كتبت هذا الرأي في العدد 214 من “مرآة المجتمع” بتاريخ 18//6/2003 وأعيد نشره اليوم بمناسبة الذكرى الحادية عشر للمحاولة الانقلابية. ومن المثير للاهتمام أن المحاولة جرت حينها يوم الآحد وأن الثامن يونيو هذا العام هو أيضا يوم الأحد.
من المؤكد أن الطبقة السياسية تلعب بالنار إذا استمرت في إهمال مصير بلد فتي وضعيف في بنيته. فمن أجل أن نتفادى الحرائق التي تشتعل من حولنا، فمن مصلحتنا أن نعيد النظر بجدية في المستقبل قبل ان يفوت الأوان”. أبديت هذه الملاحظات في مقابلة مع مجلة “موريتاني نوفيل” الصادرة يوم 18 نوفمبر 1996 في العدد 229.
وكان قلقي يزداد مع استمرار الوضعية التي سببته وعبرت عن ذلك في أكثر من مناسبة.
وكان قلقي قد تحول إلى شعلة من نار أثناء أيام المحاولة الانقلابية الأخيرة. فالشعور بالاحباط كاد أن يقضي على حياتي قبل الاصابة بأي رصاصة طائشة أو موجهة.
حاولت أن أفسر سبب هذا الاحباط ولم أفلح في ذلك، استبعدت الخوف كسبب لأني لم يساورني أي شعور بالخوف بل كانت موسيقى تنوع طلقات المدافع تطربني إلى حد ما.
والحقيقة أنني عندما تأكدت في الساعات الأولى من يوم الأحد أننا نعيش حالة انقلاب عسكري تذكرت في الحال سنوات 1981-1982 عندما كنت أسكن قرب المدرسة العسكرية، حيث كان المتدربون في هذه المدرسة ينظمون أنفسهم في جماعات انقلابية وبشكل مكشوف وحسب الانتماءات الايديولوجية ذات الطابع الطائفي الخصوصي. وكان للمتخرجين من الطلبة هياكل استقبال وتأطير داخل الجيش الوطني. فتلك الروح التآمرية عند الشباب الضباط المتدربين لم تغب قط ذكراها عن ذهني.
وسبب قلقي الثاني هو أن الانقلابيين حاولوا لصيد في مياه عكر صفوها آخرون، فلا أحد ينكر أن الفساد والهدر بالمال العمومي يسود الحياة اليومية. وهذا على الرغم من الجهود المضنية من أجل جلب المزيد من التمويلات والقيام بالعديد من الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. فقلة من المواطنين –مدنيين كانوا أو عسكريين- هي التي تستفيد من هذه الوضعية والأكثرية الساحقة الباقية تعاني من الظلم والحرمان. فالفساد يهز أركان أي أمة مهما كان غناها وقوتها.
أما السبب الثالث لقلقي فهو الهشاشة التي أظهرتها مؤسسات الدولة وخصوصا هيئات المخابرات العسكرية والمدنية إبان المحاولة. فلا شيء يوحي أن الأمن العام كان هو الشغل الأول لأي مسؤول عنه، فتكديس المال وعد الفاتورات هو الانشغال الحقيقي.
ومصدر القلق والاحباط الرابع كان يتمثل في التعاطف الواسع الذي حظي به الانقلابيون بين المدنيين في جميع أنحاء العاصمة وهذا على الرغم من الجهل التام لنوايا الجماعة الانقلابية التي لم تعلن عن أي بيان أو برنامج. فكل أحد يظن أن المغامرة تهدف إلى حل مشكلته الخاصة. والغريب أن الجميع تظاهروا للتعبير عن فرحتهم لفشل المحاولة وكأن شعارنا هو “الغالب هو صاحبنا“.
كيف نعالج الأوضاع التي كانت هي السبب وهي الذريعة في مغامرة 8 يونيو الماضي؟ عدم جواب لدي على هذا التساؤل يشكل في حد ذاته مصدرا خامسا للقلق على المستقبل، ذلك أن اللوبيات الفاسدة ستحاول جادة الاستمرار في احتكار المؤسسات القائمة ومنعها من أي مشاركة أو إصغاء إلى أي رأي جدي.
فهل سيقبل المسؤول الأول عن هذه المؤسسات أن يبقى رهينة لأكاذيب وتلاعب المضللين؟ إنني ما زلت أثق في قدرته على الخروج من الصعاب وذلك يشكل بريق الأمل الوجيد لدي من أجل استرجاع معنوياتي.