كان الهدف من إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية إيجاد إطار تنظيمي دولي إفريقي يسهر على السير العادي للعلاقات بين الدول الإفريقية، ويعمل على إيجاد الحلول الممكنة للمشاكل التي تطرح على الساحة القارية، فالمرجع الأساس لقيام المنظمات القارية يقضي بحل النزاعات القارية في إطار منظمة إقليمية، وفي هذا السياق نجد أن منظمة الوحدة الإفريقية تفرد الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من الميثاق لحل النزاعات الحادثة بين الدول الإفريقية في إطار إفريقي،وبما أن المنتظم الإفريقي حديث النشأة، ومن أجل تأكيد حضوره وفعاليته سعى الزعماء الأفارقة بشتى الوسائل إلى التدخل وبشكل ناجع للفصل في القضايا الإفريقية، كما أن اتحاد والتحام الدول الإفريقية حول منظمة واحدة ونهج سياسة خارجية موحدة يحول دون تشتت الدول الإفريقية وانحيازها نحو كتلة معينة.
ولا يخفى على كل دارس للشؤون الإفريقية ما كان للاستعمار الأوروبي من دور خطير في تمزيق القارة وبلقنتها، مما أثر بشكل سلبي على تصورات زعماء الدول الإفريقية حول العديد من مبادئ المنظمة وعلى رأسها “الالتزام باحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار” وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المتنازعة، وبحفظ السيادة الترابية للدول الأعضاء و بدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها.
فالظاهر أن الحمل كان ثقيلا، لذلك ومنذ إنشائها سنة 1963واجهت منظمة الوحدة الإفريقية العديد من المشاكل، ليس فقط في الميدان السياسي بل في ميادين أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.ومن أجل ذلك نجد أن المنظمة الإفريقية وخلافا لبعض المنتظمات الإقليمية، تتوفر ضمن أجهزتها على لجنة متخصصة تقوم بالوساطة والتوفيق والتحكيم في الخلافات بين الدول الإفريقية، إضافة إلى باقي الأجهزة الأخرى التي همت ميادين مختلفة (اقتصادية واجتماعية وثقافية…)،وإن لم تقم بدور فعال فإنها دلت على أن الزعماء الأفارقة كانوا على وعي تام بمشاكل القارة. وبشكل عام،إن نجحت المنظمة في حل بعض المشاكل الإفريقية فهي لم تنجح بشكل كبير في حل النزاعات الإفريقية المتعلقة بالحدود لأسباب موضوعية تمثلت في غياب ضوابط قانونية لاقتراح حلول نهائية للنزاعات الحادثةوافتقارها إلى قوة إفريقية للتدخل من أجل فرض احترام الحلول التي تقترحها، بل أكثر من ذلك عدم استقلاليتها المادية والتقنية
وسنخصص هذا المقال لتحركات المنظمة لإيجاد حلول مرضية لأحد أبرز الخلافات التي واجهتها وسنركزبشكل خاصعلى الجانب السياسي منها، وذلك لتبيان مدى أهمية القرارات التي أصدرتها المنظمة أولاثم مدى حظ هذه القرارات من التطبيق، وسنروم بالخصوص الحديث عن المشكل الحدوديللمغرب مع جارته الجنوبية (موريتانيا) التي ظل المغرب يطالب بضمها إلى ترابه إلى حدود 1969، والمحاولات الإفريقية عن طريق المنظمة لحل هذه القضية.
أولا: نظرة تاريخية حول نشأة الحدود بين الدول الإفريقية
يمكن القول أن مسألة الحدود لم تظهر بشكلها الحالي إلا في مراحل متأخرة من العلاقات الدولية، ذلك أن الحدود في العصور القديمة لم تكن مرسومة بدقة، بل كانت القبائل والشعوب المجاورة تتفق فيما بينها على وضع معالم طبيعية لحصر مجالاتها الحدودية وهذه المعالم الطبيعية هي في الغالب أنهار و جبال
وقد ارتبط مصطلح الحدود بظهور الملكية الفردية للأرض، ومن هنا كانت الحاجة إلى إقامة الحواجز المميزة للملكيات المختلفة، فظهور الحدود هو نتاج مرحلة التوافق بين عالمين متباينين، يرغب كل واحد منهما إلى إثبات وجوده وتقوية كيانه عن طريق خلق إطار يضمن له السيادة ويؤمن له مجال الحرية
ومع مرور الزمن وتطور العلاقات الدولية أصبحت مسألة الحدود من أعقد المشاكل السياسية والقانونية التي يعاني منها المجتمع الدولي، نظرا لما تثيره من قضايا خلافية ونزاعات متعددة في علاقات الدول، كما تعد عاملا مهما من عوامل السلم الدولي ومظهرا متميزا من مظاهر الاستقلال السياسي للدول، مما يجعلها أحد أهم المواضيع التي يتم التفاوض بشأنها من طرف الدول المستقلة أو الناشئة، كما تشكل أحد عناصر الاستقرار والأمن وحسن الجوار المقدس، الأمر الذي يجعل المساس بها بمثابة عدوان صارخ و إعلان للحرب، أما من الناحية الجيوسياسية فإنها تؤثر بشكل كبير على مكانة الدول من وجهة نظر استراتيجية.
