حركة حماس :النشأة والتطور

18472996251294813784

وزعت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) بيانها التأسيسي في 15كانون الأول /ديسمبر 1987، إلا أن نشأة الحركة تعود في جذورها إلى الأربعينات من هذا القرن، فهي امتداد لحركة الاخوان المسلمين،وقبل الاعلان عن الحركة استخدم الاخوان المسلمون اسماءً أخرى للتعبير عن مواقفهم السياسية تجاه القضية الفلسطينية منها (المرابطون على أرض الاسراء) وحركة الكفاح الاسلاميوغيرها.
اولاً : دوافع النشأة :
نشأت حركة المقاومة الإسلامية حماس نتيجة تفاعل عوامل عدة عايشها الشعب الفلسطيني منذ النكبة الأولى عام 1948 بشكل عام، وهزيمة عام 1967 بشكل خاص وتتفرع هذه العوامل عن عاملين أساسيين هما : التطورات السياسية للقضية الفلسطينية وما آلت إليه حتى نهاية عام1987، وتطور الصحوة الإسلامية في فلسطين وما وصلت إليه في منتصف الثمانينات .
ا- التطورات السياسية للقضية الفلسطينية :
أخذ يتضح للشعب الفلسطيني أن قضيته التي تعني بالنسبة إليه قضية حياة أو موت ، وقضية صراع حضاري بين العرب والمسلمين من جهة والصهاينة من جهة أخرى، أخذت تتحول إلى قضية لاجئين فيما بعد النكبة ، أو قضية إزالة آثار العدوان، والتنازل عن ثلثي فلسطين فيما بعد هزيمة عام 1967، الأمر الذي دفع الشعب الفلسطيني ليمسك زمام قضيته بيده، فظهرت م.ت.ف وفصائل المقاومة الشعبية.
ولكن برنامج الثورة الفلسطينية الذي تجمع وتبلور في منظمة التحرير الفلسطينية تعرض في الثمانينات إلى سلسلة انتكاسات داخلية وخارجية عملت على إضعافه وخلخلة رؤيته. وكانت سنوات السبعينات قد شهدت مؤشرات كثيرة حول إمكانية قبول م.ت.ف بحلول وسط على حساب الحقوق الثابتة للشعب والأمة الفلسطينية خلافاً لما نص عليه الميثاق الوطني وتحولت تلك المؤشرات إلى أطروحات فلسطينية واضحة تزايدت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، والاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان ثم محاصرة بيروت عام 1982.
وكان هذا الحصار أكبر إهانة تتعرض لها الأمة بعد حرب عام 1967، رغم الصمود التاريخي للمقاومة الفلسطينية فيها ، إذ تم حصار عاصمة عربية لمدة ثلاثة أشهر دون أي رد فعل عربي حقيقي ، وقد نتج عن ذلك إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وخروجها من لبنان، الأمر الذي عزز الاتجاهات الداعية للتوصل إلى تسوية مع العدو داخل المنظمة .
وتضمنت أطروحات التسوية التنازل عن قواعد أساسية في الصراع مع المشروع الصهيوني وهي:
1-الاعتراف بالكيان الصهيوني وحقه في الوجود فوق أرض فلسطين .
2-التنازل للصهاينة عن جزء من فلسطين، بل عن الجزء الأكبر منها.
وفي مثل هذه الظروف التي لقيت استجابة من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية ، تراجعت إستراتيجية الكفاح المسلح،كما تراجع الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية. وكانت معظم الدول العربية تعمل على تكريس مفهوم القطرية بنفس فئوي بشكل مقصود او غير مقصود، وذلك من خلال وترسيخ المفاهيم القطرية، خاصة بعد أن اتخذت الجامعة العربية قراراً في قمة الرباط عام 1974 باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
وبعد نشوب الحرب العراقية – الإيرانية أصبحت قضية فلسطين قضية هامشية عربياً ودولياً، وبموازاة ذلك كانت سياسة الكيان الصهيوني تزداد تصلباً بتشجيع ومؤازرة من الولايات المتحدة الأمريكية التي وقعت معه معاهدة التعاون الاستراتيجي في عام 1981 الذي شهد أيضاً إعلان ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة وتدمير المفاعل النووي العراقي .
