ولد صلاحي.. المهندس العائد من غوانتانامو

img_9075792696152
محمد ولد صلاحي مهندس موريتاني وسجين سابق في غوانتانامو؛ شارك في الجهاد الأفغاني، ودرس هندسة الاتصالات بألمانيا. اتهمته واشنطن بالضلوع فيهجمات 11 سبتمبر فأودعته سجن غوانتانامو مدة 14 عاما عانى فيها “صنوف العذاب” وأفرجت عنه 2016. وكان الوحيد بين سجناء غوانتانامو الذي سلمته بلاده للإدارة الأميركية.

المولد والنشأة
وُلد محمدُّ ولد صلاحي يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 1970 في روصو جنوبي موريتانيا.

الدراسة والتكوين
أكمل صلاحي مراحل دراسته الأولى بتفوق، وفي عام 1988 حصل على منحة للدراسة في ألمانيا حيث التحق بقسم الهندسة بجامعة دويسبورغ (غربي ألمانيا). وهو يتقن -إضافة إلى العربية لغته الأم- اللغات الألمانية، والفرنسية، والإنجليزية التي تعلمها من سجانيه بغوانتانامو.

الوظائف والمسؤوليات
عمل صلاحي مهندسا لعدة أعوام في شركات بألمانيا، فقد عمل في “شركة بوش”Bosch) Company) خلال 1995-1997، وفي “شركة جيلان” (Ceylan Company) ما بين 1997-1999.

التجربة الشخصية
طبقا للمعلومات الأميركية الرسمية؛ فإن صلاحي غادر ألمانيا -أثناء دراسته فيها- ثلاث مرات خلال 1990-1992 إلى أفغانستان، حيث “تدرب” في “معسكر الفاروق” التابع لتنظيم القاعدة الذي كان يجند “الأفغان العرب” للقتال مع فصائل المجاهدين الأفغان ضد الحكومة الشيوعية، التي حكمت البلاد بعد انتهاء الغزو السوفياتي لأفغانستان (1980-1989).

وفي ديسمبر/كانون الأول 1992 سافر من ألمانيا إلىسلوفينيا للمشاركة في “الجهاد” بالبوسنة والهرسكضد الصرب، لكنه عاد إلى ألمانيا بعد أسبوع. وحسب الوثائق الأميركية -التي سربها موقع ويكيليكس– فإنه “اعترف بأن مسؤوليته الأولى كانت تجنيد الأفراد لتنظيم القاعدة في أوروبا” خلال إقامته بألمانيا. لكن صلاحي يقول في مذكراته إنه قطع علاقته بالقاعدة 1992.

وبعد أن تعذر عليه تمديد إقامته في ألمانيا قرر صلاحي الهجرة إلى مونتريال بكندا التي وصلها يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1999، وهناك حاول التسجيل لدراسة الهندسة الكهربائية في مدرسة “بوليتكنيك دو مونتريال”، بينما سعى للعمل مع بعض شركات الكمبيوتر، إضافة إلى توليه إمامة “مسجد السنة” في المدينة.

وفي 20 ديسمبر/كانون الأول 1999 استدعاه الأمن الكندي للتحقيق معه إثر الاشتباه بمشاركته في التخطيط لهجوم كان يفترض تنفيذه نهاية السنة فيالولايات المتحدة وعُرف إعلاميا بـ”مخطط الألفية”، لكن السلطات الكندية أطلقت سراحه لعدم تبين صلته بهذا المخطط. وفي 21 يناير/كانون الثاني 2000 سافر من كندا عائدا إلى موريتانيا “لأسباب عائلية”.

ولدى وصوله دكار (عاصمة السنغال) في طريقه إلى وطنه؛ احتجزته سلطاتها أربعة أيام للتحقيق معه بشأن “عزمه توفير الدعم المالي لمنظمات إرهابية تسعى لمهاجمة أهداف أميركية”، ثم سلمته للحكومة الموريتانية التي احتجزته قرابة شهر وأطلقت سراحه دون توجيه أي تهمة إليه، لكنه رغم ذلك ظل خاضعا لرقابة أمنها بطلب أميركي.

وفي 19 أبريل/نيسان 2000 غادر صلاحي بلاده متجها إلى ألمانيا حيث أوقفته سلطاتها لدى وصوله مدة ثلاثة أسابيع ثم أعادته إلى موريتانيا، وهناك استقر وعمل مهندسا في عدة شركات محلية.

وبعد وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 فينيويورك وواشنطن؛ اعتقله النظام الموريتاني برئاسةمعاوية ولد سيدي أحمد الطايع يوم 29 سبتمبر/أيلول 2001 في نواكشوط حيث كان يعمل مهندس اتصالات، وذلك “في إجراء احترازي” للاشتباه في علاقته بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن المتهم الرئيسي من السلطات الأميركية بتدبير تلك الهجمات.