ومادمنا نتحدث عن القارة الإفريقية التي خضعت للاستعمار الأوربي ردحا من الزمن، فإن للحدود الإفريقية خصوصيات معينة نظرا لظروف نشأتها من جهة وانعكاساتها على علاقات الدول الإفريقية من جهة أخرى.
أما عن ظروف النشأة، فقد تزامن مع ظهور الكيانات السياسية الجديدة عن طريق مسلسل التقسيم الذي خضعت له المناطق المستعمرة، حيث كان رسم الحدود يعكس في الآن ذاته هذه التجزئة في إطار اقتطاع مجالات النفوذ الاستعمارية، كما يعكس هدف إحداث الكيانات السياسية الجديدة في شكل دول وأوطان صغرى
أما الانعكاسات فتتمثل في حالات النزاع العديدة بسبب الخلافات حول أوضاعها وكثيرا ما أدت هذه الخلافات إلى نزاعات حدودية بين الدول،كل هذه الأمور انعكست بشكل سلبي على كل الجهود التي بذلتها المنظمات الإقليمية والشبه القارية وبالتالي فشلت في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية واستقرار سياسي بهذه المناطق.
وماداماهتمامناقد انصب على مشكل الحدود في المنطقة المغاربية، فلا بأس أن نشير إلى أنه تاريخيا لم تكن مسألة الحدود مطروحة من قبل، حيث أن المنطقة كانت كتلة متماسكة بمكوناتها الجغرافية والبشرية. فحسب الجغرافيين العرب كانت المنطقة الجغرافية التي يطلق عليها لفظ المغرب تمتد من حدود مصر الساحلية إلى حدود الأطلس مرورا بجميع سواحل إفريقيا الشمالية وصولا إلى إسبانيا .
ومع مطلع ق7هـ/ ق13م، ونظرا لضعف السلطة المركزية سيعرف هذا المجال الجغرافي تغيرا كبيرا، حيث تم اقتسام هذه المنطقة الجغرافية المتكاملة بين ثلاث كيانات شبه مستقلة رغم أنها ظلت وعاء حضاريا وكتلة سوسيولوجية متراصة]،ومع الهجوم الخارجي على المنطقة المتمثل في التدخل العثماني ومن بعده التدخل الأوربي، ظهرت مسألة الحدود بشكل رسمي، فقد نتج عن الخلاف بين الإمبراطورية العثمانية والمغرب على وضع خط للحدود يفصل بين مجالي كل منهما. هذا الخط الحدودي هو الأول من نوعه ليس فقط في تاريخ العلاقات بين المغرب والجزائر، وإنما أيضا في العالم العربي بصفة عامة وبإفريقيا كذلك
وانطلاقا من الوضع الذي أصبح عليه المجال في المنطقة المغاربية في هذه الفترة، أكد أحد الدارسين أن كلمة الحدود بمعناها الدولي الراهن كانت هدية الأتراك العثمانيين إلى شعوب الشمال الإفريقي، حينما تدفقت في القرن الثامن عشر على أقطار ليبيا وتونس والجزائر، فاحتلتها جميعا ثم عينت في كل واحد منها مندوبا ساميا يحكم أهلها باسم السلطة المركزية
أما مع مطلع القرن التاسع عشر ونظرا للموقع الاستراتيجي الهام لدول منطقة شمال إفريقيا المتمثل في قربها من البحر الأبيض المتوسط ومحاذاتها لمستعمرات إفريقيا جنوب الصحراء، فإنها كانت هدفا للاستعمار الأوربي الذي عمد إلى خلق خلافات ونزاعات بين المكونات الاجتماعية لبلدان المنطقة، كما عمد إلى توقيع اتفاقيات ومعاهدات وضع بمقتضاها حدودا فاصلة بين الكيانات السياسية، مما أفرز لديها بعد الاستقلال شعورا ذاتيا بالانفصال وزج بها في نزاعات دولية مختلفة.
وإذا كان هذا الوضع ينطبق على الحدود بين الدول المغاربية خاصة في المنطقة الشرقية (الحدود بين المغرب والجزائر)، فإن الوضع يختلف تمام الاختلاف في الناحية الجنوبية، ذلك أن إسبانيا كان لها دور مهم في التأثير على حدود المنطقة وخاصة بشمال المغرب وجنوبه، حيث ما تزال آثار الاحتلال تنتظر تسويات نهائية إما عن طريق الانسحاب التام من الثغور الشمالية أو تقرير مصير الصحراء المغربية بواسطة استفتاء تشرف على تنظيمه منظمة الأمم المتحدة. وبجنوب المغرب، شكل طلب استقلال موريتانيا وقيامها ككيان سياسي لدى الرأي العام المغربي إشكالا كبيرا، ذلك أن الأوساط السياسية المغربية ظلت تعتبر موريتانيا جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، إلا أن تغير الوضع الدولي المتمثل في الاعتراف بموريتانيا كدولة مستقلة جعلت المغرب يعترف باستقلالها سنة 1969
إن المبدأ الإشكال الذي خيم على العلاقة بين الدول الإفريقية أثناء مؤتمر أديس أبابا هو”مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار”، فقد انقسمت الدول الإفريقية حول هذا المبدأ بين مؤيد ومعارض ويعتبر المغرب البلد الإفريقي الأول الذي عارض هذا المبدأ بشدة إذ عبر عن ذلك بشكل رسمي عبر مقاطعته لأعمال المؤتمر الوزاري وكذلك مؤتمر رؤساء الدول الإفريقية.
