إلى عهد قريب كانت الحكومة الفرنسية تحذر رعاياها من السفر نحو بلدان عديدة بما فيها موريتانيا موشحة خرائطها بالأحمر لرسم صورة نمطية سيئة في أذهان الأوربيين عن الأمن والاستقرار في تلك الدول وتوقع عمليات إرهابية في كل لحظة.
إن تداعيات العملية الأخيرة ضدّ “شارلي أبدو” توضح بكل جلاء مدا هشاشة الأمن حين تكون ردة الفعل نابعة من المحيط الداخلي وخارج نطاق السيطرة والتوقع.
هل هو غباء المخابرات الفرنسية؟ أم احترامها للقانون وحرية الأفراد؟ أم أن عقدة الموساد عادت لتفجر من جديد نظرية المؤامرة….؟، قد يفرض تقاطع المصالح في بعض الأحيان احتضان الجني للملاك…
في وضح النهار وتحت أعين الشرطة والناس العاديين ضرب وسط باريس عاصمة الأنوار والأناقة والفكر والأمن والقانون، ووقعت الصحيفة المدللة تحت رحمة فوهات بنادق محاربين فرنسيين من أبناء الضواحي…!!
لا أشاطر الرأي من تذكر الحادي عشر من سبتمبر.. أنا تذكرت الحرب العالمية الثانية…!
ها هي فرنسا تُهزم مرة أخرى…!
استقلت افريقيا نهاية تلك الحرب بعدما أيقن الأفارقة أن الفرنسي يهزم…..!، هل دخلنا بداية عهد جديد ربما باستشرافنا لمستقبل أمة ما وراء البحار نؤسس من اللحظة لبداية الاستقلال الثاني.
هزمت فرنسا التي غيرت مسار رالي باريس دكار الذي طالما أخذ قوته وعراقته وتشويقه من لون الصحراء الموريتانية ووعورة مسالكها المتشعبة تحت ذريعة الخوف من الأعمال الإرهابية الموجهة.
فرنسا التي تتهكم بضعف الجيش المالي وعجزه عن السيطرة على كامل ترابه الوطني…!
هزمت فرنسا أكثر من ذلك عندما انكشفت سوأتها أمام الجميع وأعلنت على لسان قادتها أنها يهودية أكثر من اليهود… عندما أعلنت أنها سامية أكثر مما هي مسيحية… أي نفاق هذا، أم أنه حقيقة العداء للإسلام… إنها العنصرية بكل تجلياتها… إنه العداء للمهاجرين وأبناء الضواحي وأحفاد المحاربين المحررين.
تتعرى قيّم الجمهورية ويسقط قناع الحقوق وتتمرغ هالة الأنوار في وحل ازدواجية المعايير وبدائية التفكير عندما تقيم فرنسا الدنيا لقتل المسيئين المعتدين على مقدسات الأمم والشعوب وتحتفي “بالنتن ياهو” عدو الحرية وحفّار المدافن الجماعية.. قاتل النساء والأطفال والأحلام والآمال، وأشجار الزيتون… مصاص الدم الفلسطيني.. ومهندس اغتيال الكلمة والبسمة والرسم وحرية التعبير… أين كانت فرنسا يوم قتلوا ناجي العلي أم أن أقلام الرصاص ليست متشابهة..!؟.
لقد جاء “النتن ياهو” إلى باريس بكل حماس ليدوس فوق مبدإ السيادة على إسفنت ساحة الجمهورية في حضرة حامي الدستور بدعوته يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل…
نعم فرنسا ليست آمنة لكن ما يدريك لعل أرض الميعاد في الأيام القادمة تكون أكثر هلعاً من باريس يوم تأبّط الأخوان “كواشي وأحمدي كوليبالي” أسلحتهم الرشاشة.
الإرهـاب ماركة يهوديـة مسجلـة
أليس اليهود هم الدين اغتالوا “اللورد مورين” في القاهرة؟.
أليس اليهود هم الذين اغتالوا “الكونت برناديت” في فلسطين؟.
أليس اليهود هم من اقترف أبشع المذابح في التاريخ “ديرياسين”، صبرا وشاتيلا، وقانا، ومذابح غزة بنسخها المتتالية؟.
ثم أليس اليهود هم من يمارسون إرهاب الرأي العام بجماعات ضغطهم ولوبياتهم المتغلغلة في جسم الديمقراطيات الغربية والتي أفقدتها روح الديمقراطية الحقيقة واستطاعت من خلالها الصهيونية العالمية التحكم في كل شيء؟.
إن مجرد التشكيك في المحرقة جريمة يعاقب عليها القانون، والاتهام بمعاداة السامية كفيل بأن يجعل من المتهم به شخصا منبوذا في مجتمع القيّم الديمقراطي الفرنسي…!