وفيما كانت الدول العربية تتعلق بأوهام الأمل الذي عقدته على الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، كان التطرف الصهيوني يأخذ مداه مع هيمنة أحزاب اليمين على سياسة وإدارة الكيان، وكانت سياسة الردع التي تبناها الكيان الصهيوني منذ عقود هي السياسة التي لا يتم الخلاف عليها، لذلك نفذت بعنجهية عملية حمام الشط التي قصفت فيها مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في أكتوبر عام 1985. ولقيت هذه الإعمال دعماً وتشجيعاً كاملين من قبل الإدارة الأمريكية التي عقدت عليها الآمال العربية بتحقيق طموحات القمم المختلفة !!
وعلى الصعيد الدولي كانت الولايات المتحدة قد تقدمت خطوات واسعة بعيداً عن الاتحاد السوفيتي في فرض إرادتها وهيمنتها، ليس على المنطقة فحسب بل وعلى العالم بأسره، حيث كانت المشاكل المتفاقمة يوماً إثر يوم داخل الاتحاد السوفيتي تتطلب منه الالتفات الى الوضع الداخلي فأنتج التركيز الشديد على ذلك تراجع أولويات الإدارة السوفيتية وانسحابها التدريجي من الصراعات الإقليمية وترك الساحة للأمريكان، وقد انتهى الدور السوفيتي في المنطقة بصورة لم تتوقعها الحكومات العربية وغالبية الفصائل الفلسطينية وألحق أضراراً بموقفها السياسي من الصراع.
ب- محور الصحوة الإسلامية :
شهدت فلسطين تطوراً واضحاً وملحوظاً في نمو وانتشار الصحوة الإسلامية كغيرها من الأقطار العربية، الأمر الذي جعل الحركة الإسلامية تنمو وتتطور فكرة وتنظيماً، في فلسطين المحتلة عام1948، وفي أوساط التجمعات الفلسطينية في الشتات وأصبح التيار الإسلامي في فلسطين يدرك أنه يواجه تحدياً عظيماً مرده أمرين اثنين :
الأول : تراجع القضية الفلسطينية إلى أدنى سلم أولويات الدول العربية .
الثاني : تراجع مشروع الثورة الفلسطينية من مواجهة المشروع الصهيوني وإفرازاته إلى موقع التعايش معه وحصر الخلاف في شروط هذا التعايش.
وفي ظل هذين التراجعيين وتراكم الآثار السلبية لسياسات الاحتلال الصهيونية القمعية الظالمة ضد الشعب الفلسطيني، ونضوج فكرة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، كان لا بد من مشروع فلسطيني إسلامي جهادي، بدأت ملامحه في أسرة الجهاد عام 1981 ومجموعة الشيخ أحمد ياسين عام 1983 وغيرها .
ومع نهايات عام 1987 كانت الظروف قد نضجت بما فيه الكفاية لبروز مشروع جديد يواجه المشروع الصهيوني وامتداداته ويقوم على أسس جديدة تتناسب مع التحولات الداخلية والخارجية، فكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التعبير العملي عن تفاعل هذه العوامل .
وقد جاءت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استجابة طبيعية للظروف التي مر بها الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة منذ استكمال الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية عام 1967.
وأسهم الوعي العام لدى الشعب الفلسطيني، والوعي المتميز لدى التيار الإسلامي الفلسطيني في بلورة مشروع حركة المقاومة الإسلامية الذي بدأت ملامحه تتكون في عقد الثمانينات . حيث تم تكوين أجنحة لأجهزة المقاومة، كما تم تهيئة القاعدة الجماهيرية للتيار الإسلامي بالاستعداد العملي لمسيرة الصدام الجماهيري مع الاحتلال الصهيوني منذ عام 1986.
وقد أسهمت المواجهات الطلابية مع سلطات الاحتلال في جامعات النجاح وبيرزيت في الضفة الغربية والجامعة الإسلامية في غزة، في إنضاج الظروف اللازمة لانخراط الجماهير الفلسطينية في مقاومة الاحتلال ، خاصة وأن سياساته الظالمة ، وإجراءاته القمعية وأساليبه القهرية قد راكمت في ضمير الجماهير، نزعة المقاومة والاستبسال في مقاومة الاحتلال .
ثانياً: التطور