وقد ورد لاحقا في إفادة لصلاحي قوله إنه هو من سلم نفسه إلى السلطات الموريتانية بعد أسبوع واحد من الهجمات. وبعد استجوابه من قبل أجهزة الأمن الموريتاني وعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي؛ أطلقت الحكومة الموريتانية سراحه يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول 2001 دون أن تعطي أي توضيح بشأن نتائج استجوابه.

وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2001 أعادت السلطات الموريتانية اعتقال صلاحي حين أخذته من منزل والدته بالعاصمة وقالت لأهله إنه سيعود إليهم قريبا. وهكذا ظلوا ينتظرونه وطالما اتجهوا إلى المركز الأمني الذي قيل لهم إنه محتجز فيه، حاملين الطعام والملابس “بناء على طلب منه” حسبما كان الأمن يبلغهم. ثم اكتشفوا أن ذلك كان “مجرد وهم وتضليل”، واختفت عنهم أخباره.

وبعد ثمانية أيام من طلبه للاستجواب؛ سلمت الحكومة الموريتانية مواطنها صلاحي إلى السلطات الأميركية، فكان الوحيد بين سجناء غوانتانامو الذي اعتقلته دولته وسلمته للإدارة الأميركية.

نقلت وكالة المخابرات الأميركية (CIA) صلاحي إلىالأردن حيث بقي رهن الاعتقال لدى المخابرات الأردنية ثمانية أشهر “خضع خلالها لكل صنوف التعذيب”، حسب رواية  منسقة فريق الدفاع عنه المحامية الأميركية سيلفيا رويس.

ثم رده الأمن الأردني في 19 يوليو/تموز 2002 إلى عهدة المخابرات الأميركية التي احتجزته أسبوعين داخل قاعدة بغرام العسكرية في أفغانستان، ومن ثم نقلته في 5 أغسطس/آب 2002 إلى معتقل غوانتانامو الأميركي في كوبا ليصبح ببساطة “السجين رقم 720”.

وفي 6 يناير/كانون الثاني 2003 ذكرت أسبوعية “دير شبيغل” الألمانية أن النيابة العامة الاتحادية في ألمانيا فتحت تحقيقا مع صلاحي -وهو في غوانتانامو- بتهمة تقديمه النصح عام 1999 لاثنين من منفذي هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بالتوجه إلى مخيم “للإرهابيين” في أفغانستان من أجل التدريب.

وأفادت المجلة بأن النيابة العامة أجرت تحقيقا في علاقة صلاحي بأفراد “خلية هامبورغ”، مشيرة إلى أن مدينة هامبورغ الألمانية كانت القاعدة الخلفية للتحضير لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث أقام أربعة من المهاجمين هم: المصري محمد عطا، والإماراتي مروان الشحي، واللبناني زياد الجراح، وقد سافر الثلاثة إلى أفغانستان.

وفي أغسطس/آب 2004 نـُشر تقرير لجنة 11 سبتمبر الأميركية الرسمية الذي اتهم صلاحي بأنه أعطى أربعة من أعضاء القاعدة تعليمات عن كيفية الوصول إلى أفغانستان بغية التدرب على “العمليات الجهادية”. وهم الثلاثة المذكورون سابقا إضافة إلى رمزي بن الشيبة المعتقل في غوانتانامو.

وأثناء سجنه في غوانتانامو؛ تعرض صلاحي لبرنامج تعذيب خاص أقره وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رمسفيلد وسماه “المشاريع الخاصة”. ويتضمن هذا البرنامج -الذي أعد خصيصا لسجناء غوانتانامو- وسائل مبتكرة للتعذيب، منها إخضاع السجين للعزلة الكاملة، ومنعه لفترات طويلة من النوم، وكذاالتحرش الجنسي بالسجناء، ووضعهم في أوضاع مجهدة، وتهديدهم بالقتل.

وأثناء زيارتها لموريتانيا في مارس/آذار 2008 قالت منسقة فريق الدفاع عن صلاحي رويس إنه تعرض منذ دخوله غوانتانامو لكل “أشكال التنكيل والتعذيب الجسدي والمعنوي بشتى أصنافه وبأقسى بربرية”، على أيدي عناصر مكتب التحقيقات ووكالة الاستخبارات ومصلحة المعاينات الجنائية للبحرية، ولجنة خاصة أشرف عليها شخصيا وزير الدفاع رمسفيلد.

وأكدت أن فريق الدفاع يحتفظون -نيابة عن موكلهم- بكل حقوقهم في متابعة ومقاضاة كل المسؤولين عن تسليمه وتعذيبه في موريتانيا والأردن والولايات المتحدة، ليتمكن بعد خروجه من نيل حقوقه كاملة غير منقوصة.