فإذا كانت أغلبية الدول الإفريقية قبلت بهذا المبدأ لتفادي العديد من المشاكل التي قد تغرق القارة في فوضى لا متناهية فهو لم يكن منصفا للمغرب، ذلك أنه ظل ولفترة طويلة يرفض الأخذ بهذه القاعدة فيما يتعلق بحدوده ويعلن تحفظه عليها لكونها تحرمه من حقوقه التاريخية في عدد من المجالات الترابية الشاسعة والضاربة بعضها في عمق الصحراء لتصل إلى حدود السنغال ومالي
ثانيا: المغرب وأطروحة الحق التاريخي
بتاريخ 2 مارس 1956 أكدت الحكومة الفرنسية “علانية اعترافها باستقلال المغرب الذي يقتضي بالأخص دبلوماسية وجيشا كما تؤكد عزمها على أن تحترم وحدة تراب المغرب المضمونة بحكم المعاهدات الدولية وتعمل على احترامها”، وبذلك يكون قد انتهى العمل بمعاهدة الحماية التي فرضت في 30 مارس 1912، وقد كانت مسألة الحدود من بين المسائل الهامة التي تم الحرص عليها أثناء مفاوضات الاستقلال مع فرنسا حيث تم الاتفاق بين الطرفين على تشكيل لجنة مشتركة للوصول إلى حل لهذه المسألة، وكانت حكومة المغرب ترمي بالطبع إلى تعديل الحدود الجنوبية بحيث تتضمن إقليم موريتانيا ولكنها لم تكن قد أعلنت ذلك صراحة.
1- المطالب المغربية:
ظهرت الإشارات الأولى لهذه المطالب مع الراحل “علال الفاسي” الذي أكد أن “المغرب يحد جنوبا بالسنغال وشرقا بالجزائر وغربا بالمحيط الأطلسي وشمالا بالأبيض المتوسط، وأن شنقيط وأدرار وإقليم الساورة بما فيها تندوف والقنادسة وتوات والساقية الحمراء ووادي الذهب وسبتة ومليلية والجيوب الصغرى التي تحت يد إسبانيا في الشمال، كل ذلك أجزاء اقتطعها الاستعمار من بلادنا بنفس الأسلوب الذي جزأ به المنطقة الخليفية وطنجة وطرفاية وآيت باعمران ويفني، وأن هذا العمل لا يغير شيئا من حقيقة الواقع المغربي”. ومن تم ارتبطت مسألة أطروحة الحق التاريخي ارتباطا وثيقا بالأفكار السياسية التي كان يدعو إليها زعيم حزب الاستقلال “علال الفاسي” بعد نيل المغرب استقلاله السياسي في النصف الثاني من الخمسينات، حيث اعتبر موريتانيا جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وظلت هذه الأطروحة إلى أمد غير بعيد، إحدى المبادئ التي تشبت بها الحزب ودعا إلى تحقيقها حتى بعد وفاة زعيمه، كما أن بعض الخطب الرسمية ومواقف كبار المسؤولين المغاربة لم تخل من الإشارة إلى هذه الأطروحة في مناسبات شتى
ورغم الانسجام التام بين مكونات الحقل السياسي المغربي حول ضرورة إيجاد حل سياسي للمشكلة فإنها اختلفت حول السبل المؤدية لذلك بشكل أفضى إلى بروز تيارين
-التيار الأول: الداعي إلى ضم موريتانيا للتراب المغربي والذي تزعمه كل من الراحلين “محمد الخامس” و”علال الفاسي” وتجسد ذلك بشكل كبير في خطاب العاهل المغربي آنذاك “محمد الخامس” في محاميد الغزلان في 25 فبراير 1958 حيث جاء فيه: “وإنما يسعدنا أن يستقبلنا في قرية المحاميد التي هي باب الصحراء، أبناؤنا الذين استقبلوا جدنا في قرية أخرى من الركيبات وثكنة وأولاد الدليم، وسواها من القبائل الشنقيطية، وأن نستمع إليهم” إلى أن قال:”سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا، وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان”.