ألا يحق بالمقابل لمسلمي فرنسا أن يطالبوا على نفس النحو أن يكون العداء للإسلام والإسلامو فوبيا جريمتين يعاقب عليهما القانون داخل مجتمع القيم العادل والمعتدل والمتساوي في الحقوق والواجبات؟.
من خلال حملتها الإعلامية ومسيرتها المليونية استطاعت فرنسا أن تمرر رسالة غبية… الاحتفاء بقتلى الجمهورية وتكريم أرواحهم مشهد لن يستفيد منه إلا الرئيس “فرانسوا هولند” في صعود شعبيته أمام منافسيه حين لم تشفع له الوعود والسياسات، أما فرنسا التي أمام أعيننا فلا..
لأنها مارست القتل في جميع أنحاء العالم وعبر فترات تاريخية متلاحقة، فقد عانت مستعمراتها في كل مكان من أنواع الظلم والاستبداد والجرائم المنظمة، وفي وقت لاحق شاركت القوات الفرنسية في كل حروب الإبادة الممارسة على الشعوب الضعيفة.
أليس ذلك إرهابا منظما وظلما في حق البشرية؟
رئيس الوزراء الفرنسي السابق “دومنيك دفلبان” في حديث تلفزيوني يقول: “إن السياسة الغربية هي التي صنعت الإرهاب الإسلامي، إن التدخل الغربي في افغانستان والعراق وليبيا ومالي رفع عدد الجهاديين من بضعة آلاف إلى ما يزيد على ثلاثين ألف مقاتل”.
ظهر بعض القادة العرب والمسلمين في مسيرة باريس تضامنا مع حرية التعبير… أين كانوا يوم منعت فرنسا المسلمات من ارتداء الحجاب، وأصبح التمييز ضد الملتحين وممارسي الشعائر الدينية أمراً شائعا؟ ثم أين هم من سجناء الرأي الذين تكتظ بهم سجون بلدانهم؟، ثم أين كانوا يوم أساءت “شارلي” لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؟… ولهم أن يدفنوا أنوفهم في التراب، فرأي الرابطة الكاثوليكية بأمريكا في أحداث شارلي كان كما يلي: “وسائل الإعلام استفزازية للغاية رسامي شرلي تصرفوا كفاجرين ومن حق المسلمين الغضب”.
“عدد الناجين” هو الاسم الذي أطلقته شارلي على النسخة الجديدة مستفزة بذلك مشاعر المسلمين، وبمباركة من فرنسا وتحت حماية عشرة آلاف جندي معبئين لتأمين الجبهة الداخلية والسهر على راحة اليهود.
كانت الرسوم المسيئة من جديد على الصفحة الأولى والمفارقة الغريبة هذه المرة أنه إبان إساءة الصحيفة الدانمركية سمعنا أصواتا منادية بالكثير في عالمنا الإسلامي، لكن هذه المرة كانت الأصوات مبحوحة إلى حد أنها لا تكاد تسمع، هل هي الفرنسوفوبيا..!! ؟
ما أود قوله من جديد هو أن فرنسا مهزومة ولا زالت تعيش الهزيمة الرئيس هولاند يختار حاملة الطائرات “شارل ديكول” للحديث عن قوة فرنسا وبطولاتها في المجال العسكري ومجالات حقوق الإنسان والذود عن الحريات العامة ناسيا أو متناسيا حرب الجزائر ومعركة “ديان بيانفو” في فيتنام.
إن استحداث تهمة جديدة تسمى الإشادة بالإرهاب ضد الفنان الفرنسي الساخر “دودونيه” الذي عبر في تدوينة على صفحته عن رأي قد يكون أكثر تقدمية وانسجاما مع القيم الراقية للديمقراطية يعتبر تراجعا واضحا لما يعرف بحرية التعبير ويذكر بممارسات حكومات الحزب الواحد، لأن التهمة في حد ذاتها تعني تلفيق مجموعة من التهم الأخرى وتوصية من وزارة العدل بتطبيق حازم للقانون.
إن حرب فرنسا الحقيقية على الإسلام قد بدأت مع توزيع خمسة ملايين رسم مسيء إلى مشاعر أكثر من مليار ونصف من المسلمين على اختلاف مستويات ردات الفعل لديهم، إلا أنني أتصور أن لكل منهم ردة فعله التي من خلالها سيعبر عن رأيه وما عليها إلا أن تتقبل تعبير الآخرين عن آرائهم بعدما فرضت عليهم رؤيتها تحت لافتة “حرية التعبير”.
الحسن ولد بناهي