وقد أميط اللثام عن تعرض صلاحي في معتقله لتعذيب ممنهج ومتواصل إثر رفع الكونغرس الأميركي السرية عن وثائق تتعلق بأساليب التعذيب التي استعملها السجانون في غوانتانامو، والتي كانت عرضة للإدانة الشديدة في الكونغرس لتنافيها مع الدستور الأميركي الذي “تأسس على قاعدة حقوق الإنسان وحمايتها”.

وفي 22 مارس/آذار 2010 أصدر القاضي الفدرالي الأميركي في المحكمة الجزائية بمقاطعة كولومبيا جايمس روبرتسون حكما بإطلاق سراح صلاحي بعد عجز السلطات الأميركية عن توجيه أي اتهام جرمي إليه. كما امتنع ممثلو القضاء العسكري عن محاكمته قائلين إنهم لم يعثروا على أي دليل يمكّنهم من توجيه الاتهام له.

وفي مطلع 2015 ظهرت في الأسواق الطبعة الإنجليزية الأولى لمذكرات صلاحي التي كتبها بالإنجليزية عام 2008 تحت عنوان “يوميات غوانتانامو”، وسربها من خلف أسوار سجنه عبر محاميه، فتولى تحريرها الناشط في مجال حقوق الإنسان لاري سيمنز، وتصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة وشغلت الرأي العالمي.

تحدث صلاحي في “يومياته” -التي قلصت الرقابة الأميركية بشدة مسودتها التي كانت تقع في 466 صفحة عبر 2500 عملية تنقيح وحذف، ولم تفرج عنها إلا 2012- عن سنوات احتجازه وما تعرض له من تعذيب وحشي وضرب مبرح أثناء الاستجواب، مما كان يدفعه للاعتراف بأعمال لم يقم بها حتى يوقفوا ضربه، وقال إن سجانيه هددوه عشرات المرات بقتله أو قتل أمه.

وقد وصف إحدى طرائق التعذيب النفسي والجسدي التي أخضِع لها بقوله: “تمر الأيام طويلة وكئيبة خلف القضبان، وأكاد لا أشعر أن الزمن ينقضي.. أوقاتي هي مزيج من ظلام وألم مستمر.. أما عن التعذيب الذي كنت أتعرض له فحدث ولا حرج.

كنت أحرم من الطعام لفترات طويلة ثم تقدم لي فجأة كميات كبيرة منه بعد طول تجويع ويطلب مني الحراس التهام الأكل كله في ثلاث دقائق، إلا أن أحد الحراس كان يأتي ليسحب الصحن بعد 30 ثانية”.

وقد تبنت منظمات وهيئات حقوقية موريتانية ودولية قضية صلاحي، وساءل البرلمان الموريتاني يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2015 وزير الخارجية الموريتاني عن وضعيته والجهود الحكومية المبذولة لإطلاق سراحه، وانتقد نواب المعارضة خلال جلسة الاستجواب ما رأوه “تقصيرا حكوميا في هذا الملف”.

وفي 20 يوليو/تموز 2016 أوصت اللجنة المكلفة بالمراجعة الدورية لملفات المعتقلين بغوانتانامو بإطلاق صلاحي إثر الاستماع إلى شهادته بداية يونيو/حزيران 2016، ضمن جلسات نظر التماس الإفراج المشروط عنه التي نظمتها هذه اللجنة المكونة من عدة وكالات حكومية.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016 أعلِن إفراج السلطات الأميركية عن صلاحي ووصوله إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط على متن طائرة عسكرية أميركية. لكن تقارير إعلامية ذكرت أن السلطات الموريتانية تسلمته قبل ذلك بيومين وأخضعته لتحقيق أمني قبل السماح له بالمغادرة إلى منزل ذويه الذي وصله برفقة مدير جهاز الأمن السياسي الموريتاني.

وقد عبر  صلاحي -وسط حضور إعلامي وحقوقي وشعبي واسع- عن سعادته بلحظة لقائه بأهله وشعبه، وشكر جميع من أسهموا في الدفاع عنه والوقوف بجانبه، وثمّن دور الحكومة الموريتانية والهيئات والمنظمات المدنية والحقوقية والصحافة التي ظلت تطالب بإطلاق سراحه، مؤكدا أن هذه اللحظة هي ثمرة لكل تلك الجهود التي أدت إلى خروجه “من ذلك القبر المسمى غوانتانامو”.

ويعدّ صلاحي آخر معتقل موريتاني في غوانتانامو، حيث سبق للسلطات الأميركية أن أفرجت عن معتقليْن موريتانييْن آخريْن، هما محمد الأمين ولد سيد محمد الملقب بسيد أمين (أفرج عنه في سبتمبر/أيلول 2007)، وأحمد ولد عبد العزيز (أطلق سراحه في أكتوبر/تشرين الأول 2015)

المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية

 

شاهد أيضاً

فعاليات وصول رئيس الجمهورية غزواني إلى كينيا

فعاليات وصول رئيس الجمهورية غزواني إلى كينيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *