الفن فلا صلة له به.
يشبه هذا الثري بعض المدونين بأسماء مستعارة، وأخرى معلومة، في تهافتهم على التفتيش عن اسم كاتب بعض المقالات التي تتناول بالنقد فكر الإخوان، وتحلل بيانات بعض أحزاب المعارضة.
يصدر أولئك المدونون عن رؤية في النقد قديمة أرسى قواعدها سينت بيف، وترى أن نص الكاتب انعكاس لسيرته الذاتية، ومن ثم ينبغي فهمه في ضوئها.
غير أولئك المدونين، ينسون النص، بمجرد عثورهم باسم من يعدونه كاتبه؛ (ولنسمه س، ولك أن تضيف ما شئت من الحروف قبلها، وبعدها) ويتبارون في البذاءة في شتمه، ويلعنون في المقال عشرة؛ من يظنوه كاتبه، وموقعه، وناشره…
كان آخر تلك المقالات.. سطوة الممول.. الذي أثار سيلا من الشتائم كنا نظن أهل التكتل تاركوها في المنتدى لمن تركوا لهم البرلمان، والبلديات، فأخرجوهم من زعامة المعارضة.
وبدل الرد على ما لمح إليه المقال حول مصدر التمويل، اختار المدونون إقحام اسم المختار ولد داداه رحمه الله ليجعلوه خطا أحمر يقفون وراءه في جهة البحر مما يحاذي النهر.
ولم يكن المختار أكثر انتماء لإقيدي منه لكوش، ولا أكثر شعبية في أصهاره في بير أمقرين، منه عند رعاياه في كوبني، وإن أخذ عليهم البعض عدم توريثهم الولاء…
لكنها بدعة الأحادية في كل شيء.
لا ينبغي نقد رئيس واحد، ولا بأس بالسحل على بقية رؤساء الجمهورية.
وهناك “شيخ واحد مجتهد والبقية مقلدون”، ومجرد ذكر بعض أنشطته المدرة للدخل أكل للحوم العلماء المسمومة، أما وصف غيره من العلماء بأن “أشداقهم تحترق بمرق السلطان” فرواية حال العهدة فيها على غلامٍ…
يرى رولان بارت، عكس ما يذهب إليه سينت بيف، ويطبقه مدونو الشتائم أن القارئ يمتلك النص ليشحنه بمعاني ربما لم تخطر على بال كاتبه، الذي يفقد سلطته على النص ليصبح مجرد قارئ له.
لكن فعل القراءة يتطلب حدا أدنى من سلامة الذائقة، ورهافة الإحساس تمكن المتلقي من الشعور ب “لذة النص”.
أما حين يكون القارئ موظفا في شركة أمنية، اكتسب ثقافته الواسعة من المناشير السرية فإن مبلغ اجتهاده التفتيش عن اسم الكاتب حتى إذا قبض عليه وصفه بما يصف به أطفاله، حال تبسطه معهم، أو عيره وصحبه بصفة يشتركون فيها مع خير البرية…
وضع رولان بارت نظرية النص في مؤلفه “الكتابة في درجة الصفر” فأعلن “موت الكاتب” بصفته سلطة تحدد معنى النص.
لكن الذين يمارسون “القراءة في درجة الصفر” يتمنون موت الكنتي بصفته منتجا لنصوص يجدون عنتا في تهجيها فيشتمونه، وهو يردد مع الحسن البصري:”مرحبا بحسنة تهدى إلي لم أتعب فيها، ولم يدخلها رياء”.