-التيار الثاني: وهو الذي لم يكن يرى ضررا في إمكانية الحسم في هذه المسألة من خلال تقرير المصير، وقد عبر بوضوح عن هذا الاتجاه ولي العهد آنذاك “الحسن الثاني” عندما صرح أنه يساند تقرير مصير الموريتانيين، يقول “الحسن الثاني”: “شخصيا لم أكن تماما مع ضم موريتانيا إلى المغرب، وقد قلت ذلك في أول استجواب لي لما شرفني والدي صاحب الجلالة محمد الخامس… وقد طالبت في تصريحي بإجراء استفتاء في موريتانيا وأن يطلب من الموريتانيين: هل يرغبون في أن يصبحوا مغاربة أو يريدون البقاء مستقلين؟”.
من الناحية البشرية، الأكيد أن السكان الموريتانيين هم من نفس أصل السكان الذين استوطنوا المغرب منذ عشرات القرون والمعروفون في التاريخ بقبائل صنهاجة وما تفرع عنها من قبائل لمتونة وجدالة وغيرهما، كما أن انتشار الإسلام بموريتانيا كان على إثر ذيوع الفتح العربي بالمغرب بداية.
ومن الناحية التاريخية والدينية، كان المغرب يثير باستمرار موضوع النفوذ السياسي الذي كان يتمتع به السلاطين المغاربة بالمناطق الصحراوية الجنوبية التي كانت تشكل منطلقا ومجالا لانبعاث حكم وسلطة كثير من الأسر الحاكمة المتعاقبة
أما من الناحية السياسية، فالارتباط يتأكد من خلال تدخل “المنصور” السعدي لطرد البرتغال والإسبان من المنطقة، كما تأكد أيضا من خلال إرسال الشرفاء السعديين لقوات سلطانية لدعم أو تولية أمراء الإمارات الموريتانية، كتلك التي وضعت تحت تصرف “علي شنظورة” أمير الترارزة أو بإرسالهم إلى مختلف قبائل المنطقة
ومن الحجج الدالة على الارتباط الموريتاني بالمغرب دور التحكيم الذي مارسه السلاطين العلويون في المنازعات التي كانت تقع بينهم]، بل أكثر من ذلك اعتمدت الدبلوماسية المغربية على إدراج بعض الاتفاقات الدولية الخاصة بترسيم الحدود خاصة معاهدة الجزيرة الخضراء لسنة 1906 التي نصت على حدود مراكش الجنوبية التي تمتد حتى نهر السنغال، وكذلك الاتفاق الألماني الفرنسي لسنة 1911 الذي نص على أن المغرب يشمل جزءا من إفريقيا الشمالية الممتد بين إفريقيا الغربية الفرنسية وريو دي أورو (وادي الذهب) المستعمر من طرف إسبانيا]. هذه الحجج السالفة الذكر التي اعتمدت عليها الدبلوماسية المغربية، تمثل وجهة نظر مغربية لتأكيد تبعية التراب الموريتاني للمغرب.
2- الموقف الموريتاني من المطالب المغربية:
ردا على الدعاوي المغربية أصدرت وزارة الخارجية في موريتانيا “الكتاب الأخضر” تحت عنوان”جمهورية موريتانيا الإسلامية والمملكة المغربية” حيث ضمنته الردود الموريتانية على الحجج المغربية.
على مستوى السيادة: يرى الموريتانيون أن بلدهم لم يعرف (منذ القدم) خضوعا لأي سلطة خارجية مغربية، فالمغرب عرف تاريخيا بمراكش، بينما عرفت موريتانيا بشنقيط ودولة المرابطين التي يحتج بها المغاربة والتي ضمت بالإضافة إلى الأندلس مناطق المغرب العربي، قد انطلقت من موريتانيا فكان منطقيا أن تطالب موريتانيا بالمغرب لا أن يطالب المغرب بموريتانيا، وهذا ما عبر عنه أحد المسئولين الموريتانيين حينما صرح بالإذاعة الفرنسية مفنذا أطروحات “علال الفاسي” بما نصه “إن موريتانيا هي التي يجب أن تطالب بالمغرب لا العكس، فلو كانت حدود الدول ثابتة لأمكن لموريتانيا المطالبة بتوسيع الخريطة المرابطية ولكن نظرا لاقتناع الموريتانيين بأن المطالبة بهذه الأراضي مهزلة. فالعصر أصبح عصر تحرر لكل شعب يملك مقومات السيادة والاستقلال ولم يعد عصر إمبراطورات”، ويضيف الموقف الموريتاني أن الاستشهاد بدولة المرابطين أمر لا يصح وهو حجة لموريتانيا وليس حجة عليها كما يرى أحد الدارسين “أن مزاعم المغرب الحالية… لا تقل مدعاة للسخرية عن ما يمكن مثلا أن تقوم به بريطانيا اليوم من ادعاء على فرنسا بحجة أن باريس جزءا من فرنسا كان زمن “جان دارك” تحت الاحتلال الانجليزي”.
عن الاستشهاد المغربي بدولة المرابطين وفي نفس الإتجاه دائما، يضيف الموقف الموريتاني “لو شاءت موريتانيا أن تطبع على غرار المغرب، وتضع خريطة التوسع المرابطي لتبني عليها حق المطالبة بمناطق أخرى لكان بوسعها عندئذ أن تطالب بالسنغال والسودان وغانا وإسبانيا والمغرب، ولا فرق بين الحجج الاقتصادية والحجج الدينية، والاحتجاج بالمرابطين الذي يلجأ إليه المغاربة اليوم، فاستخدامه في الاتجاه موريتانيا- المغرب أولى منه في الاتجاه المعاكس”
وحول مساعدة السلطان المغربي للشيخ “ماء العينين”، كان الرد الموريتاني أنه تدخل في إطار مد يد المساعدة من طرف المغاربة للشيخ “ماء العينين” لدفع خطر يواجهانه معا ألا وهو الخطر الفرنسي
ومن الناحية البشرية،لا ينكر الرد الموريتاني “أن هناك ارتباطا كبيرا بين الشعب الموريتاني والمغربي على المستويين الاجتماعي والثقافي، لكنهم يرون أن الدوائر المغربية قد وظفت أكثر من اللازم في حملتها التي استهدفت الاعتراف الدولي بموريتانيا أو ما عرف تاريخيا “بالمسألة الموريتانية بالمحافل الدولية”
وهكذا، حسب الموقف الموريتاني كانت الدعاوي المغربية بشأن موريتانيا تقوم على دعامتين، بعد تاريخي وآخر وثائقي.فالبنسبة للبعد التاريخي اعتمدت المؤسسة السياسية المغربية على ما كتبه الشيخ “ماء العينين” حينما ذهب إلى تهنئة جلالة الملك لدى عودته من المنفى سنة 1956، حيث شكل مادة دسمة لزعيم الاستقلال الراحل “علال الفاسي” الذي نشره عام 1957 ليكون أول مطبوعات مجلة “صحراء المغرب” التي أصدرها الزعيم الفاسي في مارس من نفس العام، واتخذ لها شعار “الدفاع عن حدود المغرب الطبيعية والتاريخية”
أما من الناحية الوثائقية التي استند إليها المغرب في دعواه، نشرها “علال الفاسي” تباعا في أعداد الأسبوعية لمجلة(صحراء المغرب)تحت عنوان “الحدود المغربية”، ولا تتضمن أيا من هذه الوثائق تصريحا يفيد بعائدية المنطقة الموريتانية للمغرب.
هذا الحكم راجع لكون “علال الفاسي” في كثير من الأحيان، ولتأكيد أطروحته اعتمد على اجتهادات وتفسيرات تشير إلى عائدية موريتانيا للمغرب، كما أن العديد من المعاهدات الدولية التي عقدتها حكومة المخزن خلال القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر تؤكد على أن الحدود الجنوبية تمتد بين جبل إفني وواد نون”. إضافة إلى ذلك، فإن المعاهدات والمواثيق التي عقدها أمراء موريتانيا العرب كأمراء الترارزة والبراكنة وأدرار خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر مع ممثلي الدول الأوربية تؤكد في مجموعها سيادة هؤلاء الأمراء الكاملة على إمارتهم، إذ لم يرد في مضمون أي معاهدة منها ذكر أو إشارة إلى سلطان المغرب. وهكذا حسب الرد الموريتاني، فالمطالب المغربية بضم موريتانيا كان ينقصها الأساس التاريخي والوثائقي القانوني
ورغم كل المحاولات المغربية حصلت موريتانيا على استقلالها في إطار المجموعة الفرنسية في 28 نونبر 1958 وفي 17 يونيو من سنة 1959 أجريت انتخابات أسفرت عن رئاسة “ولد دادا” لمجلس الوزراء في 23 يونيو 1959، ومن أجل إبعاد المطامح المغربية خاضت موريتانيا معركة سياسية ضد المغرب طيلة الستينات، ارتكزت خلالها على ثلاث محاور: محور التحالف مع الجزائر، محور الحق التاريخي لموريتانيا في الصحراء الغربية المغربية، ومحور المطالبة بقيام دولة صحراوية مستقلة عن المغرب وموريتانيا تفصلهما عن بعضهما جغرافيا وتبعد بالتالي الخطر المغربي المباشر، وتنهي تعقيدات الحدود المشتركة إضافة إلى توجيه هموم المغرب نحو الدولة الجديدة.
خلاصة واستنتاجات:
خلاصة القول إذن، إلى أي مدى تبقى هاتان الأطروحتان معا صحيحتين؟
فمن الناحية القانونية، يظهر أن الأسس التي اعتمدها المغرب تعد من الضعف حيث أفقدها القوة على الصمود والدفاع، مما اضطر المغرب إلى التراجع عنها في الأخير جزئيا (موريتانيا وبعض المناطق الجنوبية الشرقية) بحيث ظل التأكيد على هذه الحقوق فيما يتعلق بمطالبه القاضية باسترجاع الصحراء المستعمرة الاسبانية السابقة في السبعينات إلى اليوم
أما من حيث مفهوم الحق التاريخي المبني على قاعدة الانتماء الديني ضعيف أمام أحكام القانون الدولي الوضعي، خصوصا أن مظاهر هذه السيادة كانت قد انقطعت لفترات في بعض هذه المناطق كما هو الشأن بالنسبة لموريتانيا التي ظلت علاقتها بالحكام المغاربة منذ 1740 علاقة رمزية لا تتعدى أحيانا تقديم الهدايا أو تقديم الدعم، وازداد الأمر صعوبة بالنسبة للمغرب لإثبات مغربية موريتانيا عندما أعلنت فرنسا عن استقلال موريتانيا في 28 نونبر 1960 مما دفع الدبلوماسية المغربية إلى نهج أسلوب آخر للدفاع عن أطروحته، يمكننا أن نجمله في ثلاث تحركات أساسية.
فبمجرد الإعلان عن الاستقلال سعت الدبلوماسية المغربية إلى مواجهة هذا الأمر الواقع من خلال التركيز على طرح مفاده أن المسألة الموريتانية هي إحدى تجليات تصفية الاستعمار، ومن ثم فهي تتطلب مساندة الدول التواقة إلى الحرية والانعتاق، بل أكثر من ذلك نجد أن المغرب سينخرط في توجه غير توجهه لدعم تصوره، حينما كثف من توجهه التقدمي لاستمالة المعسكر التقدمي لأطروحته كمناهض للاستعمار في إفريقيا والعالم العربي، وقد تجلى في رفضه الانضمام إلى أي حلف من الأحلاف العسكرية وتصفية القواعد العسكرية الفرنسية في المغرب، ومناهضة التجارب النووية في صحراء الركان .
وللمزيد من كسب التأييد الإفريقي والدولي، لم تتورع الرباط عن إرسال تجريدة عسكرية إلى الكونغو حيث كان الجنرال “الكتاني” نائبا لرئيس القوات الأممية المساندة للحكومة الشرعية بزعامة “باتريس لومومبا” ضد منشقي كاتونغا هادفا –المغرب- من وراء ذلك الظهور بمظهر الدولة المناهضة للاستعمار والمعادية للقوى الاستعمارية في إفريقيا، كما كانت رسالة مضمرة لتشبيه المسألة الكنغولية بالقضية الموريتانية
وعلاوة على هذا وذاك، ونظرا للصراع الإيديولوجي الذي عرفته القارة في بداية الستينات، ومن أجل سحب البساط من مجموعة برازافيل المعتدلة التي كانت تساند استقلال موريتانيا عن المغرب، ساهم المشهد السياسي المغربي في إبراز كتلة الدار البيضاء التي ضمت دولا معادية للإمبريالية، عقدت أول مؤتمر لها في البيضاء المغربية من 4 إلى 7 يناير 1961[50].
وكان من نتائج تحركات الدبلوماسية المغربية على صعيد المجموعة الإفريقية التقدمية حصولها على التأييد الكامل للمطالب الترابية بموريتانيا، حيث أصدرت المجموعة قرارا يندد علانية بأنواع الاستغلال الاقتصادي والسياسي والعسكري لإفريقيا، كما يؤكد المؤتمر كل عمل يقوم به المغرب في موريتانيا لاسترجاع حقوقه المشروعة فيها،واستطاعت الدبلوماسية المغربية الحصول على التأييد الكامل على الصعيد العربي حيث ساند مجلس الجامعة العربية الذي انعقد في لبنان (شنتورة) في الثاني والعشرين (22) من غشت سنة 1960 مطالب المغرب في هذا الشأن.
تحركات الدبلوماسية المغربية سواء على المستوى القاري أو العربي أو الدولي لم تفلح في تغليب أطروحة الانتماء الموريتاني للتراب المغربي، حيث استطاعت موريتانيا اكتساب العضوية في الأمم المتحدة، مكرسة بذلك استقلالها، وللإشارة فإن قبول موريتانيا بالأمم المتحدة لم يتم بشكل نهائي إلا بعدما قبلت الولايات المتحدة عضوية دولة منغوليا بالأمم المتحدة، حيث أن الاتحاد السوفياتي رفض قبول موريتانيا بالأمم المتحدة واستخدم حق “الفيتو” على قبول دولة منغوليا الشعبية، واعتبر المغرب عدم قبول موريتانيا في المنظمة الدولية انتصارا لقضيته، لكن موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على قبول منغوليا بالأمم المتحدة دفع بالاتحاد السوفياتي لسحب اعتراضه على قبول موريتانيا
وأمام التغيرات التي عرفتها الساحة السياسية الداخلية والخارجية،تآكل الموقف المغربي تدريجيا، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، تقاسمه رأيان مما يعني غياب الإجماع السياسي المغربي وسيتأكد الطرح المنافي لعملية الضم بعد وفاة الملك “محمد الخامس” واعتلاء العرش من طرف “الحسن الثاني” الذي كان يناصر تقرير مصير الشعب الموريتاني.
نتائج هذه المستجدات ستنتهي بتطبيع العلاقات المغربية الموريتانية، ظهر ذلك في إلغاء الوزارة المكلفة بالشؤون الموريتانية والصحراوية في 13 نونبر 1963 وعودة مجموعة من المنشقين الموريتانيين إلى بلادهم.
من العوامل الأساسية أيضا التي ساهمت بشكل كبير في تراجع الطموح المغربي، عدم وضوح الملف المغربي وعدم سلامة الحجج التي كان يستند إليها وتأرجحها بين تصفية الاستعمار، وهو الأمر الذي استندت إليه موريتانيا وأنصارها، وبين استكمال الوحدة الترابية، الأمر الذي لم يكن يجد مناصرين حتى بين الدول القريبة، كما هو الأمر بالنسبة لتونس التي اعتبرت هذا المطلب بمثابة نزعة توسعية
إضافة إلى كون الدول الإفريقية والثورية بالخصوص غيرت من مواقفها اتجاه القضية الموريتانية، ذلك أن “نكروما” غانا لم يجد حرجا في إعلان اعتراف حكومة بلاده باستقلال موريتانيا عشية حلوله بالبيضاء وكذلك مالي ممثلة في رئيس وزرائها “موديبوكايتا” الذي لم يكن يحبذ قط فكرة اندماج موريتانيا في المغرب
وأخيرا وأثناء اعتراف المجتمع الدولي بموريتانيا كدولة مستقلة، لم تجد دول مجموعة البيضاء بدا من الاعتراف بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، لتفقد بذلك الدبلوماسية المغربية آخر أوراقها
هذه الأحداث المتسارعة حول القضية الموريتانية من طرف المجتمع الدولي والدول الإفريقية كانت خواتم سنة 1962، ومع حلول سنة 1963 سنة انعقاد المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الافريقية ستظهر مستجدات أخرى حول هذه القضية.
ثالثا: القضية الموريتانية أثناء وبعد تأسيس المنظمة
1- القضية الموريتانية أثناء انعقاد المؤتمر:
نشأت منظمة الوحدة الإفريقية نتيجة التقارب الذي حصل بين المجموعات المتعارضةالمعتدلة والثورية في إفريقيا، لكن دون أن يمنع هذا التقارب من حدوث بعض الأحداث الطارئة والاستثنائية التي عبر عنها “موديبو كايتا” رئيس مالي بقوله: “لا يمكن للمغرب أن يكون خارج إفريقيا لأنه جزء لا يتجزأ منها”، لكن تمة أحداث طارئة منعت “الحسن الثاني” من حضور قمة أديس أبابا.
غياب المغرب هذا جاء نتيجة حضور الوفد الموريتاني بالمؤتمر التأسيسي، ونظرا لآمال جل رؤساء الدول الإفريقية آنذاك في إحداث منتظم إفريقي شامل يعبر عن الوحدة والتضامن الإفريقي، حاولت الدول الإفريقية التدخل بكل الوسائل للحيلولة دون فشل القمة الإفريقية، لكن المغرب رفض أي تدخل في الموضوع من جانب الزعماء الأفارقة لحملها على تليين موقفها، وقد عبر المغرب عن موقفه أمام هذا الحادث عبر العديد من الجهات المسؤولة، وفي هذا الصدد ندرج تصريح وزير الإعلام المغربي “لقد كانت القضية الموريتانية سببا في تخلف الرباط عن عدد من اللقاءات الإفريقية كما أنها ثبطت جهوده في خلق الوحدة القارية”. وفي نفس السياق يأتي تعبير مدير الديوان الملكي “إنه بالرغم من لين موقف الحكومة المغربية من القضية الموريتانية إلا أن جلالته يعتبر حضوره إلى حدث تأسيس المنظمة الإفريقية إلى جانب ولد دادة أمرا سابقا لأوانه”، وعلاوة على ذلك عبر بيان البعثة المغربية إلى أديس أبابا عن عدم حضور أشغال القمة التأسيسية لمنظمة الوحدة الإفريقية الراجع إلى موقف المغرب من القضية الموريتانية.
وإذا كان المغرب قد عبر عن ردة فعله اتجاه القضية الموريتانية بعدم حضور المؤتمر وعلى أعلى مستوى، فإن الجانب الموريتاني استغل هذه المناسبة الإفريقية الهامة لتطعيم الاستقلال وتأكيد اعتراف المجتمع الدولي، حيث اعتبرت –موريتانيا- دعوتها وحضورها إلى قمة أديس أبابا التأسيسية دعما دوليا متجددا لاستقلالها
ورغم عدم التزام الدول الإفريقية العضوة في مجموعة الدار البيضاء بمساندة المغرب في مطالبه الترابية حول موريتانيا ورغم الاعتبارات الجغرافية والتاريخية التي تربط بين المغرب ومحيطه الإفريقي،لم تعكس السياسة المغربيةذلك بتناغم كبير[64]، فقد عرفت العلاقات المغربية الإفريقية منعرجات عديدة عكست إلى حد كبير نظرة القارة السوداء لقضايا المغرب خاصة الترابية منها، كما عكست أيضا وجهة نظر المغرب اتجاه الأقطار الإفريقية.