وكان حادث الاعتداء الآثم الذي نفذه سائق شاحنة صهيوني في 6 كانون الأول/ديسمبر1987، ضد سيارة صغيرة يستقلها عمال عرب وأدى الى استشهاد أربعة من أبناء الشعب الفلسطيني في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، إعلاناً بدخول مرحلة جديدة من جهاد الشعب  الفلسطيني، فكان الرد بإعلان النفير العام. وصدر البيان الأول عن حركة المقاومة الاسلامية (حماس) يوم الخامس عشر من ديسمبر 1987 إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في جهاد الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم ، وهي مرحلة يمثل التيار الإسلامي فيها رأس الحربة في المقاومة .
وقد أثار بروز حركة (حماس) قلق العدو الصهيوني، واستنفرت أجهزة الاستخبارات الصهيونية كل قواها لرصد الحركة وقياداتها، وما أن لاحظت سلطات الاحتلال استجابة الجماهير للإضرابات ،وبقية فعاليات المقاومة التي دعت لها الحركة منفردة منذ انطلاقتها، وصدور ميثاق الحركة، حتى توالت الاعتقالات التي استهدفت كوادر الحركة وأنصارها منذ ذلك التاريخ .
وكانت اكبر حملة اعتقالات تعرضت لها الحركة آنذاك في شهر أيار /مايو 1989، وطالت تلك الحملة القائد المؤسس الشيخ المجاهد أحمد ياسين .
ومع تطور أساليب المقاومة لدى الحركة التي شملت أسر الجنود الصهاينة. في شتاء عام 1989 وابتكار حرب السكاكين ضد جنود الاحتلال عام 1990 جرت حملة اعتقالات كبيرة ضد الحركة في ديسمبر/1990 ، وقامت سلطات الاحتلال بإبعاد أربعة من رموز الحركة وقيادييها، واعتبرت مجرد الانتساب للحركة جناية يقاضى فاعلها بأحكام عالية !
ودخلت الحركة طوراً جديداً منذ الإعلان عن تأسيس جناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام في نهاية عام 1991 وقد أخذت نشاطات الجهاز الجديد منحى متصاعداً، ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وفي ديسمبر 1992 نفذ مقاتلو الحركة عملية أسر الجندي نسيم توليدا نو، قامت على إثرها السلطات الصهيونية بحملة اعتقالات شرسة ضد أنصار وكوادر الحركة، واتخذ رئيس وزراء العدو الأسبق إسحاق رابيين قراراً بإبعاد 415 رمزاً من رموز شعبنا كأول سابقة في الإبعاد الجماعي، عقاباً لحركة حماس . وقدم مبعدو حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي نموذجاً رائعاً للمناضل المتشبث بأرضه مهما كان الثمن، مما اضطر رابين إلى الموافقة على عودتهم بعد مرور عام على ابعادهم قضوه في العراء في مخيم مؤقت في مرج الزهور في جنوب لبنان.
لم توقف عملية الإبعاد نشاط حركة (حماس) ولا جهازها العسكري حيث سجل العام1993معدلاً مرتفعاً في المواجهات الجماهيرية بين أبناء الشعب الفلسطيني وجنود الاحتلال الصهيوني، ترافق مع تنامي الهجمات العسكرية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وفي أعقاب تنامي موجة المقاومة الشعبية فرض العدو إغلاقاً مشدداً على الضفة الغربية وقطاع غزة في محاولة للحد من تصاعد المقاومة .
وفي/فبراير/ 1994 أقدم مستوطن إرهابي يهودي يدعى باروخ غولدشتاين على تنفيذ جريمة بحق المصلين في المسجد الإبراهيمي في الخليل مما أدى لاستشهاد نحو 30 فلسطينياً وجرح نحو100 آخرين برصاص الإرهابي اليهودي.
حجم الجريمة وتفاعلاتها دفعت حركة (حماس) لإعلان حرب شاملة ضد الاحتلال الصهيوني وتوسيع دائرة عملياتها لتشمل كل إسرائيلي يستوطن الأرض العربية في فلسطين لإرغام الصهاينة على وقف جرائمهم ضد المدنيين الفلسطينيين العزل.
اليوم تقف حركة (حماس) كقوة أولى في مواجهة المشروع الصهيوني، وهي رغم الحملة الشاملة المعادية التي تعرضت لها ما زالت القوة الرئيسية التي تحفظ للقضية الفلسطينية استمرارها وتمنح الشعب الفلسطيني وجميع أبناء الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم ثقة بإمكانية التصدي للمشروع الصهيوني الذي يعيش منذ بداية التسعينات عصره الذهبي، وأملاً بإمكانية هزيمته وتدميره بإذن الله .
 

شاهد أيضاً

تجريد منت الصادق من مهامها

جرد مجلس الوزراء خلال اجتماعه اليوم الخميس المديرة العامة للمركزية لشراء الأدوية “كاميك” أم الفضل …