إن اختلاف وجهات النظر بين الطرفين وصلت إلى حد اتهام المغرب بالسعي نحو التوسع وتعقيد مشاكل القارة، ممافرض عليه -أي المغرب- نهج سياسة الكرسي الفارغ التي أصبحت الموجه الأساسي لسياسته الخارجية اتجاه القارة السمراء، إلا أن الدبلوماسية المغربية خاصة في السنوات الأخيرة حاولت إعادة تحديد أهدافها من خلال إنماء العلاقات الثنائية والمساهمة في بعض التجمعات الإفريقية خارج منظمة الوحدة الإفريقية
2- موقف المغرب من القضية الموريتانية بعد التأسيس:
من المستجدات الهامة التي ظهرت بعد تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية والتي كانت تنبئ بقرب انتهاء المسألة الموريتانية، لين الرباط اتجاه مطالبه الترابية، هذه التطورات تمثلت في ثلاث نقط أساسية:
1-الزيارة الحسنية للسنغال في مارس 1964 والتي صرح أثناءها العاهل المغربي بقوله: “إن عهد الفتوحات قد ولى ابتداء من اللحظة التي يختار فيها كل شعب النظام الذي يرضاه لنفسه، إن احترام إرادة الشعوب واجب ملح على كل الأعضاء في العائلة الإفريقية” ويواصل “الحسن الثاني” كلامه بقوله: “لا خيار أمامنا إلا الاتحاد والوحدة وأن التدخل في الشؤون الداخلية للدول هو أكبر خطر يهدد قارتنا”
تصريح تأكيدي لقرب انتهاء الأزمة الموريتانية دلت عليه العبارات التي استعملها العاهل المغربي: كاختيار النظام واحترام إرادة الشعوب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذه العبارات كلها نجدها مثبتة كمبادئ أساسية بميثاق منظمة الوحدة الإفريقية في إطار تحديد العلاقة بين الدول الإفريقية.
2-التطور الثاني ظهر على المستوى الإفريقي، وتمثل في الحضور الرسمي “للحسن الثاني” لمؤتمر القمة الثاني لمنظمة الوحدة الإفريقية بالقاهرة ما بين 17و 21 يوليو من السنة 1964 إلى جانب “المختار ولد دادا” رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
بوادر التطبيع لم تظهر فقط في جلوس “الحسن الثاني” إلى جانب “ولد دادا” في قمة تجمع العديد من رؤساء الدول الإفريقية، بل من خلال اللقاء الذي تم بين وزيري إعلام الدولتين واللذان أكدا وقف الحملات الإعلامية ضد بعضهما البعض.
3-التطور الثالث ظهر على مستوى وساطة الدول الإفريقية، وعلى رأسها دولتي تونس والسنغال اللتان عرضتا عقد قمة إفريقية رباعية لرؤساء هذه الدول الإفريقية، لكن هذه القمة لم يكتب لها النجاح نظرا لتدخل بعض الدول الإفريقية التي كانت غير مرتاحة لضم موريتانيا للتراب المغربي.
كل هذه المستجدات والتطورات، جعلت الرباط تغير موقفها اتجاه موريتانيا، حيث عبرت عن قبول وساطة الدول الإفريقية السالفة الذكر من أجل إنهاء النزاع بين البلدين، موقف ترجمه المغرب من خلال الإجراءات الداخلية التي تمثلت في التعديل الحكومي الذي ألغت من خلاله الرباط المكتب المكلف بقضيتي الصحراء وموريتانيا تماما، كما أعفت الأمير “فال ولد عمير” ذي الأصول الموريتانية من مهامه الحكومية.
إن الفترة الممتدة ما بين 1967 و 1969 كانت كافية لتليين موقف الرباط اتجاه موريتانيا، حيث توجت كل المبادرات السالفة الذكر بالاعتراف الرسمي للمملكة المغربية بالنظام الموريتاني سنة 1969.هذا الاعتراف شكل منعطفا تاريخيا خطيرا في تاريخ العلاقات المغربية الإفريقية، وهذا ما خلص إليه أحد الباحثين في السياسة الخارجية المغربية إذ يذكر أنه بعد إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، وقبول المغرب باستقلال موريتانيا كحدث لا رجعة فيه قامت الحكومة المغربية بتغيير توجهاتها في السياسة الإفريقية منذ أواسط الستينات، فعوضت تحالفها مع “إفريقيا التقدمية” بتمتين علاقاتها مع الدول الفرنكوفونية المعتدلة وخاصة السنغال وساحل العاج،وهكذا- يواصل الباحث كلامه- وجد المغرب الذي لم يحصل على دعم كاف في مطالبه بموريتانيا نفسه من جديد دون دعم من القارة الإفريقية في نزاع الصحراء المغربية
المصدر: أفريكا عربي